عبد الجبار العتابي من بغداد: حصل مطرب المقام العراقي حسين الاعظمي على شهادة الماجستير من الجامعة العربية لشمال امريكا، وكان عنوان رسالة الماجستير هو (اساليب الاداء في المقام العراقي، ملامح التجديد في القرن العشرين، القبانجي انموذجا)، وقد اعرب الاعظمي عن سروره بتحقيق لجزء من طموحاته، مؤكدا ان حصول على الماجستير ما هو الا استمرار الطموح في التطور الثقافي والمعنوي الذي ينشده، واصرار وتحدِ لكل الظروف التي واجهته في حياته من خصومه الطبيعيين من الذين لا يستوعبون ولا يتحملون نجاحاته الفنية المستمرة التي بداتها منذ اربعين عاما مضت من التجربة الفنية.

تمت المناقشة في العاصمة الاردنية (عمان) من قبل اساتذة من الاردن الشقيق، برئاسة الاستاذ الدكتور محمد الغوانمة ndash; عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة اليرموك باربد.. وعضوية كل من الاستاذ المساعد الدكتور صبحي الشرقاوي من جامعة الزرقاء، والاستاذ المشارك الدكتور رامي حداد من الجامعة الاردنية.. واشراف الاستاذ الدكتور حسين الانصاري عميد كلية الفنون الجميلة في الجامعة العربية لشمال امريكا.وأكد الفنان الاعظمي انه حصل على درجة (الامتياز) والحمد لله على كل شيء.

يقول الاعظمي: اعترف باني حصلتُ على شهادة الماجستير في العلوم الموسيقية في وقت متأخر من حياتي العلمية والفنية،ولكن هكذا قدر الله، والنعم بالله، وحصولي على هذه الشهادة، او الشهادات الاخرى المقبلة، اذا قدر الله ومكنني ذلك، لم يكن طموحي فيها وليد هذا اليوم طبعا.. وانما رافقني طيلة حياتي، انه حلم اذن.. وهو طموح لم تشأ ظروفي الخاصة والعامة ان احصل عليه في وقت طبيعي من سيرتي العلمية والفنية.. ولكنني لم اضيّع من الوقت الكثير.. فقد ملأت تجربتي الفنية التي قاربت الاربعين عاما بالنشاطات والانجازات والنتاجات الفنية والثقافية بما يجعلني لا احزن كثيرا على اوقات من حياتي ربما اشعر في بعض الاحيان انها ضاعت مني في غفلة العمل والنشاط الدؤوب الذي شُغلتُ فيه بالكثير من الاعمال الفنية، كالسفر المستمر والمشاركات الدولية في المهرجانات الفنية في شتى بقاع العالم منذ مطلع السبعينيات من القرن العشرين حتى يوم الناس هذا، لم اكن يوما من الايام ناسيا التواصل الدراسي في الدراسات العليا.. لايماني العميق بجدوى العلم والمعرفة والتطور الثقافي، ولكن مساهمة الغيرة والحسد كانت مجدية للحساد والخصوم الطبيعيين الذين لم اكن يوما طرفا في صنعهم،ولكن هكذا الحياة.. فهذه هي ضريبة النجاح المتكرر الذي يخلق اعداءً لصاحبه لم يكن هو طرفا فيه، وهكذا ايضا لم اكن مكتوف الايدي امام هذا الواقع، فقد عوَّضتُ حسد الحاسدين وغيْرة الضعفاء بنشاط دؤوب..، سافرت كثيرا منذ بدء السبعينيات من خلال فرقة التراث الموسيقي العراقي التي اسسها الوالد الروحي الموسيقار منير بشير الذي فتح العالم امامي ومنحني فرصة الاطلاع والتعلم والتطور وبناء تاريخ شخصي لي ولزملائي في فرقة التراث الموسيقي العراقي.. يمكنني الان ان افخر به.. هذه الفرقة (الغناسيقية) التي ضمت عناصر مختارة بدقة من قبل استاذنا ووالدنا الروحي منير بشير.. فنانة القرن العشرين مائدة نزهت، وصلاح عبد الغفور، وانا، وفرقة الايقاعات العراقية التي قادها سامي عبد الاحد، بمعية الايقاعيين احمد هربود جاسم وعبد الكريم هربود جاسم والمرحوم علي اسماعيل جاسم والمرحوم جبار سلمان كشيِّش والمرحوم صبحي السامرائي.. وفرقة الجالغي البغدادي، المكونة من المرحومين حسن النقيب عازفا على آلة الجوزة، وسعد عبد اللطيف العبيدي عازفا على آلة السنطور مع آلتي الايقاع.. ومعظم الالات الموسيقية والايقاعية الشعبية الاخرى.. ثم انظم الينا بعد سنوات قليلة المطرب ابراهيم العبد الله الذي كان موظفا بالاساس في دائرتنا (دائرة الفنون الموسيقية)، هذه الدائرة التي كنتُ انا ضمن اول خمسة موظفين فيها مطلع السبعينيات وهم: الاستاذ باسم حنا بطرس وانا والمصور الفوتغرافي محمد لقمان وكاتب الطابعة غزوان والمترجم عادل، كذلك نسّب للفرقة المطرب المرحوم رياض احمد لسنة واحدة بين عامي 1977 و 1978 قادما من مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، وكذا الامر بالنسبة الى المطرب عبد الجبار الدراجي الذي نسب هو الاخر من مؤسسة الاذاعة والتلفزيون لسنة واحدة بين عامي 1978 و 1979، كذلك ساهم معنا في اكثر من سفرة خارجية الاستاذ سعدي الحديثي، صاحب الصوت الشجي العذب، الذي كان يشغل موقع معاون المدير العام في دائرتنا (دائرة الفنون الموسيقية) التي يديرها الموسيقار منير بشير.. فقد كان يغني تارة غناءً بدويا وتارة اخرى يغني غناءً ريفيا، وفي عام 1978 اصبحتُ مديرا لفرقة التراث الموسيقي العراقي.. وفي نفس العام اسس الموسيقار منير بشير فرقة التراث (الظل) مكونة من عناصر شابة موهوبة من طلبة معهد الدراسات النغمية العراقي، امثال محمد حسين كمر رغم انه سبق ان سافر معنا في بعض السفرات السابقة، اولها كانت الى باريس عام 1977.. كذلك مواهب اخرى منها فريدة محمد علي ووسام ايوب العزاوي وعلي كامل ونصير شمة وغيرهم.. الذين اصبح لهم شان كبيرا فيما بعد.. وفي عام 1980 اصبحتُ مديرا للفرقتين الاولى وفرقة الظل الثانية بقرار من المدير العام الموسيقار منير بشير..

ويضيف: في العقد السبعيني سافرت كثيرا مع الفرقة والمشاركة من خلالها في شتى المهرجانات الفنية الدولية، وفي ارقى المسارح العالمية، والاحتكاك مع كثرة من فناني العالم ونحن بمعية الموسيقار منير بشير.. وحتى في زمن الحرب العراقية الايرانية في عقد الثمانينيات كنا نسافر.. واستمر الامر حتى ضُرب العراق عسكريا عام 1991 وبدء الحصار الشامل على العراق، ومن ثم تدهور استمرار معظم النشاطات وعلى كافة الاصعدة، وفي آذار / مارس من عام 1993 تقاعد منير بشير من وظيفته، وتقاعدتُ بعده مباشرة رغم سني المبكر..! لانني شعرت بعدم استطاعتي العمل مع اي بديل لمنير بشير.. وهنا بدات مرحلة جديدة تماما من حياتي الفنية.. سادها الاضطراب والقلق، حيث تحتم عليّ العمل لاول مرة بدون منير بشير..! كيف..!؟ في البداية لم اكن اتبين ما ينبغي عليّ فعله، البلد يعيش في ظلام، اقتصاد بائس، امل مفقود ومستقبل مجهول.
ويتابع الاعظمي: ما اردت قوله هو اعتقادي بانني حصلت على الماجستير وانا لم اضيع من الوقت الكثير، بعد ان فشلت كل محاولاتي في الحصول على مقعد دراسات عليا خلال السنوات الماضية.. فقد عالجتُ هذه الخيبات بالعمل الجاد والتركيز على فني المقامي الذي ملئته بتمثيل بلدي في شتى الميادين الفنية في بلدان العالم، فكنت رائدا لجيلي والاجيال اللاحقة في اقتحام العالم ونشر تراثنا الغناسيقي الخالد ndash; المقام العراقي - مع انجازات فنية وثقافية اخرى.. حزت فيها على الكثير من الجوائز والمداليات والاوسمة والشهادات والتكريمات والالقاب.. فضلا عن اصدار اكثر من سبعة كتب فيما يخص المقام العراقي وفي اشهر مؤسسة عربية للنشر هي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) في بيروت.. حيث لم يبق الشيء الكثير من الانتهاء من كتابة (موسوعة المقام العراقي)..، وعليه فان حصولي على الماجستير مؤخرا، ما هو الا استمرار الطموح في التطور الثقافي والمعنوي الذي انشده، واصرار وتحدِ لكل الظروف التي واجهتني في حياتي.. سواء من خصومي الطبيعيين من الذين لا يستوعبون ولا يتحملون نجاحاتي الفنية المستمرة التي بداتها منذ اربعين عاما مضت من التجربة الفنية حتى يوم الناس هذا.. او من ظروف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شملت كل عراقي ابن هذا الوطن الحبيب العراق، فبالنسبة الى خصومي الطبيعيين.. فانا مسامح وعاذر لهم مواقفهم السلبية التي لاقيت الامرين منها طيلة هذه السنين حتى هذا اليوم.. مؤمنا بان النفس امارة بالسوء.. ويبقى اعتمادي على العلي القدير اقوى من كل شيء، هو المولى وهو النصير.. نعم المولى ونعم النصير.

واشار الاعظمي ان كان سعيدا ايضا حينما علم ان الفنان العراقي محمد حسين كمر نال الماجستير ايضا في اليوم ذاته الذي نال هو فيه الماجستير، وقال: ربما تتشابه ظروفي مع ظروف اخي وصديقي العزيز الفنان محمد حسين قمر الباوي، الذي نال هو الاخر شهادة الماجستير ودرجة الامتياز ايضا في نفس اليوم عن رسالته الموسومة (التراث الموسيقي ومعطياته في التوظيف اللحني والجمالي، المقامات العراقية انموذجا).

وفي الختام قال: لا يسعني هنا، ولا يمكن ان انسى الفضل الكبير والموقف المشرف لاخوتنا واصدقائنا الاساتذة الافاضل لجنة المناقشة، الذي تحملوا عناء مناقشة رسالتي ورسالة اخي محمد حسين كمر دون كلل او ملل، واعتذارهم عن استلام اي مقابل، فلهم اقف انا وزميلي محمد اجلالا وتكرمة واحتراما لموقفهم المشرف هذا، اما في شان اخينا وصديقنا، الاستاذ الدكتور حسين الانصاري المشرف على رسالتينا، فله نحني قامتنا تحية له لتجشمه عناء الاشراف ومتاعبه طيلة فترة قاربت الثلاث سنوات من المتابعة والاعداد والكتابة.