يفوق عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين في حرب حماس - فتح الشهور الخمسة الأخيرة عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الفترة ذاتها، وكانت مناظر المواجهات الشجاعة بين الحركتين التي بثتها الفضائيات، تشرف النضال الفلسطيني وسوف ترتاح لها أرواح شهداء فلسطين في مثواهم الأخير، وسوف يشعرون إن استشهادهم لم يكن مجانيا فها هي الأجيال التي جاءت من بعدهم تظهر شجاعة منقطعة النظير، ليس بعيدا أن يتم تدريسها في الأكاديميات العسكرية العالمية، أما السجناء والمعتقلون الفلسطينيون فمن المؤكد أن هذه المواجهات البطولية قد خففت عنهم ألم السجون وذلها، وصاروا يرونها فنادق ذات خمسة نجوم ونصف. وعند تدريس هذه المواجهات الشجاعة ليس بعيدا أن يسأل طالب غبي: لماذا لم يشهد الشعب الفلسطيني من الحركتين هذه الشجاعة والاستبسال في الانقضاض والهجوم والخطف والاغتيال ضد جيش الاحتلال؟. لن يتمكن الأستاذ الذكي من الإجابة المباشرة، وسوف يراوغ قائلا: اسأل جنرالات الحركتين (فتح و حماس) الذين بهذه المواجهات البطولية قد أخروا قيام الدولة الفلسطينية الموعودة سنوات، وجعلوا بعض الفلسطينيين يتمنون عودة الاحتلال المباشر للقطاع والضفة، كي يعود هؤلاء الجنرالات ومقاتليهم الأشاوس للاختباء في بيوتهم ويرتجفون خوفا، وينعم الشارع الفلسطيني بالأمن والأمان كما كان في زمن الاحتلال المباشر. وكون الشعب الفلسطيني شبع وارتاح من هذه البطولات وما عاد يحتاج للمزيد منها، فهي تكفي لتوزيع العار والإشمئزاز من هؤلاء الأبطال على القارات الستة، ما هو الحل كي تتوقف هذه البطولات والمواجهات الشجاعة؟

الحل هو انسحاب حماس

كان فوز حركة حماس بالأغلبية في انتخابات التشريعي الفلسطيني الأخيرة مفاجأة للجميع بما فيهم حماس نفسها ، وكان قرارا شجاعا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (فتح) أن اعترف بهذا الفوز الديمقراطي وكلف اسماعيل هنية لتشكيل الحكومة الفلسطينية الحالية، وهذا في حد ذاته كان وما زال صدمة صاعقة لحركة فتح التي تعودت طوال العقود الأربعة الماضية أن كافة مقدرات النضال الفلسطيني بسلبياته وإيجابياته بيدها وقرارها، بما فيها قرارات المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي الذي ينوب عنه فيما بين دورتين من انعقاده، وبقية الفصائل والتنظيمات والدكاكين الفلسطينية مجرد توابع ديكورية لتزيين الصورة وإعطائها طابعا جماعيا ديمقراطيا، وفي داخل حركة فتح ذاتها كان القرار في الغالب عرفاتيا فما يريده الرئيس عرفات يصفق له الجميع سواء عن قناعة أو خوف أو مصلحة شخصية، فلم يكن أحد يجرؤ على مناقشته أو مخالفته بسبب سطوة لسانه ودفتر الشيكات!.

تعرف حركة حماس قبل خوضها الانتخابات التشريعية التي فازت فيها وأهلتها لتشكيل الحكومة، أن برنامجها السياسي الذي لا يعترف بدولة إسرائيل لن يجعل طريقها في تسيير شؤون الشعب الفلسطيني سهلا ورغم ذلك خاضت الانتخابات، و ما إن أعلنت عن حكومتها حتى قوبلت بشروط المجتمع الدولي أوربيا وأمريكيا وعربيا وروسيا، وهي لا تعامل مع هذه الحكومة ولا استمرارية لدفع المساعدات والمنح المالية الدولية إلا بعد اعتراف حكومة حماس بدولة إسرائيل وكافة الاتفاقيات الموقعة بينها وبين السلطة الفلسطينية. رفضت حماس تارة وراوغت تارة أخرى وضللت ثالثة إلى حد أن لا أحد يعرف تحديدا ماذا تريد؟. فهي حسب تصريحات مسؤوليها (لن نعترف بدولة إسرائيل ولكن يمكن توقيع اتفاقية هدنة طويلة معها). وهذه الهدنة كانت مرة خمسين سنة وأخرى ستين سنة وقبل أسابيع قليلة أجرت عليها تنزيلات هائلة فإذا هي عشر سنوات فقط. وعند مسؤول حماسي آخر(لسنا ضد وجود إسرائيل ولكننا في حماس لن نعترف بهذا الوجود). وفجأة يوم الجمعة الموافق التاسع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي يعلن سماحة السيد مشير المصري عضو المجلس التشريعي عن حماس في مهرجان جماهيري حاشد في مدينة غزة: (قسما برب الكعبة لو قتلنا جميعا لن نعترف بإسرائيل ولن نتخلى عن ثوابتنا). وقد استعدى سماحته الله على الجميع فقد ناشد الله تعالى قائلا: (اللهم عليك بإسرائيل ومن والى إسرائيل ومن اعترف بإسرائيل ومن دعانا لنعترف بإسرائيل)، وهذا الدعاء من سماحة المشير(رتبة عسكرية أعلى من الفريق) طلب من الله تعالى بهزيمة غالبية دول العالم بما فيها الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول اللجنة الرباعية وغالبية الدول العربية المعترفة بإسرائيل ومنها مصر والأردن وموريتانيا وقطر (سفارة باسم مكتب تجاري وزيارات متتالية لوزير الخارجية لتل أبيب) ودول إسلامية مثل تركيا ، وطبعا يشمل الدعاء بالتدمير والموت السلطة الفلسطينية فهي معترفة بإسرائيل وتدعو حماس للاعتراف بها!.

بعد هذا التخبط السياسي ماذا تتوقع حكومة حماس غير مقاطعة غالبية دول العالم كما هو حاصل منذ تشكيلها الحكومة؟. هذه المقاطعة التي وضعت الشعب الفلسطيني في هذه الحالة المريرة سياسيا واقتصاديا ومعيشيا والمواجهات الحربية البطولية الشجاعة المخزية بينها وبين حركة فتح فماذا تريد حكومة حماس أكثر من ذلك؟. المسألة واضحة وبدون تجني على حكومة حماس فالوضع لا يحتمل أكثر من خيارين:

الأول: هل تستطيع حركة حماس مواجهة العالم أجمع كما سبق أن فصلنا، وتمارس سلطاتها في الحكومة وتدفع الرواتب وتفتح المدارس والجامعات والمستشفيات وكافة نواحي حياة المواطن الفلسطيني وتفتح المعابر وتوقف جيش الاحتلال عن مهاجمة القطاع والضفة؟. إذا كانت قادرة فلتستمر في ضبابيتها السياسية وعنادها المستقوي بخطابات شبيهة بخطابات (النصر الإلهي).

الثاني: وإن لم تكن قادرة على ما سبق فلا حل سوى انسحابها من الحكومة نهائيا، وعندئذ يشكل الرئيس الفلسطيني محمود عباس حكومة جديدة قادرة على الاستجابة لمتطلبات وشروط المجتمع الدولي بما فيه العربي، كي تبدأ العمل لعودة حياة الشعب الفلسطيني كما كانت قبل هذا الحصار الدولي، وهذا يعني العودة لطاولة المفاوضات مهما طالت، فتجربة حماس في الحكومة وقبل الحكومة أثبتت أنها مضيعة للوقت وسفك لمزيد من دماء الفلسطينيين سواء على يد جيش الاحتلال أو في حروبها مع فتح.

أما القائلون بأن الحل هو (حل السلطة الفلسطينية) فهم لا يدركون تبعات ذلك، فما دامت السلطة بوضعها الشكلي الديكوري الحالي وبوجود حكومة حماس وقوتها التنفيذية المسلحة، يعيش المجتمع الفلسطيني هذا الفلتان والوحشية وجرائم الخطف والاغتيالات والحصار بكافة أنواعه، فكيف سيصبح الوضع إذا تم حل السلطة، إلا إذا كان المنادين بذلك يقصدون عودة الاحتلال الإسرائيلي المباشر وهذا ما سترفضه إسرائيل، فهل كانت تحلم بأحسن من هذا الوضع حيث الفلسطيني يقتل الفلسطيني بشجاعة وعزم وتصميم لم يمارسه مع جيش الاحتلال، وكأن المواطن الفلسطيني عند فرق وعصابات المتحاربين صار أرخص من سعر البطيخ (بطيخ ويكسر بعضو). فهل تدرس حركة حماس هذا الوضع الفلسطيني الذي لا يسرّ صديقا ولا يغيظ عدوا، وتأخذ قرارها بالانسحاب من الحكومة أم سوف تستمر في ضبابيتها وعنادها إلى أن يأخذ الرئيس محمود عباس قراره بإقالة حكومتها بعد اسبوعين كما لمّح بعد لقائه بوزيرة الخارجية الأمريكية في رام الله أمس، مؤكدا على أن أية حكومة فلسطينية يجب أن تعترف بإسرائيل وكافة الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وعندئذ لا ضمانة من تجدد جولات الحرب الفتحاوية الحماسية وبأشكال أكثر شجاعة و وحشية ...ومن اليوم وحتى الاسبوعين القادمين لايملك الفلسطينيون إلا الدعاء (اللهم نجّنا مما هو أعظم)!!.
[email protected]