عادت ظاهرة quot;باعة المناسباتquot; في الجزائر بمناسبة حلول عيد الأضحى، في ممارسة يستغلها آلاف العاطلين عن العمل لجني مكسب مادي ينفّس عنهم، من خلال المتاجرة في سائر الأغراض المتصلة بالعيد، quot;إيلافquot; كانت لها جولة في عدد من الأسواق والمساحات التجارية المحلية ورصدت هذا السلوك الإجتماعي الإقتصادي المثير الجدل.


الجزائر: في معايناتنا لأسواق quot;الساعات الثلاثquot;، quot;بوزرينةquot;، ساحة الشهداء، quot;كلوزالquot;، quot;مارشي 12quot;، quot;باش جراحquot; وغيرها، لاحظنا انتشاراً مكثفاً للباعة quot;المناسبتيينquot;، أين ذهبوا يستعرضون أصنافاً من البضائع ذات الصلة بالمناسبة، مثل أدوات النحر ومعدات الشواء، مثلما لم يتردد هؤلاء عن بيع كلأ الماشية، دون تفريطهم في بيع الملابس ولعب الأطفال.

نجيب (26 عاما) ووليد (28 عاما) عاطلان عن العمل لم يُكملا تعليمهما، وجدناهما في سوق الساعات الثلاث وسط الجزائر العاصمة، يبيعان تشكيلة متكاملة من أدوات النحر في حركة دؤوبة، يقول نجيب:quot;بحكم عدم إستفادتي من وظيفة، تجدني أتاجر في هذا المكان، وأتكيف مع الظروف، فطالما أنّ المناسبة عيد النحر والطلب يتكاثر على لوازمه، إخترت التخصص فيها، وهو أمر فعلته أيضاً في موسم الدخول المدرسي، وفي عيد الفطر ورمضان وهكذا دواليكquot;.

وعن قيمة المكسب الذي يربحه من وراء العملية، يرفض وليد ذكر رقم معيّن، مبرراً بكون تجارتهما تمتد إلى غاية غرّة العيد، بيد أنّ نجيب يشير إلى أنّ المكسب محترم ومحفّز، في ظلّ الإقبال الكثيف للمواطنين على شراء مستلزمات النحر، علماً بأنّ أسعارها إرتفعت إلى حدود النصف، وهو ما يُرجعه مراقبون إلى دخول باعة المناسبات على الخط.

ليس بعيداً وعلى مستوى محور (بوفريزي ndash; بوزريعة)، كان هناك حضور من نوع خاص لباعة المناسبات، حيث عرض علي (32 عاما)، سعيد (27 عاما)، بشير (39 عاما) وكوكبة من الشباب والكهول العاطلين، أكواماً من الكلأ وكميات من الفحم، لقاء أسعار تراوحت بين 30 و40 ديناراً بالنسبة إلى الفحم (بحدود ربع يورو)، وتباينت بين المائة و120 ديناراً للكيلوغرام الواحد من الكلأ (ما يقارب اليورو الواحد).

علّق بشير أنّه على غرار الآلاف من الكادحين، يجد في المناسبات فرصاً ذهبية لربح بعض المال، لذلك لم يتردد في عيد الفطر المنقضي عن بيع لعب أطفال، المهم بالنسبة إليه أن يسد رمق أسرته التي يعدّ المعيل الوحيد لها.

ويدافع علي بغضب عن بيعه الفحم: quot;هل تعتقدون أنّنا نجد لذة في الوقوف على قارعة الطريق لساعات طويلة وعلى مدار أيام متصلة تحت الأمطار وعلى وقع الرياح؟ إنّها الدنانير التي نتعب لأجل تحصيلها حتى نوفر أساسيات عوائلناquot;، ويردف سعيد: quot;لكم نتمنى أن ننشط في إطار قانوني، ولكن ذلك غير متاح، حتى أننا لم نستفد من وظائف رغم طلباتنا العديدةquot;.

في الجهة المقابلة، يبدي التجار الذين ينشطون بشكل رسمي غيظهم الشديد إزاء بروز غرمائهم quot;المناسباتيينquot;، ويذهبون إلى حد وصفهم بـquot;الانتهازيينquot;، ويرون في الأمر quot;منافسة غير متكافئةquot; بل وينعتونها بـquot;غير الشريفةquot;، بهذا الشأن، يقول نبيل وهو تاجر خردوات: quot;نحن نتعب من أجل تحقيق مكسب يمكننا من تعويض نفقات الإيجار وما تفرضه علينا السلطات من ضرائب، ليأتي قنّاصو الفرص بكل بساطة لـquot;السطوquot; على زبائنناquot;.

ويضيف حكيم متأففاً: quot;الدولة تقول إنها قضت على تجار الخلسة وستقطع دابر السوق الموازية، لكننا لم نر شيئاً، باعة المناسبات خطفوا كل الأضواء، بإستدراجهم الزبائن أمام أنظار الجميع، رغم أنّهم لا يدفعون ديناراً واحداً لسلطة الجبايةquot;.

على العكس تماماً، يُبعد باعة المناسبة عن أنفسهم quot;تهمةquot; المغالاة في الأسعار، ويقولون إنّ إلتهاب الأسعار هي نتاج ممارسات quot;مجموعة من المتحكمين داخلياًquot; وهم من يُطلق عليهم محلياً (أثرياء البازار).

ويوضح حميد، لطفي، مهدي، زكي وغيرهم ممن تحدثنا إليهم، أنّهم كثيراً ما يجلبون بضاعتهم بثمن مرتفع، وهو ما يفرض عليهم بيعها بسعر يضمن لهم هامش ربح ولو بسيط، ويرمي تجار المناسبات بالمسؤولية على عاتق من يسمونهم quot;الباروناتquot; الذين لا يأبهون بإرهاق ميزانيات الجزائريين، ولا يبالون بحجم المكسب الذي توفره لهم السمسرة وتوابعها.

ويقول مزيان، أحمد، عبد القادر، رزقي وفريق واسع من الزبائن إنّهم وجدوا ضالتهم في باعة المناسبات الذين يقترحون بضائع جيدة لقاء أسعار تنافسية قابلة للتفاوض، خلافاً للتجار quot;الرسميينquot; الذين يتفننون في حرق الجيوب وفق سلم أسعار لا تعرف سوى منطق الصعود، على حد تعبير العمّ نقازي الذي كشف عن اقتنائه عموم حاجيات العيد من لدن تجار المواسم، مثلما يحلو له تسميتهم.

ويرى المتابع quot;أنيس بن مختارquot; أنّ ظاهرة quot;البيع المناسباتيquot; بقدر ما تنطوي على بعد إيجابي، من خلال إتاحتها الفرصة أمام عاطلين لتحقيق إيرادات مالية مهمة في مواعيد يصرف فيها الجزائريون بلا حساب، فإنّها تكرّس نمطاً سلبياً يقوم على النشاط خارج القانون، دون أي اعتراف بمنطق الضريبة وهو ما يعدّ مساساً بمنظومة الاقتصاد وتوازنات التنمية المنشودة، بما يفرض على دوائر القرار تسوية وضع هؤلاء وتمكينهم من ممارسة أنشطة مهنية داخل أطر مشروعة.