وليد خدوري
تتراوح أسعار النفط هذه الأيام حول مئة دولار للبرميل، مع تذبذبات يومية ما بين خمسة الى 10 دولارات صعوداً أو هبوطاً، متأثرة، كغيرها من الأسعار، بالأزمة المالية العالمية وتقلباتها، وليس بأساسيات السوق ذاتها.
تزامنت أزمة الرهون العقارية الأميركية مع الارتفاع السريع والقياسي لأسعار النفط، لكن لم يكن ثمة رابط بينهما، سوى فقدان الضوابط الضرورية لكبح الصعود في الحالين. فالعقيدة الاقتصادية الداعية الى حرية الاقتصاد، أطلقت العنان لأسعار العقارات والطاقة للارتفاع الى مستويات قياسية.
لافت هو التوافق الزمني للتجربتين وطرق التعامل معهما. ففي حال الرهن العقاري الأميركي، كانت المشكلة في منح الرهون laquo;الرديئةraquo; وفي تأجيل الاعتراف بفداحة الأزمة طوال الأشهر الماضية. ودب الذعر في أسواق العالم بعد رفض مجلس النواب الأميركي مشروع القانون الذي اقترحته إدارة الرئيس جورج بوش، بالتزامن مع تساقط بعض من أهم مؤسسات التمويل واهتزاز إحدى أهم مجموعات التأمين العالمية.
أما في حال أسعار النفط، فالمشكلة تتلخص في إطلاق العنان للمضاربين في رفع الأسعار يومياً في سوقي نيويورك ولندن من دون أي رادع. وعبّر عن خطورة تداعيات الرهن العقاري رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في مقابلة أجرتها معه laquo;هيئة الإذاعة البريطانيةraquo; (بي بي سي)، بقوله إن laquo;المشاكل بدأت في أميركاraquo;، وإن laquo;الموقف يتطلب الآن مراجعة علمية شاملة للنظام الماليraquo;.
ما هي بعض انعكاسات هاتين الأزمتين؟ في حال النتائج التي ترتبت عن انكشاف الديون العقارية، ضخت المصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا بلايين الدولارات في المصارف المحلية لتأمين السيولة لها، ولكي تستطيع إقراض بعضها البعض وإعادة الدورة المالية الى طبيعتها. وانتقلت ملكية بعض المصارف أو دمجت تفادياً لكوارث اقتصادية كبرى.
لكن على رغم كل هذه المحاولات، تشير التوقعات السائدة الى استمرار الأزمة في شكل أو آخر لفترة طويلة، على الأقل الى أن تُدرس أسبابها الحقيقية وتُحدد معالجات دقيقة. بمعنى آخر، سيستمر النظام المالي العالمي في حال من الحذر والانحسار الى أن تتضح صورة الكارثة المالية التي كادت أن تطيح بالنظام المالي العالمي.
تتراوح الأرقام حول فداحة مجمل خسائر الرهون العقارية الرديئة. فمجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي يقدّرها بنحو 50 الى مئة بليون دولار، بينما يشير خبراء اقتصاديون الى تريليون دولار.
ليست أرقام هذه الخسائر جديدة، فهي متداولة منذ فترة. إلا أن ما أدى الى زيادة الشعور بالخطر هو رفض مجلس النواب الأميركي مسودة القانون الأولى لمعالجة الأزمة. وكان بوش صرح مراراً قبل استفحال الأزمة ان الاقتصاد الأميركي بخير ولا خوف عليه، إلا أنه تراجع وحذّر في الأيام القليلة الماضية من احتمال انحسار الاقتصاد الأميركي، إذا لم يعالج الكونغرس هذا الأمر بحزم وسرعة. وثمة خوف من أزمات مالية مقبلة، تتعلق بالديون العالية التي أُقرضت الى المستهلكين لشراء سيارات أو الديون الضخمة المتراكمة بسبب الاستعمال الواسع لبطاقات الاعتماد.
أما عن ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، فلم تبرز معطيات مهمة تبرر مستوى 147 دولاراً. وشكا مسؤولون في منظمة laquo;أوبكraquo; مراراً من هذه الظاهرة التي تدفع الأسعار بسرعة الى مستويات قياسية من دون وجود عوامل أساسية تبرر هذه الارتفاعات، والقوا اللوم على المضاربين.
وكانت الإجابة الوحيدة التي تقدمت بها الدول الصناعية تتلخص في دعوة laquo;أوبكraquo; الى زيادة الإنتاج لكبح الأسعار. وبادرت لجان في الكونغرس الى دراسة موضوع المضاربات، وأضفت نقاشات هذه اللجان بعض الشفافية على موضوع المضاربات، لكن لم تخرج بأي قرارات عملية.
ونشك جداً في احتمال أن تتخذ واشنطن أي قرارات مجدية بهذا الصدد، خصوصاً بعد تمسك مجلس النواب في تصويته الأول بمبدأ حرية الأسواق وعدم التعرض لها. ويتضح أن مسألة وضع ضوابط رسمية لهذه الأسواق هو جزء أساس من فلسفة اليمين الجديد في الحزب الجمهوري.
لكن أسعار النفط بدأت بالانخفاض منذ آب (أغسطس) الماضي. فالذي يحدث الآن هو أن قيمة الدولار والنفط تتغير يومياً على ضوء التحركات الإيجابية أو السلبية للحلول العتيدة للأزمة المالية. وبما أن هذه الأزمة لن تنتهي بسرعة، بل ستمتد آثارها لفترة طويلة، يُتوقع استمرار تذبذبات أسعار النفط.
لكن، واضح في الوقت ذاته أن سعر النفط آخذ في الهبوط تدريجاً لسببين، الأول، انخفاض الطلب بسبب الارتفاع العالي والسريع للأسعار في الأشهر الماضية، والثاني، الخوف من تداعيات الأزمة المالية العالمية وجدية السبل التي ستُتبنَّى لمعالجتها.


* كاتب متخصص في شؤون الطاقة