أزمة منطقة اليورو تستفحل

بعد سنتين من الانتعاش الهشّ، يرزح النمو العالمي تحت وطأة أزمة الديون، فيما يبدو أن منطقة اليورو، مركز الأزمة، غرقت مجدداً في إنكماش، في سيناريو لطالما كان مصدر تخوف، ولم يكن من الممكن تفاديه في نهاية المطاف.


باريس: بالرغم من وعود القادة الأوروبيين وقوى عظمى أخرى في كل قمة ببذل quot;كل الجهودquot; لتلافي الأسوأ، فالأزمة المالية في أوروبا تستفحل، كما حذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد الخميس.

أكثر الأنباء إثارة للقلق تأتي من أوروبا، وخصوصًا من منطقة اليورو، حيث بات المرور بمرحلة ركود، ولو لفترة قصيرة، في أفضل الأحوال، أمرًا محتومًا في رأي معظم خبراء الاقتصاد.

وكانت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أول من حذر في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر من أن quot;منطقة اليورو تمر على ما يبدو بانكماش طفيفquot; يترجم بتراجع لإجمالي الناتج الداخلي في أواخر 2011 ومطلع 2012 في الاقتصاديات الثلاث الأولى، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

وبالرغم من تباطؤ ملفت، لا يزال الاقتصاد العالمي صامدًا بصورة أو بأخرى. وبحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن نمو الكوكب سيتباطأ بنسبة 3.4% في العام المقبل، بعد 3.8% هذا العام، فيما أعلن صندوق النقد الدولي أنه سيخفض quot;على الأرجحquot; توقعه بـ4% في كانون الثاني/يناير بالنسبة إلى العام 2012.

من جهتهم، لم يتوصل القادة الأوروبيون إلى حل سريع لأزمة الديون في منطقة اليورو، التي بات عدد من دولها مجددًا هدفًا لوكالات التصنيف الائتماني.

فقد خفضت وكالة فيتش الجمعة تصنيف فرنسا إلى سلبي، رغم أنها أبقت عليه عند quot;ايه ايه ايهquot;. وقالت الوكالة في بيان لها إن quot;تفاقم أزمة منطقة اليورو منذ تموز/يوليو يمثل صدمة سلبية كبيرة للمنطقة ولاقتصاد فرنسا ولاستقرار قطاعها الماليquot;.

ووضعت الوكالة تصنيف كل من بلجيكا وإسبانيا وسلوفينيا وإيطاليا وإيرلندا تحت المراقبة السلبية quot;مما يشير إلى أن تصنيفاتها تخضع إلى المراجعة النشطة، مع احتمال كبير بتخفيض تصنيفها على الأمد القريبquot;، بحسب الوكالة.

وخفضت وكالة موديز مساء الجمعة تصنيف بلجيكا، مشيرة إلى تدهور الظروف المالية لدول منطقة اليورو، والمخاطر بالنسبة إلى نمو الاقتصاد البلجيكي، والكلفة التي يمكن أن يتسبب بها إنقاذ المصارف، ومنها ديكسيا، للميزانية.

ووضعت فيتش رايتينغز من جهتها دولاً أوروبية عدةتحت المراقبة السلبية، مهددة بتخفيض تصنيفها بحلول نهاية كانون الثاني/يناير، بسبب غياب أي أفق للخروج بسرعة من أزمة الديون.

واعتبرت فيتش في بيان أن quot;حلاً شاملاًquot; لأزمة منطقة اليورو quot;لم يعد تقنيًا وسياسيًا بمتناول اليدquot;، بالرغم من القرارات، التي اتخذت في قمة بروكسل. وهددت الوكالة بخفض تصنيف إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وإيرلندا وسلوفينيا وقبرص.

ونظرت فيتش بإيجابية إلى تعهد قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل بتسريع إنشاء آلية أوروبية للاستقرار، لكنها أبدت قلقها من غياب شبكة أمان مالية ذات مصداقية، كما شددت على دور متزايد للبنك المركزي الأوروبي، مطالبة بالتزام أكبر وأكثر وضوحًا لمؤسسة فرنكفورت، بغية تخفيف خطر حصول أزمة سيولة في الدول، التي تتمتع بالملاءة، لكنها قد تكون في وضع هشّ، بسبب النقص في الخزينة.

وأخذ وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي فرنسوا باروان علمًا بقرار فيتش، مذكرًا بالتزام باريس بمكافحة العجز.

يأتي إعلان فيتش بعد إعلان وكالتي موديز وستاندرز آند بورز، اللتين قد تخفضان تصنيف دول أوروبية عدة في الأسابيع المقبلة.

وقالت موديز إنها ستعيد النظر في تصنيف دول منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي في الفصل الأول من العام 2012، بسبب غياب أي quot;قرارات حاسمةquot; أثناء القمة الأوروبية في بروكسل.

أما ستاندرز آند بورز فقد هددت حتى قبل الخامس من كانون الأول/ديسمبر، أي قبل قمة بروكسل، بتخفيض التصنيف الائتماني لـ15 من الدول الـ17 الأعضاء في منطقة اليورو، وبينها ألمانيا وفرنسا، اللتان تحظيان كلاهما بعلامة quot;ايه ايه ايهquot; لدى الوكالة.

وتواجه دول منطقة اليورو، بسبب ثقل ديونها أيضًا، خطر الوقوع في انكماش. فقد أعلنت إيرلندا، إحدى ضحايا أزمة الديون، والتي تحظى بخطة مساعدة مكثفة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، من جهتها الجمعة أنها سجلت تراجعًا بنسبة 1.9 % من إجمالي ناتجها الوطني في الفصل الثالث.

وفي إيطاليا، تبنى النواب بغالبية واسعة خطة تقشف حكومية تقدمت بها الحكومة الجديدة برئاسة ماريو مونتي، وقال أمام النواب إنه quot;يأمل بأن لا يضطر إلى أن يطلب quot;تضحياتquot; أخرى من الإيطاليين، وأكد أن quot;لا شكquot; لديه بأن إيطاليا ستخرج من الأزمة، وكرر مونتي أن بلاده، التي ترزح تحت ديون ضخمة تقدر بحوالى 1900 مليار يورو (أي حوالى 120% من إجمالي ناتجها الداخلي) ليس أمامها خيار آخر.

وقد اعتمدت الحكومة في الرابع من كانون الأول/ديسمبر خطة التقشف الجديدة الثالثة منذ الصيف، والتي تفرض تضحيات كبيرة على الإيطاليين، مع تدابير لخفض العجز بنحو 20 مليار يورو، وإنعاش الاقتصاد بأكثر من 10 مليارًا، وفي هذا الوضع فإن النبأ السار الوحيد بالنسبة إلى الأوروبيين يأتي عبر المانش من بريطانيا.

فبريطانيا، التي كانت البلد الوحيد التي اعترضت على المعاهدة الأوروبية الجديدة، سعت الجمعة إلى العودة إلى الساحة، من خلال قبولها المشاركة في اجتماعات الخبراء من أجل التمكن من التأثير في المناقشات.

وبعد جلسة من التردد، أقفلت البورصات الأوروبية على تراجع في سوق لا تزال تحت الضغط، قبل تخفيض تصنيف دول في منطقة اليورو، الذي بات يعتبر أمرًا محتومًا، وأقفلت وول ستريت من جهتها على توازن، فيما أصدرت الولايات المتحدة هذا الأسبوع إشارات إيجابية بالنسبة إلى سوق العمل والإنتاج الصناعي. لكنها مع ذلك ليست في منأى، كما يتبين، من دعوات قادتهاالملحّة إلى الاوروبيين لكي يعملوا على وقف انتشار أزمة ديونهم.