المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

لم تتوقف مساعي المسؤولين الأوروبيين لإنقاذ منطقة اليورو من عثرتها، حيث لفتت تقارير صحافية في هذا الإطار إلى أن هناك مكالمة سرية أجرتها المستشارة ميركل مع الرئيس الإيطالي تحثه فيه على إيجاد بديل لبرلسكوني والإطاحة به من على الساحة.


القاهرة: إستمراراً لإبراز حقيقة ما تمّ بذله من جهود داخل القارة الأوروبية، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، لانتشال منطقة اليورو من عثرتها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكما ورد في تقرير نشرته quot;إيلافquot;، يوم أمس، بخصوص المحاولات المتتابعة التي بدأ قادة القارة العجوز في تكثيفها اعتباراً من نيسان- أبريل الماضي، على أمل الخروج من نفق أزمة ديون اليورو المظلم، نواصل في هذا التقرير الذي أفردته في الإطار نفسه صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إبراز المساعي التي لم تتوقف من جانب المسؤولين الأوروبيين لدعم المنطقة في تلك الأزمة المالية العنيفة.

إستهلت صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; حول الجهود التي يبذلها المسؤولون الأوروبيون بلفتها إلى تلك المكالمة السرية التي أجرتها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من مكتبها، خلال شهر تشرين الأول- أكتوبر الماضي، مع روما، من أجل طلب المساعدة في إنقاذ العملة الأوروبية الموحدة.

ثم مضت الصحيفة تقول إنه وبعد مرور عامين على أزمة الديون الأوروبية التي ظهرت في دولة اليونان الصغيرة، حدث ما لم يكن يتوقع، وهو هروب المستثمرين من الديون الحكومية لايطاليا، التي تعد واحدا من أكبر الكيانات الاقتصادية في العالم. وإذا لم يتم إيقاف عمليات البيع، فإن ايطاليا ستنهار، وتأخذ اليورو معها. وتابعت الصحيفة بقولها إن تلك المكالمة التي أجرتها ميركل كان طرفها الثاني هو الرئيس الايطالي غيورغيو نابوليتلانو. ومع أن قادة أوروبا يسيرون على قاعدة غير مكتوبة تمنعهم من التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لبعضهم البعض، إلا أن ميركل خالفت ذلك وحثت ايطاليا على تغيير رئيس وزرائها طالما أنه يقف عاجزاً أمام ما يحدث.

وهنا، نوهت الصحيفة بأنه لم يتم التطرق إعلامياً من قبل إلى تفاصيل القناة الدبلوماسية التي فتحتها ميركل مع روما على هذا الصعيد. وأظهر نفاذ صبرها المدى الذي أفقرت من خلاله مشاكل ايطاليا الإستراتيجية الأوروبية لمكافحة الأزمة. وإلى الآن تسير أوروبا وفق نهج بسيط من أجل الحفاظ على اليورو، وهو النهج الذي يتلخص في أن الدول القوية مالياً هي التي ستقوم بإنقاذ نظيراتها الضعيفة.

غير أن ايطاليا التي يقدر دينها الوطني بحوالى 2 تريليون يورو ( أو حوالي 2,6 تريليون دولار ) أكبر من أن يتم إنقاذها. وأماط التحقيق الاستقصائي الذي أجرته الصحيفة، ارتكازاً على مقابلات أجريت مع أكثر من 20 صانع قرار وفحص مجموعة من الوثائق الهامة، النقاب عن الطريقة التي تجاوبت من خلالها ألمانيا مع الأخطار التي تشهدها ايطاليا، من خلال فرض سلطتها على منطقة اليورو المنقسمة.

وشاركت ميركل بدور كبير في هذا الجهد، بعدما دخلت في نزاعات مع توترات شخصية وسياسات بيزنطية بين دول منطقة اليورو البالغ عددها 17 دولة. وبالإضافة إلى إطاحتها ببرلسكوني من على الساحة، تعين على ميركل أن تخفف من علاقتها المضطربة مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وشددت الصحيفة في هذا السياق على أن جذور الأزمة الحاصلة في أوروبا ممتدة إلى وجود مخاوف عميقة بشأن الديون الحكومية والاختلالات الاقتصادية داخل منطقة اليورو. وهي المخاوف التي أبعدت مستثمري السندات عن الدول الأوروبية الضعيفة، وتركت بعضها كاليونان بلا آلية تتيح لها الوصول إلى الأموال اللازمة للتمويل أو سداد ديونها. والخطر الأكبر الذي يلوح في الأفق الآن هو المتعلق باحتمالية انضمام ايطاليا لها.

وأضافت الصحيفة كذلك أن التدافع لدعم ثقة المستثمرين في ايطاليا أدى إلى نشوب نقاشات جياشة بشأن الطريقة التي يمكن من خلالها تحمل تكاليف إنشاء شبكة أمان مالي. وفي ظل الظروف الراهنة، رأت الصحيفة أن المعركة القادمة تبدو شاقة ومتعبة.

وأعقبت ستريت جورنال بقولها إنه منذ بداية الأزمة في أواخر عام 2009، وقادة أوروبا على علم بأنه يتعين عليهم تجنب الدخول في جولة سوق سندات لايطاليا، بالنظر إلى كيانها الاقتصادي الضخم وتراكم الديون بشكل كبير. لكن الصحيفة نوهت بأن الشأن السياسي الايطالي ساهم في بث توترات إضافية في الأسواق، وأبرزت هنا ذلك الخلاف الذي سبق وأن حدث بين برلسكوني ووزير ماليته غويليو تريمونتي.

ورغم المحاولات التي قام بها برلسكوني آنذاك للدفاع عن سياساته وفعاليتها على الصعيد القارّي، إلا أن البنك المركزي الأوروبي أرسل له خطاباً سرياً يقول له فيه :quot; الخطة التي تنتهجها ايطاليا لخفض العجز ليست كافية. وتحتاج ايطاليا إلى إصلاح اقتصادي شامل لدعم النمو، وهو ما يتطلب منافسة أكبر وتحرير سوق العمل وخفض المعاشات التقاعدية السخية والحد من البيروقراطية وتخفيض الإنفاق العامquot;.

وبدا من هذا الخطاب أن الرسالة الضمنية التي يريد المركزي الأوروبي نقلها للقادة الايطاليين هي أن تلك الإصلاحات هي الشروط التي يضعها البنك كي يتدخل في سوق السندات. وهو ما أثار حفيظة الجانب الايطالي، حيث أخبر بعدها تريمونتي سراً مجموعة من وزراء المالية الأوروبيين أن حكومته تلقت خطابي تهديد خلال شهر آب- أغسطس الماضي، واحد من جماعة إرهابية وآخر من البنك المركزي الأوروبي.

لكن إصلاحات برلسكوني واجهت على الصعيد الداخلي مقاومة سياسية. ومع تواصل حالة الكرّ والفرّ بين الحكومة الإيطالية وبين المركزي الأوروبي بشأن تلك الإصلاحات، تفاقمت الأزمة إلى أن وصلت إلى نطاق بدأ يهدد الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل حالة الضبابية ونفاذ الصبر التي بدأت تهيمن على عدة أطراف معنيين بتلك المشكلة.

وأعقبت الصحيفة بقوله إن أوروبا واجهت ضغوطاً مكثفةً كي تبدأ في التعامل، خلال اجتماع سنوي لصندوق النقد الدولي أقيم في واشنطن خلال شهر أيلول- سبتمبر الماضي. وكانت الخيارات الوحيدة المتبقية أنظمة معقدة تعرض على المستثمرين في السندات الايطالية حماية جزئية من خلال ضمانات أو مركبة استثمار ذات أغراض خاصة. واعترف المسؤولون سراً بأن المشكلة هي أن ذلك يرتقي إلى الجمباز المالي من النوع الذي انغمست فيه البنوك قبل أزمة الرهن العقاري عام 2007.

وفي غضون ذلك، أطلق الرئيس الفرنسي تصريحات أكد من خلالها أن تقديم المركزي الأوروبي مساعدة حاسمة في أسواق السندات الحكومية هي الخطوة التي قد تنقذ منطقة اليورو. في حين أبدت ميركل حفيظتها من الضغط الفرنسي على المركزي الأوروبي، لاعتقادها أن ساركوزي يعلم رفض ألمانيا معالجة الأزمة بتلك الوسيلة.

ثم تابعت الصحيفة بتأكيدها أن فشل برلسكوني في إنعاش الاقتصاد الايطالي قد عرَّض أوروبا للخطر. وهو ما دفع ميركل للاتصال بالرئيس الايطالي كي تحثه على اختيار رئيس وزراء جديد في حال فقدان برلسكوني الدعم من جانب البرلمان الايطالي. وأخبرته بتقديرها الجهود المبذولة، ثم شددت على أن أوروبا بحاجة فعلاً لمزيد من الإصلاحات الحقيقية الفعالة من أجل استخدامها في دعم عجلة النمو الاقتصادي.

وفي الحادي والعشرين من شهر تشرين الأول- أكتوبر الماضي، قال مفتشون من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إن اليونان ستحتاج الآن لأكثر من 140 مليار يورو في صورة مساعدات إضافية من دافعي الضرائب لمنطقة اليورو خلال عام 2012، إلا إذا تنازل حملة السندات من القطاع الخاص عن 60% مما تدين به اليونان لهم.

وقد أعادت ميركل المياه لمجاريها مرة أخرى مع ساركوزي خلال قمة للاتحاد الأوروبي عقدت في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول- أكتوبر الماضي. وبدأت تتحدث ميركل بعدها عن خطوات يتعين اتخاذها من أجل التعامل مع أزمة اليونان. وختمت الصحيفة حديثها بالتطورات التي أعقبت رحيل رئيس الوزراء اليوناني، حيث تقدم برلسكوني بعدها ببضعة أيام باستقالته، وتم تعيين الخبير الاقتصادي المحترم ماريو مونتي رئيساً جديداً لوزراء ايطاليا.

ومع قرب نهاية عام 2011، نوهت الصحيفة بأن الضغوطات التي مارستها ميركل قد ساعدت في استقدام قادة ذوي توجه إصلاحي في جنوب القارة الأوروبية، كانت تريدهم، ولو لم يتم انتخابهم. كما قامت رفقة ساركوزي بقيادة منطقة اليورو ككل صوب صرامة مالية على النهج الألماني هدفها تحقيق توازن بين الميزانيات وبين خفض الدين العام.