خلف خلف - إيلاف: بتاريخ 18/3/2008 دق الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة ناقوس الخطر، حينما دشنت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار مقبرة رمزية للمصانع التي قتلها الحصار الشامل والمتواصل منذ نحو عشرة أشهر، ولكن هذه الخطوة لم تجد لها صدى في الرأي العام العالمي، ولم تنجح على الأقل في تخفيف حجم المأساة التي يعايشها أصحاب هذه المصانع والعاملين فيها الذين انضموا لطابور البطالة، لترتفع بذلك معدلات الفقر والبؤس والإحباط، وتضرب أرقامًا قياسية.

وذلك لم يكن سوى مقدمات للكارثة، فالحصار يواصل خنقه لغزة، بل أن وتيرته اشتدت في الأيام الأخيرة بعدما قامت مجموعة فلسطينية مسلحة نهاية الأسبوع الماضي بقتل إسرائيليين يعملان على معبر نوحل عوز على الحدود الإسرائيلية- الفلسطينية. وأعلنت تل أبيب بدورها إيقاف تزويدها للقطاع بالوقود حتى الانتهاء من التحقيقات حول العملية، كما جاء على لسان بعض المسوؤلين الإسرائيليين.

وهكذا بعد توقف المصانع والورش عن العمل بشكل كامل، شل أيضا قطاع المواصلات نتيجة لعدم وصول الوقود لمحطات غزة التي يزيد عددها عن 170، وهو ما أدى عمليًا لإغلاق أبواب الجامعات في ظل عدم قدرة الطلاب والمحاضرين من الوصول إليها.

وشح الوقود دفع أيضا بلدية غزة اليوم الأحد لتعلن عن شلل معظم آلياتها عن العمل. مشيرة أن ذلك لانعدام توفر ناهلات المياه والمجاري التي ستطفو في الشوارع، وكذلك النفايات الصلبة التي ستنتشر في الطرقات دون أن تجد من يرحلها.

وأهابت البلدية في بيان لها بكل الضمائر وبكل الأحرار وأصحاب القرار لحماية الشعب الفلسطيني, ولرفع الحصار عنه، ولإنقاذ مدينة غزة كبرى المدن الفلسطينية من هذا الوضع البالغ الخطورة. كما ناشدت البلدية الجميع بمد العون لها حتى تستطيع تجاوز محنتها وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين من مياه وصرف صحي وترحيل النفايات الصلبة.

وحذرت بلدية غزة من استمرار أزمة الوقود والتي قالت إنها ستؤدي لشلل قدرة البلدية في توفير المحروقات اللازمة لتشغيل آلياتها. وشددت البلدية على خطورة توقف آبار المياه والصرف الصحي على حياة السكان في ظل عدم وجود الوقود اللازم لتشغيلها مبينة أن توقفها سيؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة.

من ناحيتها، ترفض إسرائيل المعطيات والحقائق التي تتحدث عن وجود كارثة صحية واقتصادية في قطاع غزة، معتبرة أن حركة حماس تحاول اختلاق ذلك في محاولة لكسب ود الأسرة الدولية، ونقلت صحيفة يديعوت عن مصادر إسرائيلية قولها إن نحو 70 في المائة من استهلاك الكهرباء في القطاع يصل بشكل عام من إسرائيل ومن مصر. وحسب هذه المصادر فانه بعد العملية التي قتل خلالها إسرائيليين الأسبوع الماضي لم يغلق المعبر إلا ليوم واحد، هو يوم الخميس.

وتقول محافل في إدارة التنسيق والارتباط الإسرائيلي: quot;هذا استغلال آخر من جانب حماس التي تحاول نيل الشرعية الدولية وصرف انتباه السكان الفلسطينيين عن المشاكل الداخلية في القطاعquot;.

واعتبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلي تسيبي ليفني بأن المشكلة في قطاع غزة تتمثل في كونها واقعة تحت سيطرة حماس التي لا تقبل بحق إسرائيل في الوجود. وأضافت ليفني في تصريحات لصحيفة الوطن بمناسبة زيارته لقطر أنه من الواضح أنه ليس لدى إسرائيل أي خيار بديل سوى تأمين امن المواطنين الإسرائيليين من هجمات غزة.

وزعم كذلك الوزير الإسرائيلي مئير شطريت خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية قبل ظهر اليوم الأحد أن قطاع غزة لا يشهد أزمة إنسانية، وأن الجانب الفلسطيني يفتعل مثل هذه الأزمة. وأضاف الوزير شطريت أن إسرائيل تبذل كل جهد مستطاع لمنع حدوث أزمة إنسانية في القطاع.

أما الوزير الإسرائيلي يتسحاق كوهين من حركة شاس، فقال في ذات الجلسة: quot;إن المنظمات الإرهابية تطلق النار على محطة توليد الكهرباء في اشكلون ومحطات ضخ المياه التابعة لشركة مكوروت مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى قطع الكهرباء والمياه عن القطاعquot;.

وفي السياق ذاته، صرح مصدر سياسي إسرائيلي كبير أنه إسرائيل لا تريد أزمة إنسانية في غزة، قائلاً: quot;نحن لا نريد أزمة إنسانية في غزة ونحن نريد توريد الوقودquot;. وأضاف: quot;ولكن بعد مثل هذه العملية، التي قتل فيها إسرائيليان، يجب فحص ما حصل في معبر الوقود وكيف أتيحت العملية وذلك لمنع عملية مشابهة، ومثل هذه الفحص بطبيعته يستغرق وقتا. نحن نرى حماس كمسؤولة عن كل ما يحصل في غزة، وكمسؤولة عن خلق الأزمة. حماس هي التي تسيطر في غزة ndash; وإذا ما خرجت من نطاقها عمليات فإنها تكون quot;كسبتquot; هذه المصاعب باستقامةquot;.

وبحسب إدعاءات مصادر عسكرية إسرائيلية فأنه في الأسبوع الماضي، حتى قبل العملية في معبر ناحل عوز، لم يسحب الفلسطينيون على الإطلاق كميات الوقود التي نقلتها إسرائيل وذلك انطلاقا من النية لخلق أزمة في القطاع. وحسب مزاعم هذه المصادر فان محطات الوقود المغلقة في غزة والطوابير الطويلة هي نتيجة حملة مخطط لها ومغطاة إعلاميا من حماس هدفها خلق أزمة وقود.

ومن جانبه، قال قائد مديرية التنسيق والارتباط في الجانب الإسرائيلي لقطاع غزة الكولونيل نير بريس بانه يتم نقل مواد غذائية وحيوية إلى قطاع غزة عبر معبري كيرم شالوم وصوفا رغم تعرضهما لإطلاق النار. وأضاف الكولونيل بريس في حديث مع صحافيين بعد ظهر اليوم أن حركة حماس تحاول تصعيد الأوضاع في القطاع.

ومن ناحيتها، نفت حركة حماس، التصريحات الإسرائيلية التي تتهمها بافتعال أزمة وقود في غزة، وقال الناطق الرسمي باسم الحركة سامي أبو زهري: quot;هذه التصريحات تمثل محاولة إسرائيلية للتستر على جرائم الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني, والذي تجلى مؤخراً من خلال قطع كل إمدادات الوقود, وهي أزمة لم تعد تخفى على احد ولا مجال لإخفائها أمام كاميرات التلفزة التي تغطي صور المعاناة الفلسطينية اليومية بسبب الحصار الإسرائيلي لقطاع غزةquot;.

وأضاف أبو زهري في بيان صحافي وزع على وسائل الإعلام: quot;إن ادعاء الاحتلال بان قطع إمدادات الوقود هو رد على عملية quot;ناحل عوزquot; هو ادعاء كاذب لأن تقليص هذه الإمدادات سبق هذه العملية بأشهر عديدة حيث وصلت إمدادات الوقود في أفضل ظروفها إلى 20% من الاحتياجات الأساسية, هذا عدا عن أن إعلان الاحتلال عن استمرار إغلاق معبر نحل عوز يؤكد أن الاحتلال معني بالاستمرار في الحصار وتشديده على سكان القطاعquot;.

وأضاف: quot;وإذا تؤكد الحركة على خطورة هذه الجرائم الإسرائيلية التي لا يمكن السكوت عليها فإننا ندعو المجتمع الدولي لتحمل مسئولياته وإجبار الاحتلال باحترام القانون الدولي الذي يلزم بتوفير الاحتياجات الأساسية للشعب المحتلquot;.

وكانت أثارت خلال الأسبوع الماضي تصريحات القيادي في حركة حماس خليل الحية صدى كبير، حينما أعلن أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كرر كسر الحصار، منوهًا لإمكانية التوجه إلى الحدود المصرية لتنفيذ هذه الخطوة، وخرجت في اليوم التالي لهذه التصريحات تقارير إسرائيلية عديدة تتحدث عن تلغيم عناصر من حركة حماس للجدار الحدودي بين غزة ومصر استعدادًا لاقتحام الحدود المصرية.

وأدى تصاعد وتيرة التصريحات الحمساوية لحدوث توتر مع القيادة المصرية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إلى إصدار بيان صحفي يشيد خلاله بدور مصر تجاه القضية الفلسطينية، ويؤكد أن المصير بين الجانبين واحد، وأن الخلافات الصغيرة لا يمكنها أن تمس العلاقة الأخوية بين الطرفين.