حركة النهضة تطرح برنامجاً لمواجهة التحديات الإقتصادية الداخية والخارجية في تونس |
أصدرت حركة النهضة التونسية برنامجاً اقتصادياً رأت فيه القدرة على الوصول بتونس إلى تحقيق النمو، وشرح الخبير رضا شكندالي المساهم في هندسة هذا البرنامج مفاهيم التوسيع والتكامل والبناء وسياسة الحوكمة الرشيدة التي ستنتهجها الحركة لمواجهة التحديات الإقتصادية الداخلية والخارجية.
في مواجهة الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة، أصدرت حركة النهضة التي حظيت بغالبية أصوات التونسيين في انتخابات المجلس التأسيسي،برنامجًا اقتصاديا رأت فيه القدرة على الوصول بتونس إلى تحقيق النمو. وكان بين أبرز الخبراء الذين وضعوا هذا البرنامج، الاقتصادي والأستاذ في الجامعة التونسية د. رضا شكندالي الذي أجاب على أسئلة quot;إيلافquot;.
نمط ثلاثي الأبعاد: قطاع خاص وعام وحوكمة رشيدة
هل يمكنك أن تزودنا بفكرة عن البرنامج الإقتصادي لحركة النهضة الذي أسهمتم في صياغته وإعداده؟
لقد انطلقنا من مفهوم التوسيع والتكامل والتنويع لبناء النمط الإقتصادي لحركة النهضة، وكانت الإنطلاقة من التحديات التي يتعرض لها الإقتصاد التونسي؛ تحديات داخلية وأخرى خارجية.
فعلى المستوى الداخلي، شهد النمط الإقتصادي الذي كان سائداً خلال السنوات العشرين الأخيرة، قطاعاً خاصاً لم يكن يتمتع بظروف مريحة للإستثمار والنمو من طرف القطاع العام الذي يمثل الدولة. وقد كنا نسوّق في تونس لاقتصاد سوق ولكنه في الواقع لم يكن كذلك لأن الدولة لم تكن في خدمة القطاع الخاص بل عبارة عن عائلات مستغلة ونافذة تقوم باقتسام الأرباح مع المستثمرين. وبالتالي، نحن نقترح نمطا ثلاثي الأبعاد: القطاع العام والقطاع الخاص وحوكمة رشيدة تسود هذه العلاقة.
ونحن خسرنا في السنوات الثلاث والعشرين الماضية نقطتي نمو من جرّاء الفساد الذي يعتري الإقتصاد التونسي، ونقطة النمو قادرة على توفير نحو 20 ألف موطن عمل سنوياً، وبلغ مجموع مواطن العمل خلال السنوات الماضية نحو 400 ألف، أمّا العلاقة الهزيلة بين القطاعين العام والخاص فيجب أن تسودها الحوكمة الرشيدة.
الخبير الإقتصادي رضا شكندالي |
وأضفنا قطاعا ثالثا هو القطاع الإجتماعي والتكافلي الذي له ثلاثة أدوار. أولا، يساهم في التخفيف من نسبة البطالة، ففي فرنسا مثلا، أمّن هذا القطاع فرص عمل لنحو مليوني عاطل عن العمل. ثانياً، هو يخفف من العبء على ميزانية الدولة للإنفاق على الصحة والتعليم وبالتالي يخفف من نسبة العجز في ميزانية الدولة، ونحن الآن نعاني نسبة عجز تبلغ 6% بينما كانت في سنة 2010 بحدود 2.5 % من الناتج المحلي الإجمالي. ثالثاً، هو يعيد توزيع الثروة والتطوّع من طرف الأغنياء لجمعيات المجتمع المدني وهذه الجمعيات تقوم بإعادة توزيع الثروة، وهي مهمة تعين بها الدولة لنبلغ العدالة الإجتماعية. وبالتالي يصبح لنا نظام سوق ليس بمفهومه المتوحش، بل نظام الإقتصاد الحر الإجتماعي والتكافلي.
ومن التحديات الداخلية أيضاً وجود تحولات عميقة على مستوى الهيكلة على السكان وظهور بطالة الشهادات العليا التي لم نكن نعرفها في الثمانينات ولكنها ظهرت في أواسط التسعينات وبداية القرن الحالي. وهذا ناتج من أن النسيج الإقتصادي التونسي يتضمن قطاعات ذات نسب تأطير ضعيفة جدا، فنسبة العاملين من أصحاب الشهادات العليا من مجموع العاملين ضعيفة على مستوى المؤسسات، ولم يكن ممكنا استيعابهم في النوعية الجديدة من أصحاب الشهادات العليا.
وهناك تحديات أخرى تتمثل بالإختلال بين الجهات، واتساع دائرة الفقر، إلى جانب غياب الثقة بين المتفاوتين في مستوى الحياة الإقتصادية؛ أي بين المستهلكين والمستثمرين والدولة، وغياب الثقة لا يعطي مناخ استثمار ملائم يشجع الشركات على الإستثمار.
ونجد تحديات كبرى خارجية متأتية من الأزمة المالية العالمية التي أثرت في الإقتصاد التونسي بدءاً من 2009 ونلامس آثارها حتى الآن، وكذلك أزمة المديونية التي ضربت أميركا وأوروبا وحتى البلدان التي لها علاقات اقتصادية بها (فرنسا وايطاليا). وإذا تواصلت تلك الإشكالية، ستنعكس على مستوى الصادرات التونسية وكذلك قطاع السياحة. وانطلقنا من تحدًّ كبيرٍ لبناء هذا النمط حيث سجلت سنة 2011 طلبيات مجحفة جعلت الدولة تسجل عجزا كبيرا. وهذه التركة تمثل تحديا كبيرا للإقتصاد التونسي وأخذناهفي الإعتبار في التوجهات الكبرى على مستوى النمط الإقتصادي لحركة النهضة.
تخفيض المديونية
ما هي أهداف هذا النمط الإقتصادي؟
أهداف هذا النمط تتمثل في ترجمة أهداف ثورة 14كانون الأول المجيدة إلى عناوين اقتصادية، أو ثلاثة أو أربعة شعارات، هي: الكرامة والحرية ومقاومة الفقر والفساد. وانطلاقا من الكرامة، فلا كرامة بدون عمل أي التشغيل وبالتالي فقد وضعنا هدفا كبيرا... فلا من دون استثمار ولا استثمار من دون نمو. أما للحرية فهناك جزءان: حرية تتعلق بما هو اقتصادي وحرية مرتبطة بكل ما هو مالي، وليس هناك شعب حر ويأكل من وراء حدوده، وبالتالي كان الهدف الأمن الغذائي. ومن حيث الجانب المالي، فلا وجود لشعب حر وهو يموّل استثماراته ونموه من الخارج، ما يعني المديونية.
ومن هنا، كان من أهدافنا تخفيض المديونية، وخاصة العنصر الذي شكّل عاملا مهما في اندلاع أزمة المديونية في العالم وهو نسبة الفائدة. فالإتحاد الأوروبي عرف سبب الداء في أزمة اليونان وقام بتخفيض نسبة 50% من نسبة الأداء على الدين العمومي لليونان، فقد يتم انقاذ اليونان من الإنهيار. أي أنه على مستوى هيكلة تمويلنا، عملنا على التخفيض من التمويل المصحوب بفائدة على الدين العمومي وأعطينا أهمية أكبر للتمويل الخارجي غير المصحوب بفائدة وهو الإستثمار الأجنبي المباشر وأضفنا له منتجات مالية جديدة منها البنوك الإسلامية من خلال عمليات المشاركة. كما وأضفنا الصكوك الإسلامية، ليست لأنها اسلامية بل لأن البنوك الإسلامية كانت في معزل عن الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2001 مع انهيار مركز التجارة العالمي، وقد خفضت الحكومة الأميركية وقتها نسبة الفائدة، وبعد ثلاث سنوات ضاعفت تلك النسبة أربع مرات، وبالتالي، تشكّل نسبة الفائدة مشكلا كبيرا في مسألة التمويل. وللبنوك الإسلامية مردودية مالية كبيرة يمكن أن تكون عنصرا من عناصر تمويل التنمية في تونس.
نسبة الدين الخارجي في تونس بلغت 40% فما هي السياسة التي سطرتموها لتجاوز هذه المشكلة والتقليص من الديون؟
المشكلة ليست في الدين وحجم الدين بل في هيكلته، على سبيل المثال، المشكلة ليست في 25 مليار دينار كدين من مجموعة الثماني، بل ما فيها من هبات وقروض ذات نسبة فائدة ضعيفة وقروض ذات نسبة فائدة عالية، والظرفية الحالية المحلية العالمية تؤكد أنه لا يمكن أن نقترض بنسبة فائدة مرتفعة. فالترقيم السيادي لأميركا، التابعة لمجموعة الثماني، انخفض وأزمة المديونية كبيرة جدا في أوروبا التي ستقرضنا مليار دينار، وبالنسبة إلى تونس وقع التخفيض من الترقيم السيادي مرتين السنة الحالية 2011.
فإذا كانت هذه الدول لا تسمح ظروفها الحالية بأن تقرض وإذا كان الترقيم السيادي قد انخفض مرتين، تعمل هذه الدول لتعويض نسبة المخاطر بالرفع من نسبة الفائدة وبالتالي تفرض علينا، وإذا تحصلنا على قروض من الخارج فستكون بنسبة فائدة عالية. وهذه مشكلة كبيرة لأنه في ما يتعلق بخدمة الدين في تونس، نجد تقريبا نصفها نسبة فائدة، أي أننا نقترض من الخارج لتسديد نسبة الفائدة وهذا إشكال كبير. وهنا لا بد من البحث عن هيكلة تحدّ من التمويل الخارجي المصحوب بفائدة ويتمثل في القروض العمومية والقروض من الأسواق المالية العالمية وهذا لا بد من التخفيض منه.
وفي برنامجنا الإقتصادي والإجتماعي سنتحول من نسبة تمويل خارجي مصحوب بفائدة قُدّرت عام 2010 بـ 15%، إلى 3% عام 2016 في آخر البرنامج، والرفع من التمويل الخارجي غير المصحوب بفائدة وهو الإستثمار الأجنبي المباشر الذي منحناه حيزا كبيرا، ويمكن استقطابه بالحوكمة الرشيدة التي هي من أصولنا وديننا وحضارتنا، وتتمثل مفاهيمها في المكاشفة والمساءلة والحد من الفساد. والعنصر الثاني إلى جانب الإستثمار الأجنبي المباشر الذي نأمل أن نحققه بالحوكمة الرشيدة هو المنتجات المالية الإسلامية التي كنت وضحتها والمتمثّلة بالبنوك الإسلامية والصكوك الإسلامية.
بطالة أصحاب الشهادات العليا
تعاني تونس مشكلة كبيرة تتمثل في البطالة حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حاليا نحو 750 ألفاً، وقد يصل في آخر السنة الجارية إلى مليون عاطل، فما هي الحلول التي اقترحتها حركة النهضة في نمطه الإقتصادي لمواجهة البطالة وتوفير العمل لطالبيه؟
هناك إشكالان، إشكال على مستوى حجم البطالة، وآخَر على مستوى هيكلة البطالة وصعود نوعية جديدة من البطالة وهي بطالة أصحاب الشهادات العليا. وقبل أن نقدم الحلول بحثنا في الأسباب التي أدت إلى هذا العدد الهائل من العاطلين عن العمل، ووقفنا عند نوعين: أسباب داخلية وخارجية.
على المستوى الداخلي، يعود السبب إلى النمط الإقتصادي المتبع والذي بدأ انطلاقا من منتصف التسعينات وبلغ حدّ الذروة وأصبح غير قادر على استيعاب الطلبات الإضافية للعمل ويكتفي باستيعاب 90 %فقط، أي أن 10% من الطلبات بقيت تتكدس طوال السنوات الفائتة. كما أن النسيج الإقتصادي لتونس هو نسيج لا يشجع على استيعاب طلبات أصحاب الشهادات العليا لأن نسبة التأطير ضعيفة جدا والمؤسسات ترفض توظيف خرّيجي الجامعات لأن الجودة ضعيفة. ومن ناحية ثانية هناك ضغط على مستوى سوق العمل، والحل الذي اقترحناه هو التكوين أي أن خريج الجامعة وبعد التخرج لا بد من فترة إعادة تدوير وفق متطلبات المؤسسة يمكن أن تساهم الدولة في تمويله.
أما الأسباب الخارجية للبطالة في تونس فتتمثل في الأزمة العالمية العالمية حيث أغلقت عديد المؤسسات السياحية في عام 2009 وتوقفت مؤسسات تصديرية عن العمل وبالتالي التصدير، أي أن الطلب العالمي قد انخفض لأن الإقتصاد التونسي هو اقتصاد ذو رئتين، الرئة الأولى في 4 بلدان للإتحاد الأوروبي (ألمانيا وإيطاليا وفرنسا واسبانيا) وهذه الدول تعيش أزمة مديونية وركودا على مستوى الطلب فيها الذي انعكس سلبا على الإقتصاد التونسي، والرئة الثانية تتمثل بليبيا، الشريك الثالث لتونس، وهي تعيش ثورة والأوضاع لم تستقر بعد وبالتالي لا بد من حلول. والحل بالنسبة إلى برنامج حركة النهضة هو توسيع الشراكات، فعندما يكون اقتصادنا مرتبطا فقط بأربعة بلدان في أوروبا، فكل أزمة تتعرض لها هذه البلدان، طبيعي جدا أن تصل إلى تونس، وبقدر ما كانت نسبة نمو الصادرات قوية في الثمانينات بقدر ما تقلصت وأصبحت تشكو ضعفا في السنوات الأخيرة للأسباب الذي ذكرنا ومساهمتها في نسبة النمو سلبية وأصبح الإقتصاد موجها إلى الطلب الداخلي أي الإستهلاك.
خطط للنهوض بالسياحة وجذب الإستثمار
ما هي رؤيتكم لمستقبل قطاع السياحة وكيف ننهض به؟
قطاع السياحة كان مرتبطا فقط بالبلدان الأوروبية الأربعة التي كنا ذكرناها وكانت وكالات أسفارها تحتكر السوق التونسية. لذلك لا بد من التنويع والتوسيع اللذين يتيحان تجاوز هذه الأزمة التي يعيشها قطاع السياحة في تونس. وأولا، يجب توسيع الشراكات وفتح أسواق جديدة مع بلدان جديدة وكذلك التنويع، فسياحتنا منذ نصف قرن كانت سياحة المنتوج الواحد،أي مقتصرة على السياحة والشاطئ والصحراء ولو أنها كانت منافسة حتى لإسبانيا واليونان وتركيا في أواخرالسبعينات وبداية الثمانينات. والآن، أصبح هذا المنتوج الواحد غير منافس في الأسواق العالمية وليس له مردودية مالية فكان استحضار نوعية معينة من الحرفاء الفقراء الذين لا يصرفون في تونس.
وعلى مستوى معدل مدخول السائح الواحد، وإذا قسنا ذلك بالمغرب، نجد أنه تقريبا أكثر من عشرين ضعفا وحتى خمسين ضعفا، والفارق كبير جدا وبالتالي فهذا التوجه خاطئ وقد جاء الوقت لنقوم بعملية التنويع دون القضاء على السياحة الشاطئية بل تطويرها، فنسبة التأطير في السياحة ضعيفة جدا أي أن أصحاب النزل لا يستفيدون من أصحاب الشهادات العليا وكذلك بالنسبة إلى وكالات الأسفار، وبالتالي الآن أصحاب الشهادات العليا هم القادرون على تطوير منتوج السياحة الشاطئية، سنطور هذا المنتوج وندرج فيه إنتاجيات أخرى.
ومنذ بداية القرن الحالي بدأ صعود منتوج السياحة الإستشفائية وهو مصنف عالميا في المرتبة الثانية بعد فرنسا وتكلفة العلاج في تونس لا تتجاوز ثلث العلاج في أوروبا وهو ما يجعل عديد السياح الأوروبيين يأتون إلى تونس للقيام بالسياحة الإستشفائية. كما هناك السياحة الرفيعة وهي سياحة المؤتمرات وتونس تمتاز بتوفر الرأسمال البشري، أي المثقفين وبالتالي يمكن تطويرها. وفي المغرب مثلا نسبة الأمية أكبر من تونس، ورغم ذلك فسياحة المؤتمرات متطورة وهذه المنتوجات يجب تطويرها لتعويض الضعف على مستوى السياحة الشاطئية.
يسود الإعتقاد بأن النمط الإقتصادي لحركة النهضة مستنسخ من النمط التركي أو من أنماط أخرى. فماذا عن الواقع ولماذا الإستلهام من نمط معين دون آخر؟
نحن نستأنس من النمط التركي، لأن نسبة النمو في تركيا سنة 2002 كانت أقل من نسبة النمو في تونس حيث كانت نسبة نمو تركيا 2.6% سنة 2006 بينما كانت نسبة النمو في تونس بين 5 و6% وفي ظرف ست سنوات أي في عام 2008 أصبحت تركيا مصنفة عالميا من بين الدول المتقدمة وأصبحت من أول المصدرين في العالم وبلغت نسبة النمو في تركيا حاليا 11.5% وبالتالي لماذا لا نستأنس بالتجرية التركية إلى جانب تجارب أخرى مثل تشيلي وكوريا الجنوبية والصين؟
الإستثمار الخارجي يعاني تقلصاً كبيراً بعد الثورة، فكيف يمكن إعادة الثقة للمستثمر التونسي والأجنبي حتى يعود للإستثمار في تونس؟
ماذا يريد المستثمر المحلي والأجنبي كي يستثمر في تونس؟ أولاً، البنية الأساسية شهدت تدهورا كبيرا انطلاقا من سنوات الألفية الجديدة وقد وقع فيها إختلال على مستوى التوزيع في الجهات وهي مركزة أساسا في المدن الكبرى والجهات الساحلية، ثانيا فهو يريد أن تكون ثروته محمية أي سنّ قوانين ومؤسسات تحميه وتحمي ماله بمعنى الحوكمة الرشيدة. وخلال 2012 سنحاول إعادة الثقة للمستثمر بتوفير قوانين تحميه، والأهم تأمين الإستقرار الأمني إضافةً إلى وضوح الرؤيا على مستوى الإستراتيجية على المدى البعيد، أي أن المستثمر يربط المدى القصير بالمدى البعيد.
التعليقات