تقترب الأيام من ذكري السادس من أكتوبر.. ذكري أول وآخر انتصار حقيقي علي اسرائيل حينما استطاع الجيش المصري البطل تحطيم خط بارليف وعبور القناة تحت النيران واستعادة جزء غالي من تراب مصر.. وهي في نفس الوقت ذكري اغتيال قائد هذا الانتصار الرئيس محمد أنور السادات.. قائد الانتصار الوحيد الحقيقي علي اسرائيل..
فهذه حقيقة مهما اختلف البعض أو اتفق مع بعض سياسات السادات وأنا أعتبر نفسي من ضمن الكثيرين الذين لهم اعتراض علي الكثير من سياسات السادات ومن ضمنها الانفتاح الاقتصادي الغير مدروس والغير متدرج وعدم التحول التام الي نظام ديمقراطي كامل نتيجة دستور 71 المعيب وتعديل المادة 76 في عام 80 الأكثر عيبا ,, وتشجيع التيارات الدينية التي اغتالته فيما بعد في محاولة القضاء علي التيارات اليسارية والناصرية وهو مانجح فيه فكان أول ضحايا هذا التيار.. تماما مثلما فعلت أمريكا في أفغانستان بتشجيع تيارات السلفية الجهادية وإحيائها وتمويلها وتدريبها للقضاء علي الاتحاد السوفيتي.. قضت أمريكا وحلفائها من التيارات الاسلامية المتطرفة التي دربتهم ومولتهم بل وأعطتهم فرصة الحياة والنمو علي الاتحاد السوفيتي عبر أفغانستان فكانت مكافئتها غزوتي مانهاتن وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر.. نفس ماحدث للسادات..
ولكن رغم كل ذلك ستبقي الحقيقة وهي أن السادات هو قائد الانتصار الحقيقي والوحيد علي اسرائيل.. لأنه لا يوجد أي تعريف حقيقي للنصر إلا تعريف واحد وهو تحقيق الهدف عسكريا وسلميا..

لقد كان هدف السادات هو تحرير سيناء واستعادتها للسيادة المصرية.. لتظل مصر كما كانت منذ آلاف السنين.. ذات حدود معروفة ومحددة لم تتغير علي مدي هذه السنين..
الشعب المصري بعد حرب 67 لم يطيق صبرا علي احتلال سيناء وكان الشعب يغلي مطالبا قيادته باسترجاعها.. في عهد عبد الناصر ثم السادات من بعده.. مما أجبر هذه القيادة فعلا علي التخطيط لا ستعادة سيناء حربا أو سلما.. وهو ما خطط له السادات جيدا بعد أن بدأ عبد الناصر المشوار في محاولة تصحيح الأخطاء التي أدت إلي هزيمة 67 واحتلال سيناء..

لقد كانت خطة تحرير سيناء واضحة في عقل الرئيس السادات.. الحصول علي انتصار عسكري يجبر اسرائيل ومعها أمريكا علي التفاوض الجدي لتحرير باقي سيناء..
ورغما عن كل المزايدات التي نسمعها يوميا من أصحاب الشعارات من التيارات الثورية القومية والاسلامية.. فالحقيقة علي الأرض تقول أن السادات حصل علي مايريد واستعادت مصر كل شبر من أرض سيناء..
ومن تعلو أصواتهم بالشعارات الفارغة مازالت أرضهم محتلة.. ومازالوا يتلقون الهزائم..
ومنهم من لا يستطيع أن يطلق طلقة رصاص واحدة دفاعا عن أرضه.. فيتجه الي أراضي الغير.. وكأن تحرير الأرض يبدا من عند الغير... تحرير الجولان يبدأ من لبنان.. كما فعل صدام تماما.. عندما قرر أن يحرر القدس باحتلال الكويت.. وكما تفعل منظمة القاعدة و منظرها عبد الله بن عزام الذي قرر أن يبدأ تحرير القدس من أفغانستان.. وكما يفعل غلمانه الآن بن لادن والظواهري.. الذين يحررون القدس عبر التفجيرات الإرهابية في الرياض وجدة والقاهرة وشرم الشيخ وطابا ودهب ودار السلام ونيروبي ومدريد ولندن ونيويورك وواشنطن.. وقتل الأبرياء من مسلمين وغير مسلمين..
والمراقب المحايد والشريف لا يستطيع إلا أن يقر أنه منذ بدأت حرب الاستنزاف بعد 67 وبدأت العمليات الفدائية داخل سيناء في عهد عبد الناصر... لم نسمع عن عملية إرهابية واحدة قام بها المصريون ضد المدنيين من أتباع أي دولة سواء كانت هذه الدولة أمريكا أو حتي اسرائيل..
هذا هو الفرق الوحيد بين الفدائي والإرهابي.. والذي لا تستطيع عقول الكثيرين في عالمنا أن تفهمه بفعل الشعارات الثورية والدينية التي يروج لها من لا يضحون بحياتهم في الحقيقة بل يضحون بحياة الشباب المغيب بفعل هذه الشعارات..
الفدائي وهو يقوم بأي عملية فدائية لتحرير أرضه يحاول بقدر الإمكان تجنب المدنيين الأبرياء وهو يحاول بقدر الإمكان أن يحافظ علي حياته هو وحياة أفراد مجموعته.. أما الإرهابي فهو لا يعطي وزنا ولا قيمة للحياة وخاصة قادة الإرهاب... لا حياة المدنيين الأبرياء الذين لا ناقة لهم أو جمل ولا حياة من يقوم بالعملية الإرهابية.. هو في الحقيقة لا يقيم وزنا للحياة بعكس كل التعاليم الإلهية في كل الأديان وعلي راسها الاسلام..
والدرس الثاني الذي نستطيع استخلاصه من ذكري حرب أكتوبر.. هو أن الشعب المصري في غالبيته.. إلا قلة متطرفه منه.. لا يحارب ولا يكون علي أتم استعداد للتضحية بحياته إلا دفاعا عن حدوده.. هذه الحدود المعروفة والتي لم تتغير عبر التاريخ.. من حدوده الغربية الحالية الي حدوده الشرقية الحالية..
لقد اجتاح هولاكو المشرق العربي ولكن الفلاحين المصريين بقيادة قطز أوقفوه عند الحدود الشرقية.. البطل الحقيقي في عين جالوت كان الفلاح المصري الذي خرج دفاعا عن مصر.. تماما مثلما حدث في المنصورة مع لويس التاسع والصليبيين..
والرئيس حسني مبارك عندما صرح مع أحداث لبنان الأخيرة أن الجيش المصري لن يدخل حربا إلا دفاعا عن حدوده..كان صادقا مع نفسه ومع شعبه كقائد عسكري كبير يعرف الجندي المصري ويعرف نفسيته.. الجندي المصري لا يبلي بلاءا حسنا إلا دفاعا عن مصر.. وأي قوة كانت تجرؤ علي الاعتداء علي مصر ستلقي الويل علي يد هذا الجندي.. واسرائيل خبرت هذه الحقيقة وتعرفها جيدا ليس فقط في 56 أو 67 او 73.. ولكن منذ أيام رمسيس.. ولهذا كانت دائما تحتمي بعائق مائي مثل قناة السويس وتسرع بالانسحاب من مصر..
لقد هوجم الرئيس مبارك علي هذا التصريح ولكنه في الحقيقة يستحق التقدير علي شجاعته في قول الحقيقة وعمق فهمه للشعب المصري والجندي المصري..
وأقول نيابة عنه لكل من يزايد علي مصر من أصحاب الشعارات... حرروا أرضكم أولا.. وتوقفوا عن الاقتتال الداخلي واتفقوا كشعوب.. أما نحن المصريون فلن نسمح ولن نصبر علي أي قوة شرقية كانت أو غربية تسول نفسها الاعتداء علي مصر.. وأننا نحارب كفدائيين وليس كإرهابيين.. هكذا فعلنا في قناة السويس ضد الانجليز و هكذا أجبرنا اسرائيل علي الانسحاب من سيناء..
والدرس الآخر أن الشعب المصري كله.. كل أقباط مصر من مسلمين ومسيحيين.. قاتلوا بشرف وضحوا بحياتهم في معركة العبور جنبا الي جنب كتفا مع كتف.. لم يكن هناك فرق بين عبد المتعال وجرجس.. بين من أتي من بحري أو الصعيد.. بين السيناوي والنوبي ومن أصله من قبيلة أولاد علي في الصحراء الغربية..
هذه هي عظمة مصر.. ومهما يبدو علي السطح الآن من أحداث طائفية بغيضة علي قلتها.. فلن تستطيع القضاء علي الحقيقة التاريخية أن الشعب المصري في مجموعه هو شعب غير طائفي وغير قبلي.. هو شعب متسامح يعشق نيله وتراب أرضه سواء كان من سيناء أو من سيوة أو من النوبه.. كان مسلم أو مسيحي.. شعب لا يفرق بين البشر علي أساس الدين أو اللون أو العرق أو حتي الجنس.. المرأة المصريه في قاع الريف المصري كانت دائما سافرة الوجه وتشارك الرجل في كل شيء في الحقل والتجارة والبيع والشراء.. والمصري المسيحي كان دائما يعيش بجانب أخيه المصري المسلم في كل قري ونجوع مصر يتعاملون معا في كل شيء في الزراعة والتجارة ولم يتقوقع أي منهما في قرية أو حي أو جيتو خاص به..
لنحتفل بيوم السادس من أكتوبر ونتعلم منه ونترحم علي السادات.. فهما كانت أخطاؤه.. سيظل قائد الانتصار الحقيقي والوحيد علي اسرائيل.. الانتصار الذي كان البطل الأول له هو الشعب المصري بكل مكوناته..
رحم الله السادات وغفر له.. ومهما قيل عنه فقد كان فلاحا مصريا أصيلا حتي في دهائه الذي استطاع التغلب به علي دهاء مناحم بيجين.. وأصابه بالحسرة التي قتلته..