دبي: قبل سنتين، اهتزت الأسواق العالمية عندما طلبت مجموعة دبي العالمي تجميد مستحقات ديونها، إلا أن إمارة دبي تبدو اليوم ملاذًا آمنا في منطقة مضطربة، وهي تستفيد من القطاع الخدماتي والسياحي القوي الذي بنته.

انخفاض الطلب في الأسواق العالمية قد يؤذي قطاعات دبي الاقتصادية الحيوية

لكن الإمارة التي نجحت حتى الآن في إعادة هيكلة ديونها الضخمة، قد تواجه شروطًا أصعب في الأسواق العالمية لأي عمليات إعادة تمويل في هذه الظروف الاقتصادية المضطربة، كما إن انخفاض الطلب في العالم قد يؤذي قطاعاتها الاقتصادية الحيوية. وقبل الأزمة المالية العالمية في 2008، وهي الأزمة التي جففت منابع التمويل، كانت إمارة دبي تعيش فورة اقتصادية وعقارية مذهلة.

وفي خريف 2009، أخذ وضع الإمارة منعطفًا سيئًا آخر عندما طلبت مجموعة دبي العالمية في 25 تشرين الثاني/نوفمبر تجميد استحقاقات ديون تبلغ حوالى 26 مليار دولار، ما أطلق مخاوف كبيرة في الأسواق من تعثر سيادي لدبي لكون المجموعة مملوكة من حكومة دبي.

وانكمش اقتصاد الإمارة بنسبة 2.4% في 2009، إلا أن إجمالي الناتج الداخلي عاد ليحقق نموًا بلغ 0.5% في 2010، فيما يتوقع أن يبلغ النمو 3 % هذه السنة، بفضل انتعاش قطاعات النقل وازدهار السياحة، وذلك بالرغم من استمرار الضعف في القطاع العقاري، بعدما خسرت العقارات أكثر من نصف قيمتها في خضم الأزمتين.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك ستاندراد تشارترد فيليبي دوبا بانتانتشي إن quot;دبي خططت وبدأت تواجه مشاكل ديونها، عبر كل السبل الممكنة: إعادة الهيكلة، وإعادة التمويل، وبيع الأصول. ولكنها أيضًا تقوم بذلك بكل بساطة من خلال تحسين مؤشر نسبة الديون مقابل إجمالي الناتج المحليquot; عبر ارتفاع هذا الأخير.

وأكد الخبير لوكالة فرانس برس أن quot;ديون دبي لم تختف بالتأكيد، إلا أن هذه الديون لم تثن القطاعات الأساسية من النموquot;، مشيرًا إلى أن quot;كل القطاعات التقليدية في دبي، أي التجارة والسياحة والتجزئة والبنى التحتية والنقل، ساهمت بقوة في النمو هذه السنةquot;.

وارتفعت نسبة قدوم السياح بنسبة 14% في النصف الأول من العام 2011، فيما ارتفعت نسبة الإشغال في الفنادق إلى ما فوق عتبة الثمانين بالمئة، وذلك بحسب بنك quot;اي اف جي هرمسquot; الاستثماري. وذكر البنك أن نسبة الإشغال المرتفعة كانت واضحة خلال الصيف، إذ إن العديد من السياح الخليجيين تجنّبوا السفر إلى وجهات مضطربة، مثل مصر وسوريا. كما إن قطاع التجارة في دبي سجل نموًا.

وارتفعت نسبة مناولة الحاويات بنسبة 11% في النصف الأول من العام، بحسب quot;اي اف جي هرمسquot;، الذي أشار إلى أن موانئ الإمارة استفادت من تغيير خطوط الملاحة بسبب الاضطرابات في المنطقة. وأكد البنك في تقريره أن quot;دبي تبرز في المنطقة مستفيدة من وضعها كملاذ آمن، لاسيما في قطاعات، مثل السياحة والتجارة وتدفق الودائع المصرفيةquot;.

وضربت الأزمة المالية دبي عندما كانت في أوج فورتها العقارية، إذ بنت الإمارة أعلى برج في العالم، وكذلك بنت أكبر جزيرة اصطناعية في العالم، وهي جزيرة النخلة. ونجت المشاريع، التي أنجزت أو التي كانت على وشك الإنجاز من الشلل، إلا أن مشاريع أخرى كثيرة جمّدت أو ظلت حبرًا على ورق، وهي مشاريع اعتبرت بغالبيتها quot;غير واقعيةquot;.

من جهته، قال سايمن وليامز كبير الاقتصاديين الإقليميين في مصرف quot;اتش اس بي سيquot; إن quot;الجو تغير تمامًا، لقد انتهت الأحلام الجامحة التي كانت سائدة في الماضي، وبات الناس الآن أكثر واقعيةquot;، مضيفًا إن quot;مفاعيل دورة الفورة وانفجار الفقاعة ما زالت موجودةquot;. غير أنه أوضح quot;أن الإمارة تملك أفضل بنية تحتية وأكثر نظام اجتماعي متسامح وأفضل قطاع خاص مع عقلية رائدة من حيث أخذ المخاطر، وبفارق أشواط، مقارنة مع أي مكان آخر في الخليجquot;. كما قال لوكالة فرانس برس إن quot;استقرار دبي خلال فترة من انعدام الاستقرار المنتشر في المنطقة عزز جاذبيتهاquot;.

وأشار وليامز إلى أنه quot;قبل الأزمة، كانت دبي مكانًا ليس فيه ضرائب، ولكنها كانت مكانًا مكلفًا للأعمال. الآن ما زالت الضرائب غير موجودة، لكن كلفة العقار وصلت إلى نصف ما كانت عليه، وبقيت الرواتب على المستوى نفسه، لذا باتت دبي أكثر تنافسية من قبل، وهذا أساسي للمستقبلquot;.

بيد أن دبي المضطرة لإعادة تمويل ديونها، يمكن أن تتأذى من زيادة صعوبة الحصول على التمويل في الأسواق الدولية بسبب تردي الحالة المالية في العالم.

وقال بنك quot;اي اف جي هرمسquot; إن quot;مخاطر دبي تبقى موجودة إذا ما حصل تدهور ملحوظ في إمكانية الحصول على التمويل الخارجي، ولمدة طويلة، وذلك نظرًا إلى حاجات دبي الكبيرة في مجال إعادة التمويلquot;.

إلا أنه ليس من المتوقع أن تواجه دبي مشاكل في تسديد استحقاقاتها القصيرة المدى، وهي تقدر بـ600 مليون دولار في الربع الأخير من العام الحالي، بحسبما أفاد المصرف. وأكد المصرف أيضًا أن المصاعب، التي قد تواجه عملية إعادة الهيكلة المستمرة، ستكون على الأرجح quot;نتيجة صدمات خارجية، وليست داخليةquot;.

في هذا السياق، أشار بانتانتشي إلى أن quot;تفاقم مشاكل منطقة اليورو قد يتسبب بمزيد من التآكل في الطلب العالمي على وقع توتر الأسواق وانهيار ثقة المستهلكينquot;. وحذر من أن quot;دبي قد تعاني انخفاضًا حادًا في التجارة العالمية، كما عانت في 2008، إذ إنها أكثر اقتصاد غير نفطي منفتح في المنطقةquot;.