غمدان اليوسفي من صنعاء: أصبح سعر الدولار الشغل الشاغل للساحة اليمنية سياسياً واقتصادياً، بعد أن وصل سعر الدولار إلى أكثر من 250 ريالا، تراجع قليلا إلى 240 ريالا وظل لقرابة شهر على ذلك الحال، لكنه ما لبث إن تراجع بقوة حتى وصل إلى 214 ريالا، وهو السعر الذي كان عليه الوضع قبل ستة أشهر.

قبل مارس كان سعر الدولار ثابتا لسنوات عدة عند 200 ريال مقابل الدولار، ثم بدأت حركته تربك الاقتصاد اليمني، لتزيد إلى أزمات اليمن أزمة جديدة، هذه الأزمة تزامنت مع دخول شهر رمضان وزادت إلى قساوة الواقع اليمني قسوة تمثلت في إرتفاع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية.

حاليا يعيش الناس على أمل تراجع أسعار السلع الغذائية بعد أن تراجع الدولار بمعدل يزيد على 10%، لكن شيئا لم يحدث من هذا القبيل وبعد مرور أكثر من 10 أيام على تراجع سعر الدولار إلا أن أسعار المواد الاستهلاكية لازالت على ماهي عليه. تهدد الغرفة التجارية والصناعية بمسائلة ومعاقبة كل من يخالف، حيث دعا التجار إلى خفض أسعار السلع إلى ما يناسب تراجع سعر الدولار في السوق.

ومن جهتها طالبت الغرفة التجارية منتسبيها في بيان لها إلى إعادة أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية إلى وضعها الطبيعي مراعاة للصالح العام.

*تضارب سياسي، ورعب من ما هو قادم*

وبالرغم من الأمل السائد في الشارع العام إلا أن الصراع السياسي يطغى دوما على الواقع، فقد أرسلت صحيفة الجيش خبرا عبر خدمة الأخبار sms قائلة quot;الدولار يواصل انخفاضه مقابل الريال ليصل إلى 215 ريالا وسط ارتياح شعبي كبيرquot;.

الرد جاء بعد دقائق من خدمة تابعة لحزب الإصلاح المعارض بنفس الصيغة مع تغييرفي الأخير quot;الدولار يواصل انخفاضه مقابل الريال ليصل إلى 215 ريالا وسط سخط شعبي واسع من فشل الحكومة إعادة الأسعار لما كانت عليه قبل ارتفاع الدولارquot;.

مناكفات سياسية لا تخدم أحداً، بينما الشارع ليس له علاقة في الأمر، لا من قبيل السخط ولا الارتياح حيث لم تظهر تلك المشاعر الشعبية على الإطلاق.

البنك المركزي اليمني أعلن عقب تراجع الدولار عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد 20 مؤسسة وشركة ومحلات صرافة quot;ثبت تلاعبها ومضاربتها بأسعار بيع وشراء العملةالوطنية أمام العملات الأجنبيةquot;.

حيث صرح مصدر مسؤول في البنك قال quot;أن الإجراءات شملت فرض غرامات مالية وتوجيه إنذارات نهائية بسحب تراخيص العمل من المؤسسات والشركات ومحلات الصرافة التي ثبت للبنك قيامها بعمليات المغالاة والمضاربة بأسعار صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية مما أسهم في عدم استقرار السوقquot;.

ما يثير المخاوف لدى الاقتصاديين حاليا أن يكون هذا التراجع للدولار أمام الريال هو مجرد هدوء ما قبل العاصفة، مبدين مخاوفهم من ارتفاعه بعد عيد الفطرإلى أبعد من هذا المستوى بكثير.

*ستة أخطاء*

يقول الاقتصادي اليمني الدكتور محمد الأفندي رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية ووزير التجارة والاقتصاد السابق أن ما يحدث ما هو إلا تعبير اقتصادي لمدى حدة الأزمة السياسية التي تعاني منها اليمن في الوقت الراهن - بتجلياتها الاقتصاديةوالسياسية والأمنية والاجتماعية.

وأضاف الأفندي في دراسة مفصلة له أن quot;أزمة العملة لا تحدث فقط بسبب هجوم المضاربين على العملة، وإنما تحدث أيضاً عندما تلجأ الحكومة إلى التخلي عن نظام سعر الصرف الثابت للعملة بسبب التقلبات المستمرة في قيمة العملة، وهو التقلب الذي يعكس اختلالاً كبيراً في الموازين الاقتصادية الكلية ومنها ميزان المدفوعات والميزان الماليquot;.

وأورد أن البنك المركزي وقع في عدة أخطاء مضرة باستقرار سعر الصرف أبرزها، طريقة البيع المفتوح للدولار للبنوك والصرافين دون أن يرتبط حجم هذا البيع بالضرورة بمتطلبات النشاط الاقتصادي الحقيقي، وضعف الإشراف والرقابة على حركة البيع والشراء للدولار في البنوك والصرافين فتحت باباً للتلاعب والمضاربات.

واعتبر أن من ضمن الأخطاء، هو البيع بالمزايدة إلى أعلى، ووهم التنافسية وينطوي هذا التصرف على وهم شائع مفاده أن تخفيض قيمة الريال اليمني سيؤدي إلى زيادة تنافسية الصادرات اليمنية ومن ثم زيادة حجم الصادرات.

واعتبر أن من أبرز الأخطاء أيضا الهدف غير المعلن من التدخل المباشر في سوق الصرف هو جني مزيد من الإيرادات بالعملة المحلية لتمويل عجز الموازنة من خلال بيع الدولار بسعر أعلى، إضافة إلى عدم توخي التناسق الأمثل بين سياسة سعر الصرف وسياسة سعر الفائدة ومعدل التضخم، وتهاون البنك المركزي في ترسيخ استقلاليته وفقاً للقانون والسماح بالتأثير على سياساته وأدواته، إضافة إلى الانشغال بالقضايا الإدارية وعدم التركيز على قضايا إدارة السياسة النقدية وتفاعلها مع السياسات الاقتصادية الكلية.

*استبدال الريال بعملة جديدة*

ورأى الأفندي إنه quot;وفي إطار منظومة الإصلاحات الشاملة يمكن النظر في استبدال العملة الوطنية الحالية من خلال سحب الريال من التداول، واستبداله بعملة جديدة كالدينار مثلاً، واعتماده كعملة وطنية لترسيخ واستعادة الثقة بالعملة الوطنيةquot;،وquot;إخراج بنك المغتربين إلى حيز الوجود، بحيث يتولى استقبال تحويلات وودائع المغتربين بالنقد الأجنبي، إضافة إلى دور البنوك الأخرى في هذا المجالquot;. ودعا الأفندي البنك المركزي إلى التخلي عن أسلوبه السابق في التدخل في سوق الصرف الأجنبي، وأسلوب البيع بالمزايدة إلى أعلى وأسلوب البيع المفتوح للدولار دون أن يرتبط بحاجة فعلية للنشاط الاقتصادي، واعتماد أسلوب التدخل النوعي فيالسوق وفقاً لاحتياجات السوق من السلع الأساسية بعد إجراء تقييم تشارك فيه الجهات المختصة لحاجة البلاد من السلع.

*سياسة نقدية فاشلة*

من جانبه يقول الصحفي الاقتصادي محمد الحكيمي لـ إيلاف أن quot;من يديرون زمام الأمور لم يقتنعوا بعد بأن السياسة النقدية التي ما يزال ينتهجها البنك المركزي هي التي قادت الريال لأدنى مستوياته؛ كونها أضحت متفردة لصالح قيادة البنك المركزي؛ وسبب المشكلة هو قانون البنك المركزي اليمني الذي يخول لقيادة البنك استقلالية تامة في رسم السياسة النقدية، وهو أمر يدفع باحتمالات عدة لوقوع الخلل بشكل دائمquot;. وأضاف الحكيمي إن الحكومة quot;حتى اليوم لم تقرر إنشاء مجلس أعلى للنقد كبقية دول العالم؛ ليقوم برسم السياسة النقديه بحذر؛ وربما لم يتضح للحكومة بعد؛ أن السياسة النقدية تعد أمناً قومياً للبلادquot;. وتابع الحكيمي: quot;محافظ البنك (عوض بن همام) سيظل منشغلاً بحروبه الصغيرة مع الصيارفة في السوق السوداء ؛ لكنه في الوقت ذاته لن يتخلى عن التخمين في كل مرة يتهاوى فيها الريال، فقد اكتفى باللوم كله على شهر رمضان؛ وأن هذا التدهور يعود لزيادة مدفوعات استيراد مستلزمات شهر رمضان المبارك وعيد الفطر من السلع والمنتجات المختلفةquot;. وأشار إلى أن quot;المعالجات التي يقوم بها البنك المركزي اليمني؛ أشبه بحقنة تخدير مؤقتة؛ سرعان ما يكتشف أنها ليست مجدية على الإطلاق؛ وأنها لن توقف مسيرةالتدهور، فليس من الممكن أن تنجح المبالغ المالية القليلة التي يضخها البنك لاحتواء الأمر في جلب الاستقرار النقديquot;.

وحول تهديدات البنك الأخيرة لشركات الصرافة قال الحكيمي أن quot;المحافظ لم ينتبه إلى أن أكثر المستفيدين من هذا الاحتواء هم كبار الصيارفة الذين لا يكترثون لأي لغة تهديد أجوف، فالكثير منهم يدرك ضعف الرقابة على شركات الصرافة المحليةquot;. وطالب محافظ البنك المركزي بتغيير سياساته الحالية التي أهانت قيمة العملةالوطنية؛ فالمدة التي لجأت فيها الحكومة لإصدار أذون الخزانة منذ العام 1998؛طالت أكثر مما يجب؛ وكان الغرض من استخدامها كأداة فقط للتحكم بالمعروض النقديفي برنامج الاستقرار النقدي، ضمن مصفوفة الإصلاحات المالية والإدارية التي اتفقت عليها الحكومة مع صندوق النقد والبنك الدولي آنذاك، لكن الكارثة تكمن في كون أذون الخزانة ما تزال مستمرة حتى الآن، الأمر الذي قادها لأن تشكل تشوهاً في النظام البنكي التجاري.