حصول فيلم فرنسي على خمس جوائز أوسكار دفعة واحدة، ومن خلال فيلم واحد، إنجاز شبهه البعض بحصول المنتخب الفرنسي على كأس العالم في كرة القدم سنة 1998، ويتحدث عنه، اليوم، كمفخرة وطنية لقطاع يؤكد قدراته على خلق المفاجآت في اللقاءات الدولية إن توافرت له الوسائل.


بوعلام غبشي من باريس:فوز الفيلم الفرنسي quot;الفنانquot; بخمس جوائز أوسكار اعتبر إنجازًا تاريخيًا بالنسبة إلى السينما الفرنسية، صفقت له كل الأوساط الفرنسية، بما فيها الرئيس المرشح للرئاسيات نيكولا ساركوزي، وخصمه السياسي الأول فيها فرانسوا هولاند.

فللمرة الأولى تحصد السينما المحلية هذا الكمّ من جوائز الأوسكار، التي تمنح للحاصل عليها مفتاح التألق في عالم السينما عالميًا، وتؤكد السينما الفرنسية اليوم، برأي عدد من النقاد، أنها قادرة على مضاهاة نظيرتها الأميركية، التي لها وزنها الخاص على الشاشة الكبرى دوليًا.

وقد كانت جائزة الأوسكار من نصيب كل من بطل الفيلم جان دوجرجدان كأحسن ممثل، وأحسن إخراج لمخرجه ميشيل هازانافيسيوس، وأحسن موسيقى لواضع موسيقاه ليدوفيك بورس، وأحسن تصميم ألبسة للمصمم مارك بريدج، كما إن الفيلم حصد جائزة أحسن فيلم.

لقد كانت ليلة الأحد غنية بالجوائز الأوسكارية بحق هذا الفيلم، الذي تمكن صاحبه من استحضار السينما الصامتة في قالب قديم من حيث الألوان واللباس والأمكنة، ونقل بفضل ذلك بطل الفيلم بالكثير من الإبداع أحاسيس فنان داهمته السينما الناطقة، وهو الذي تعايش مع نظيرتها الصامتة إلى حد التماهي، من خلال تقاسيم الوجه وحركة الأطراف والجسد.

وعن انطباعه حول هذا التتويج، يقول دوجردان quot;تكون لديّ شعور بأنني غادرت جسدي، هو أمر لم يقع لي من قبل قطعًا...quot;، فيما لم يبد بعد انجذابًا خاصًا نحو المساهمة في أفلام أميركية، إذ ينتظر الإطلاع على المشاريع التي قد تعرض عليه ليحدد ذلك، مؤكدًا أنه quot;سيبقى ممثلاً فرنسيًاquot;.

حلم الصناعة السينمائية الفرنسية
يرىمتتبعون للشأن السينمائي الفرنسي أن هذا النجاح الذي يحققه الفن السابع الفرنسي نوع من الربيع السينمائي الذي تشهده فرنسا مع جيل جديد من المخرجين والممثلين، لديهم القدرة على الإبداع والجرأة، ما يمكنهم من الذهاب بعيدا بالسينما الفرنسية.

كما إن اقتصاديين يتحدثون اليوم عن صناعة سينمائية بأبعاد دولية، قابلة للتسويق فيكل بقاع العالم، كما هو شأن هذا المنتوج الفني، أي فيلم quot;الفنانquot;، الذي تتوافر فيه كل الشروط، بحسب هؤلاء، لترويجه على صعيد عالمي، داعين المسؤولين السياسيين إلى أخد هذا الأمر بالجدية اللازمة لتنويع الاقتصاد المحلي، وبالتالي تقويته.

فإضافة إلى قيمة العمل السينمائي الثقافية والفنية، يرى اقتصاديون أنه قادر على الإسهام في الدينامية الاقتصادية للبلد، من خلال المقاولات المتوسطة، التي يعزو إليها، برأيهم، سر تفوق ألمانيا اقتصاديًا في المرحلة الحالية على الاقتصاد الفرنسي.

دوجردان من تلميذ مهرج إلى ممثل عملاق
يمكن القول إن جان دوجردان أتى إلى العمل الفني بالصدفة، وكانت أسرته الصغيرة تنظر إلى قدراته بشك، فهو، برأيها، لم يكن يعرف القيام بأي شيء في صغره، والمدرسة لم تكن تعني له الشيء الكثير، كانت التسلية وإضحاك أقرانه أقصى همومه.

يعدّ الثالث في عائلة تتكون من أربعة إخوة، ونتائجه المدرسية جعلت والدته تحتار بخصوص مستقبله والتوجيه الذي يليق به لتجنيبه الضياع عند الكبر، وآخر ما يمكن أن تفكر فيه أمه، حينها، أنه سيصبح يومًا نجمًا سينمائيًا كبيرًا، ينال أكبر الجوائز في الفن السابع.

هذه الأم لم تكن لديها سلطة كبيرة في البيت أمام أب يُعرف بشاربه الكث، يمتهن البناء ويهوى لعب الكرة المستطيلة، العدوى التي نقلها إلى أبنائه الأربعة، إلا أن جان لم يكن يحلم بالتفوق في هذا المجال، وحتى إن كان كذلك، فإمكانياته الفنية في اللعبة لا تسمح له بهذا الأمر.

تألق في سلسلة quot;ولد وبنتquot; مع شريكة عمره ألكسندرا لامي، التي كانت تبثّ يوميًا بين 1999 حتى 2003 قبل أخبار الثامنة مساء سلسلة أبدع فيها بكل عبقرية، والتي اشترت قنوات في ما بعد حقوق إعادة بثها.

ويجسّد فيها دور الرجل quot;الماتشاويquot;، الذي كان همّه الأول والأخير الاستجابة لانحرافات أنانيته، أمام زوجة لا تترك هذه الأمور تمر من دون الوقوف عندها، وبشكل قوي، في الكثير من الأحيان، إلا أنه مُسلٍّ في الوقت نفسه.

قالت عنه إحدى المخرجات إنه فنان جاد، يعمل كثيرًا، بل ويبدع أثناء التصوير، لأنه قد يأتي بإضافات، وهو يشتغل بشكل مستمر باحثًا عن الأداء الأفضل، فيما يرى فيه المخرج كلود لولوش الممثل الذي يتعاطى مع التمثيل كطريقة للعب بمرح كبير.