واشنطن: تعد عودة حركة رؤوس الأموال عبر حدود القارات والبلدان من بين أقوى المؤشرات على انفراج الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بشتى دول العالم، والتي اعتبرها كافة الخبراء والأكاديميين الأسوأ من الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.

ويظهر ذلك بوضوح مع تخلي المستثمرين عن الحذر الشديد نحو المخاطرة الذي ميز فترة الأزمة، ويؤكد ذلك انتعاش ضخّ الأموال مجدداً في منافذ ومشتقات مالية كانت تعد عالية المخاطر، كأنما شهية المستثمرين انفتحت أكثر على السندات عالية العائد وديون الأسواق الصاعدة، فضخّوا فيها في الأسبوع الأول من مارس/آذار نحو 2.3 مليار دولار.

وفي آخر تقرير له حول آفاق الاقتصاد العالمي، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الصين ما زالت أكبر مصدر للأموال في العالم، بحصة تبلغ 23.4% من إجمالي الأموال المصدرة في عام 2009، فيما جاءت ألمانيا واليابان في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي، وحلّت كل من النرويج وروسيا وسويسرا في المراكز الرابعة والخامسة والسادسة.

على الجانب الآخر، استحوذت الولايات المتحدة الأميركية استحوذت على 41.7% من الأموال الداخلة أو الواردة، محتلة المرتبة الأولى عالمياً، على الرغم من الأزمة التي عصفت بأسواق المال هناك، وحلّت واشنطن بعيدة من الدولة التي جاءت في المرتبة الثانية من حيث استيراد رأس المال، وهي أسبانيا، التي لم تتعد حصتها من الإجمالي 7.3%.

ووفقاً لتقرير البنك الدولي، الذي كشفت عنه هيئة الإذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot;، فقد ظلت الأسواق الصاعدة ظلت مصدر جذب لرؤوس الأموال، حتى خلال الأزمة العالمية وللمرة الأولى، تجاوز نصيب الاقتصادات الصاعدة من الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً نصيب الاقتصادات المتقدمة العام الماضي.

وانخفض انسياب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الأسواق الصاعدة في عام 2009 ليصل إلى 532 مليار دولار، متراجعاً بنسبة 36 %، لكن تراجعه كان أقل من التراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الاقتصادات المتقدمة، الذي انخفض بنسبة 45 %، ليصل حجمه إلى 488 مليار دولار.

ويبدو ذلك تصحيحاً لتوجه اعتاد على مخالفة القواعد البسيطة، إذ إن حركة الاستثمار الأجنبي المباشر ما كانت تخضع تقليدياً للحكمة التقليدية؛ فالمنطق التقليدي يقول إن رؤوس الأموال تنساب من المناطق الغنية الأكثر وفرة إلى المناطق الأفقر والأقل أموالاً، لكن توجه الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى عقود كان بالعكس، أي إن الاقتصادات المتقدمة الغنية بتراكم رؤوس الأموال كانت تجذب القدر الأكبر من حجمه عالمياً.

ويرجع ذلك إلى أن المستثمرين يجدون في الاقتصادات المتقدمة مناخاً استثمارياً جيداً ومخاطر أقل، كما إن القدر الأكبر من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر كان في عمليات الدمج والاستحواذ، معظمها في الاقتصادات المتقدمة.

ولا يقتصر الأمر على اقتصادات كبيرة سريعة النمو، كما في الصين والهند، بل يمتد ليشمل أسواقاً صاعدة أخرى منها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.