الياس توما من براغ: يعتبر المخرج الأمريكي من أصل تشيكي ميلوش فورمان اشهر المبدعين التشيك الذين حققوا شهرة عالمية في الخارج بسبب إثباته موهبته السينمائية كمخرج وممثل وكاتب للسيناريو وكأستاذ جامعي للسينما.
وفي دليل على نجاح الكثير من أفلامه فان فيلم quot;اماديوسquot; الذي روى فيه قصة حياة المبدع الموسيقي العالمي موزارت حصل على 8 جوائز اوسكار في حين حصل فيلم quot; طائر فوق عش الوقواق quot; على 5 جوائز اوسكار أما فيلم quot;العالم ضد لاري فلينتquot; فقد حصل على جائزة مهرجان برلين الدولي.
فورمان احتفل قيل أيام قليلة بعيد ميلاده الثمانين وسط أفراد عائلته لأنه لا يحب الاحتفالات الكبيرة ولذلك يتجنبها وبهذه المناسبة أدلى بحديث للملحق الأسبوعي من صحيفة quot;برافوquot; التشيكية تحدث فيه عن تجربته السينمائية وأعماله وعلاقته بالرئيس التشيكي السابق والكاتب الراحل فاتسلاف هافل.

ــ ماهو الانطباع الأول الذي ساد لديك عند زيارة أمريكا؟
ــ عندما حضرت لأول مرة إلى نيويورك في عام 1969 كنت مذهولا وقلت آنذاك في نفسي بأنه يمكن لي العيش في هذه المدينة غير انه لم يخطر ببالي أبدا بان ذلك سيحدث يوما ما. إنها مدينة رائعة لان كل شخص فيها يمكن له أن يرتب حياته فيها بالطريقة التي تناسبه ولا احد يتدخل في شؤونه أما في بلدنا آنذاك تشيكوسلوفاكيا فقد كان الحزب الشيوعي هو الذي يحكم وكان بمثابة الأخت الأكبر لي التي كانت تقول لي ما الذي يتوجب علي عمله وما هو مسموح وغير مسموح.

ــ غير أن فيلمك الأول في الولايات المتحدة ( المسابقة ) كان فاشلا؟
ــ لقد ظننت وبسذاجة آنذاك بان الجميع سيدهشون به غير أن ذلك لم يحصل وعندما كتبت لمؤسسة السينما التشيكوسلوفاكية quot; فيلم اكسبورت quot; آنذاك طلبا للسماح لي بإخراج فيلم آخر كتبول لي بأنهم انهوا عقد العمل معي وكان ذلك في عام 1971 ولهذا توجب علي الاختيار. لقد كنت اعرف آنذاك بان أفلامي جرى وضعها في صندوق حديدي وانه في حال عودتي إلى بلادي فإنهم لن يتركونني اعمل أو انه سيتوجب علي إخراج أفلام حول الدعاية للشيوعية الأمر الذي لم أكن أريده.
إن الشيء الأصعب في قراري بالبقاء في الولايات المتحدة كان آنذاك هو إنني سأفقد الصلة مع بلدي ومع الناس المقربين لي فيها فانا لم استطع أن اخذ ولدي معي إلى الولايات المتحدة أي بيتر وماتتي وبالنظر لكونني فقدت أهلي في الحرب العالمية الثانية فإنني لم أرد للأولاد أن يفقدوا أمهم كما أن زوجتي الأولى فييرا أرادت البقاء في براغ.
لقد كنت اهدأ نفسي بالقول انه عندما سيرى أطفالي أفلامي فإنهم سيعرفون بأنني إنسان طيب غير انه توجب علي في الولايات المتحدة أن أبدا بشكل مختلف أي إنهاء الفيلم بدون إنهاء قصة الفيلم أمر لا يحبذه المشاهدون الأمريكيون.

ــ كيف كان الطريق إلى فلمك الأول quot; طائر فوق عش الوقواق quot; الذي حصل على 5 جوائز في عام 1975 منها جائزة الاوسكار لأفضل إخراج وجائزة فيلم العام؟
ــ لقد كنت في نفس الوضع الذي كان عليه مثلا رومان بولانسكي وغيره من مخرجي الكتلة الشرقية فلم يكن باستطاعتنا العودة إلى بلادنا ولذلك لم يكن أمامنا سوى القفز في الماء وممارسة السباحة.
إن الفكرة الأولى بموضوع الفيلم quot; طائر فوق عش الوقواق quot; جاءت من كيرك دوغلاس غير انه لم يتمكن من توفير المال اللازم لتحقيق الفيلم لأنه لم يرد احد فيلما عن المعاقين ذهنيا غير انه كان من النوع العنيد وكانت الفترة ستينيات القرن الماضي وقد توجه إلى أوروبا وزار براغ وشاهد بعض أفلامنا وبينها أفلام لي ثم شاهدنا بعضنا في إحدى الحفلات وهناك سألني فيما إذا كان هذا الموضوع يثير اهتمامي وانه سيرسل لي كتاب كين كيسي الخاص بذلك وبالطبع فقد وافقت على ذلك على الفور غير أن هذا الكتاب لم يصلني أبدا.
وبعد 8 أعوام من ذلك جلب لي نفس الكتاب المنتج ساول زانتيز وأيضا مايكل دوغلاس أما الأمر المثير في هذا الموضوع فهو أن مايكل دوغلاس لم يكن يعلم بأنني تحدثت عن موضوع هذا الفيلم مع والده وعندما التقيت لاحقا بكيرك اخذ علي عدم استجابتي لاقتراحه فقلت له متعجبا أنا؟ فالكتاب أنت لم ترسله لي طوال هذه السنين ولم يكن احدنا يعلم آنذاك بان المخابرات الشيوعية هي التي صادرت الكتاب فقد تدخلت الرقابة غير أن القدر كان أقوى.

ــ وكيف كان جاك نيكلسون؟
ــ لقد تقمص الشخصية تماما وكان مورافي حتى خارج أوقات التصوير فهو ممثل ارتجالي بارع لكنه كان دائما مستعدا وجاهزا للتصوير بشكل ممتاز. و كان على الدوام محترفا وانضباطيا وايجابيا ورائعا. لا أستطيع القول بأنني اعرفه خارج ميدان التصوير لكنني أحبه فهو رجل مهذب.

ــ كيف كانت قصة فيلم اماديوس؟
ــ لقد كانت هي الأخرى فصلا كبيرا كقصة إنجاز فيلم الطيران فوق عش الوقواق لأنه لم يرد أي أستوديو إنجاز هذا الفيلم وكانوا يقولون هل تريد تصوير فيلم عن مؤلف موسيقى كلاسيكية؟ ومن الذي سيتفرج عليه؟ إضافة إلى أن هذه الألبسة والباروكات المقترحة في الفيلم ستكون باهظة الثمن وكانوا يظنون أن الأمر ميتا ثم نجح المنتج زانتيز في توفير المال اللازم واتجهنا إلى براغ للتصوير فيها لان فيينا كانت غالية جدا ولذلك عدت إلى براغ بعد عدة أعوام من الغياب عنها غير انه توجب علي تحييد كافة المشاعر والأحاسيس والتركيز على العمل وبالطبع تمت متابعتنا من قبل الشرطة السرية.

ــ لقد كان فيلم العالم ضد لاري فلينت يستحق أيضا جوائز كالتي حصل عليها اماديوس والطائر فوق عش الوقواق غير انك يبدو اصطدمت بالنظرة الأمريكية للمسالة.
ــ بالنظر لكونني شهدت مختلف الأنظمة أي النازية والشيوعية والديمقراطية فقد كنت اعي جدية الصراع القائم بين الفردية الإنسانية وبين المؤسسة ولهذا ربما ظهر هذا الأمر في أفلامي أما فيما يتعلق بفيلم العالم ضد لاري فلينت فقد حظروا في أمريكا الملصق الجداري الذي اعد للترويج للفيلم والذي ظهر فيه لاري فلينت مصلوبا على حضن امرأة مع أن ذلك كان حقيقيا كما أثيرت حالة واسعة من الرفض لهذا لفيلم

ــ ما هي الوصفة التي لديكم لتحقيق النجاح؟
ــ لم اخذ في الحسبان مسبقا إمكانية تحقيق النجاح وعلى الإنسان أن يفعل على الدوام الأمور بأفضل ما يتقنه وان يفعل ذلك بسرور وحتى عندما يكون سعيدا بما أنجزه فانه لا يعرف أبدا كيف سيستقبل الجمهور هذا العمل.
إن المخرج يمكن له أن يكون بمقدرات كبيرة غير انه عندما لا يعجب الناس العمل أو القصة التي يخرجها فان ذلك يكون بلا فائدة فالحوار في الفيلم يجب أن يكون حقيقيا ويحدث في الكثير من الأحيان أن تقرأ قصة ما وتقولون بأنها تبدو رائعة وعندما تبدأ الشخصيات في الفيلم بقول ما هو وارد في الكتاب فان الأمر يصبح مختلفا وهنا جوهر المشكلة ففي السينما يجب أن يحظى كل شيء بالمصداقية وعلى المخرج أن يعلم ذلك وباختصار الكتاب هو نوع أخر من الوسائط مختلف تماما عن الفيلم.

ــ تعرفت على هافل منذ الصفر في مدرسة داخلية للأطفال ولكن كيف التقيتما هناك مع أنكما كنتما من أصول مختلفة؟
ــ لقد كما مختلطين في هذه المدرسة فثلث الطلاب كانوا من الأيتام وأنا كنت واحد منهم أما الثلث الثاني فكان من أولاد الشيوعيين أصحاب النفوذ فيما كان الثلث الأخر من أولاد الرأسماليين وأنا تعرفت على هافل آنذاك مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وسكنا في غرفة واحدة وبالنظر لأنني كنت اكبر منه 4 أعوام فقد كنت رئيسا للغرفة.