كالعادة.. يزور عيد العمال هذا العام الفلسطينيين بلا نكهة ولا لون، ومع مزيد من الأوجاع المتراكمة، في ظل حصار اقتصادي خانق ما زال مفروضاً على قطاع غزة إسرائيلياً منذ 3 سنوات. ما أدى بدوره إلى تفاقم أزمة البطالة والفقر في القطاع خصوصاً نتيجة توقف الحياة الاقتصادية فيه بالكامل.

مصطفى أبو هدروس من غزة: يحتفل العمّال في الأول من أيار (مايو) من كل عام بعيد العمّال العالمي في أنحاء المعمورة كافة، يحتفلون بإنجازاتهم ومقدار الخدمات التي قدموها لدولهم أو بما حققته لهم نقاباتهم من إنجازات تضمن لهم حياة كريمة وأجورا تتلاءم مع الأسعار، وضمان تقاعد غير مذل، أو قد تكون الاحتفالات تكريماً من هذه الدولة أو تلك لعمّالها اعترافاً منها بحجم تضحياتهم ودورهم الكبير في بناء اقتصادها، باعتبار العمل أحد أهم عناصر الإنتاج، كما يقول الاقتصاديون.

لكن واقع هذا العيد ووقعه على العامل الفلسطيني أمر مختلف، فهو يوم يذكّر بمحنة العمال ومعاناتهم.. يذكّر بفقرهم وبطالتهم يذكّر أن العمال الفلسطينيين من دون عمل إن صح التعبير، وأن quot;الاحتلالquot; يستهدفهم ويتعمد إذلالهم، وأن الحصار الظالم على غزة يخنقهم وأسرهم.

لقد بدأت مشكلة العمال الفلسطينيين والعمالة الفلسطينية مع quot;الاحتلال الإسرائيليquot; سنة 1967، حيث فتحت الدولة العبرية الباب واسعاً أمام تدفق البضائع الإسرائيلية إلى المناطق المحتلة سنة 1967، ومنها تدفقت العمالة الفلسطينية نتيجة الإغراءات والتسهيلات التي كانت مقصودة ومبرمجة تماماً. وكان الهدف آنذاك هو خلق سوق عمالة رخيصة غير ماهرة للمزارع والمصانع والمنشآت الإسرائيلية، من دون أي ضمان لمستحقاتهم، التي تقرّها قوانين العمل في دول العالم كافة.

وبهذا أصبح الفلسطينيون أكثر اعتماداً على سوق العمل الإسرائيلية. ولكن في خريف 1990، وفي أثناء حرب الخليج الثانية وبعدها، ومع استمرار الانتفاضة الأولى، بدأت إسرائيل تضييق الخناق على العمال الفلسطينيين، وتطبيق سياسة الإغلاق. وبدأت وتيرة الإغلاق تتصاعد أكثر فأكثر مع مرور الأيام. وقد أمل البنك الدولي بعد اتفاقيات أوسلو بخلق كيان سياسي فلسطيني يناسب سياسة الإغلاق، ويعمق الانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي.

إسرائيل تهدد بفرض حصار اقتصادي على السلطة الفلسطينية

ولكن في حزيران/يونيو سنة 2000، أي قبل ثلاثة أشهر من اندلاع انتفاضة الأقصى، كان الدخل من العمل داخل فلسطين 1948 ومن الخارج يغطي حوالى 22% من الناتج القومي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي إن الاقتصاد الفلسطيني كان لا يزال يعتمد على العمل في الأراضي المحتلة بشكل كبير.

من جهته يوضح حسن البرغوثي، رئيس مركز الديمقراطية وحقوق العمال، أن اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على إسرائيل هو نتاج لسياسة مقصودة ومبيتة. مشيراً إلى أن quot;إسرائيل قامت لثلاثين سنة بإحباط الاستثمار في الأراضي الفلسطينية، وخاصة في مجال الزراعة. وكان الهدف مضاعفاً متمثلاً في تخفيض حد منافسة أسعار المنتجات الزراعية الفلسطينية للمزارعين الإسرائيليين، إلى جانب خلق سوق عمالة فلسطينية رخيصة للمؤسسات الإسرائيلية، وتفريغ المزارع الفلسطينية من المزارعين والتحاقهم بسوق العمل الإسرائيلية.

وفي قطاع غزة المحاصَر، تأتي هذه المناسبة لتنكأ جراح عشرات آلاف العمال الغزيين، الذين أنهكتهم البطالة، وحوّلتهم إلى جيش من العاطلين عن العمل.

فقد ارتفعت معدلات البطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، وفي قطاع غزة بشكل خاص، وبشكل كبير جداً منذ بداية انتفاضة الأقصى منذ عشر سنوات، حيث فرضت القوات الإسرائيلية الحصار الاقتصادي على القطاع، وبدأت تنتهج سياسة إغلاق المعابر التجارية ومعابر الأفراد بشكل مستمر، ومنعت العمال الفلسطينيين من التوجه إلى أعمالهم داخل أراضي عام 48، وبدأ يتقلص عددهم تدريجياً، إلى أن وصل إلى الصفر، وفقَد القطاع دخلاً يومياً مهماً جداً من أجور العمال اليومية، التي كانت تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي الفلسطيني على مدار سنوات عديدة.

وفى هذا السياق، لفت د. ماهر تيسير الطباع، مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية الفلسطينية، إلى أن أزمة البطالة والفقر تفاقمت نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثلاثة أعوام، وارتفعت معدلات البطالة والفقر بشكل جنوني، نتيجة توقف الحياة الاقتصادية بالكامل.

وحسب آخر التقديرات، بلغ معدل البطالة 65%، ومعدل الفقر 80% في قطاع غزة، وأصبح معظم السكان (85%) يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة من quot;الأونرواquot; وبرنامج الغذاء العالمي والجمعيات الخيرية والإغاثية المختلفة. كما تشير الإحصاءات الاقتصادية إلى أن ما يقارب من 200 ألف عامل فلسطيني في غزة عاطل عن العمل، نتيجة إغلاق المعابر والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، الذي أدى إلى توقف الحياة الاقتصادية بشكل كامل، وحرمان هؤلاء العمال من أعمالهم.

وأضاف الطباع، quot;أنه وفقاً للتعريف الموسّع للبطالة، ووفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية، فقد بلغت نسبة الأفراد الذين لا يعملون (سواءً كانوا يبحثون عن عمل أو لا يبحثون) 44.8% في قطاع غزة، حسب نتائج مسح القوى العاملة. وبيّن أنّ العمال تلقوا ضربةً قاسمةً، نتيجة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثلاثة أعوام، حيث توقفت كل الأنشطة الاقتصادية عن الإنتاج، نتيجة إغلاق المعابر التجارية المؤدية إلى قطاع غزة كافة، وعدم سماح إسرائيل بدخول المواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع.

وأتت الحرب الأخيرة على قطاع غزة لتدمّر معظم ما تبقى من القطاع الصناعي والتجاري والزراعي، ما أدى إلى زيادة عدد العمال العاطلين عن العمل، نتيجة تدمير المصانع والشركات التجارية وتجريف الأرض الزراعية وهدم المئات من مزارع تربية الدواجن وضرب سوق الثروة الحيوانية والسمكية.

وأوضح الطباع أن القطاعات الصناعية الأساسية تأثرت كذلك، حيث تم إغلاق ما يزيد عن 500 مصنع ومنجرة للأثاث، مع فقدان أكثر من 5000 عامل عملهم، وأغلق نحو 600 مصنع وورشة خياطة، وتعطل نحو 15 ألف عامل، كما تعطل عن العمل نحو 5000 عامل يعملون في قطاع الصناعات المعدنية والهندسية، وأغلقت المصانع كافة في منطقة غزة الصناعية، وتعطل نحو 2500 عامل عن العمل، كانوا يعملون لدى تلك المصانع، التي كانت تعتمد على تصدير منتجاتها للخارج.

ونتيجة لعدم دخول مواد البناء وتوقف الصناعات الإنشائية، فقَد نحو 3500 عامل وموظف عملهم في قطاع الصناعات الإنشائية، كما تعطل عن العمل جميع من يعملون في قطاع البناء والقطاعات المساندة له وشركات المقاولات في قطاع غزة، وتوقفت كل مشاريع البناء والتطوير، التي تنفذها quot;الأونرواquot; والمؤسسات الدولية، التي تشكل مصدر دخل لما يزيد عن 121 ألفا.