سوق سوداء رفعت سعر الصهريج إلى 800 ريال
أزمة المياه في السعودية مستمرة وسط مساع حكومية جادة لاحتوائها

أحمد البشري من الرياض: مصطلح quot;الأزمةquot; عند السعوديين كان يطلق حصرياً على حرب الخليج الثانية، لكن الأمر لم يعد كذلك بعد توالي الأزمات المائية على مدن المملكة، ففي السنوات الماضية كانت تظهر هذه الأزمات من مكان وتختفي لتظهر في مكان آخر، حتى جاءت هذه السنة التي شهدت الأزمة الأشد، والأوسع أنتشاراً على الخارطة السعودية.

الأنباء الصادرة في اليومين الماضيين تشير إلى عودة أزمة المياه في مدينة جدة، وظهور بوادر أزمة أخرى في المنطقة الشرقية، والطائف بالإضافة إلى أزمة المياه الشهيرة في عسير، التي طالت جميع ضواحي المنطقة فتجاوزت المدن الرئيسة كأبها وخميس مشيط وامتدت إلى المحافظات والقرى التابعة للمنطقة، التي تشهد يومياً طوابير من المواطنين والمقيمين، الراغبين في الحصول على كوبون ماء (بطاقة)، وهو ما يتسبب في حالات إغماء وتدافع، في حوادث تشهدها الصحف اليومية، بالإضافة إلى عمليات إطلاق نار شهدتها مراكز الشرطة في المنطقة.

هذا ما دفع إلى ظهور سوق سوداء رفعت سعر صهريج المياه إلى أرقام غير مسبوقة بلغت 800 ريال للصهريج. الأمر الذي قد يزداد سوءاً مع تعدد الشكاوي عن سلوكيات أظهرها موظفو مصلحة المياه في تلك المدن، تتمثل في تهريب الصهاريج من الأبواب الخلفية إلى اقاربهم وأصدقائهم، كما انتشر مؤخرا.

وكان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد وجه إلى إيجاد حلول عاجلة لمواجهة أزمة نقص المياه التي تشهدها منطقة عسير خلال هذه الأيام وأدت إلى ازدحام في محطات توزيع المياه ونشوب أزمة خانقة في المنطقة.

وتضمن التوجيه نقل وحدات التحلية العائمة ( البارجة ) من الشعيبة إلى شواطئ محطة التحلية في الشقيق بعد تشغيل مشروع الشعيبة 3 بطاقة تقدر بـ 50.000 م3 يوميا ، والعمل على الانتهاء من مشروع سدي وادي عتود ومربة ضمن منظومة مشروع مياه عتود التي يمكن أن توفر للمنطقة كمية من 25.000 إلى 30.000م3 يوميا وكذلك طرح منافسة إنشاء خط نقل للمياه من سد وادي بيش إلى محطة التنقية في وادي عتود بطاقة 50.000م3 يوميا الذي سيتم الانتهاء من ترسيته خلال شهر رمضان القادم.

كما شمل التوجيه حفر ثلاث آبار تدعيمية في وادي عتود لدعم حقل آبار المشروع القائمة والتي يجري الآن ربطها بالخط القائم ، وسرعة التعاقد باستئجار عدد من الناقلات لنقل المياه من وادي بيش إلى محطة التنقية في مربة ومن ثم ضخها إلى أبها بكمية تتراوح ما بين 12.000 إلى 15.000م3 يوميا ،.واعتماد استئجار اكبر عدد ممكن من ناقلات المياه من وادي بيش لسد العجز الحاصل في المياه.

وقد تجاوزت الأزمة المواطنين لتضرب المرافق الحيوية في تلك المناطق، حيث رفع الاطباء في مستشفى عسير المركزي شكوى لمديرية الشؤون الصحية في المنطقة يطالبون فيها بتأمين حاجتهم من المياه، وعلى الرغم من الاعتمادات الكبيرة التي حظي بها قطاع المياه في ميزانية العام الحالي، إلا أن الأزمة تطفو مجددا على السطح، فيما ربط البعض الأزمة الحالية التي ظهرت في المدن السياحية الكبرى، بعدد السياح الذين توافدوا إلى المدن الكبرى، أبها، جدة، الباحة، والدمام

ضربة للسياحة السعودية والتعامل مع الأزمات

الأزمة الحالية دعت بعض رجال الأعمال في المنطقة الجنوبية إلى الاعتذار عن استقبال النزلاء في الوحدات السكنية التي يمتلكونها، خلال الفترة المتبقية من موسم الصيف الحالي بسبب عدم حصولهم على الحصص التي تكفي احتياجات النزلاء من المياه. في حديث هاتفي أجرته إيلاف مع التاجر يحيى بن عائض، الذي يمتلك سلسلة من الشقق المفروشة في منطقة عسير، والذي شكا من هذه الأزمة الخانقة، والتي اضرت بمصالحه المالية على حد قوله، ويقول: quot; لقد رجع العديد من السياح إلى مدنهم، في أوقات مماثلة من الأعوام الماضية كانت الشقق كلها محجوزة، بعكس الآن حيث أغلب الشقق شاغرة، ويبدو أنها ستبقى هكذا حتى انتهاء الأزمةquot;.

فيما ذكر فيصل الراشد، أحد أبناء المنطقة الجنوبية في إتصال هاتفي، حيث قال: إن شوارع مدينة أبها لم تعد مزدحمة بالسيارات الخليجية، ففي هذا الوقت من العام تمتلئ مدينة أبها بسيارات المصطافين القادمين من دول الخليج المجاورة، ولقد رأينا الكويتيين والقطريين في بداية الموسم السياحي، لكنهم سرعان ما غادروا المدينة مع استمرار الأزمة.

وقد تبادل المسؤولون والمواطنون الإتهامات، إذ يلقي المواطنون باللوم على المؤسسات الحكومية التي لم تعالج هذه المشاكل المتكررة في كل عام، رغم تخصيص جزء كبير من الميزانية الماضية لتحسين اوضاع المياه، بالإضافة إلى سوء تعاملهم مع الأزمة، بينما يلقي المسؤولون اللوم على المواطنين، والمؤسسات الخاصة متهمينهم بعدم الترشيد وهدر المياه، وإرباك عمليات التوزيع، ما يضيع على البعض فرصة الحصول على المياه.

كما اتهم أهالي منطقة عسير مديرية المياه ومؤسسة التحلية بإخفاء المعلومات الحقيقية وعدم الشفافية في ايضاحها في ما يتعلق بهذه الأزمة يتواصل التزاحم على مواقع توزيع المياه والذي يتطلب الانتظار فيها للحصول على صهريج بضعة أيام .

وقد أظهرت هذه الأزمة الضعف الإداري في التعامل مع هذا النوع من الأزمات، وعجز مصلحة المياه عن إيقاف التلاعب الذي يتم على مرأى من أعين المسؤولين، رغم تصريحات المسؤولين بالوقوف في وجه مثل هذه التلاعبات، فقد ذكر أحد متعهدي توزيع المياه في منطقة الباحة، أن تسجيل الراغبين في الحصول على مياه محلاة، سيتم عن طريق الحاسب الآلي، حيث يقول إنه تم اكتشاف وجود عائلات تسجل جميع أبناء عائلتها لدى مزودي المياه، ما يتسبب في الضغط على الآخرين وعلى مصلحة المياه.

وكانت أزمة المياه قد عادت إلى الظهور مجددا في جدة، بعد أن تعرض عدد من الأحياء السكنية إلى انقطاع المياه، ما دفع بالسكان إلى استخدام الطرق التقليدية في جلبها إلى منازلهم في الوقت الذي تشهد فيه جدة ارتفاعا في درجات الحرارة تصل إلى 45 درجة مئوية.

وقد أرجع الأستاذ سعد الحميدان الباحث العلمي في قسم الجيولوجيا في جامعة الملك سعود، الأزمات المتكررة للمياه في السعودية إلى عدة أسباب دائمة باستثناء الأسباب العرضية التي تحدث في المواسم، منها التناقص المستمر في الموارد الطبيعية على مدى السنين الأخيرة، مع تزايد أعداد السكان بشكل متواصل وهذا ما يبرر تكرار الأزمات في فصل الصيف حيث يتكدس المصطافون في مدن محددة، بالإضافة إلى استخدام المزارعين لطرق جائرة في سحب المياه الجوفية، دون العلم بعواقب تلك العمليات.

وفي بحث للدكتور عبدالعزيز الطرباق العميد السابق لكلية الهندسة في جامعة الملك سعود، يشير إلى أن معدل استهلاك الفرد السعودي من المياه يومياً يصل إلى حوالى 242 لتراً موزعة كالتالي: الشرب والطعام 11 لتراً، أعمال الطبخ 11 لتراً، غسيل الملابس 38 لتراً، الاستحمام 76 لتراً، الصنابير 11 لتراً، سيفونات الحمامات 95 لتراً، لذا يمكن أن يبلغ معدل استهلاك المياه المنزلية حوالى 300 لتر يومياً إذا ما أضفنا الهدر والتسرب إلى تلك الأرقام، وقد ورد ما يؤكد هذه الأرقام في إحصاءات وزارة المياه والكهرباء.

وكأحد المؤشرات على سوء الوضع الذي تشهده المدن السعودية، فقد لجأ خطباء الجوامع في بعض المدن إلى المنابر، فكانت مواضيع خطب صلاة الجمعة تلامس همومهم المتعلقة بالأزمة، وقد أعطى الخطباء بعض النصائح للمستهلكين المتجمعين داخل محطات التوزيع للحصول على المياه. والترشيد في استهلاك المياه وإلى كظم الغيظ وعدم التسرع في لحظات الأنفعال التي قد تواجه البعض أثناء الوقوف في طوابير الأنتظار الطويلة.