ليس غريباً أن نقرأ بعض الكتابات التي لم تزل تفكر بعقلية السلطات الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق بالحديد والنار، ولم تزل بعض العقليات التي تفكر بمنطق السيد والعبد والمالك والمستأجر، ولهذا لن نستغرب من ظهور مثل هذه الألإكار التي لاتستوعب متغيرات الحياة ولاواقع الأنسان العراقي الجديد، كما ليس من الأنصاف أن يقفز المتابع لقضية حقوق شعب كردستان الدستورية على الواقع ليحاول تناسي التهميش والحرمان والظلم الذي طال هذا الشعب حقبة زمنية ليست بالقصيرة، فقد تحمل شعب كردستان في العراق ليس فقط عدم الأعتراف بلغتهم وقوميتهم وتأريخهم، وانما بالتنكر لحقهم في الحياة وحقوقهم حتى التي نصت عليها الدساتير المتعاقبة والتي زعمت فيها أن الوطن شراكة بين العرب والكرد والتركمان وبقية المكونات القومية للعراق ، او التي زعمت نصوصها على المساواة بالحقوق بين العراقيين، ولهذا فأن ترجمة نصوص الدستور العراقي الى واقع ملموس وبما يحقق تجسيد الشراكة الحقيقية في الوطن يعزز الثقة ويزيح تراكمات الظلم ويحقق الهدف في دحر الفكر الشوفيني المنتشر في العراق بفضل السياسات الشوفينية المتعاقبة لفترة غير قصيرة من عمر العراق، ويساهم بشكل أنساني لرسم معالم الحياة العراقية في منطقة كردستان أو في أية منطقة أخرى.
وأذا كان الدستور هو القانون الأسمى للبلاد فأن ثبوت كون النصوص الواردة فيه جامدة لاأثر لها في الواقع، ينتج لنا قناعة من أن السلطات التي تعاقبت على حكم العراق كانت تريد أن تكون هذه النصوص غباراً وستاراً لذر الرماد في العيون وشعارات وفقاً لرغباتها ومصالحها السياسية وسياستها الشوفينية، مما يولد لدينا الأصرار على ترجمة النصوص الدستورية الى واقع نلمسه بايدينا ونجسد تطبيقاته الأنسانية الى ان تفهم هذه العقول بأن لشعب كردستان الحق في الحياة وأن التجربة.
وأذ لم يفرق القانون الأساس الصادر في العام 1925 بين المواطنين بسبب القومية أو الدين أو اللغة في المادة السادسة منه، فأنه حدد في المادة السابعة عشرة من أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية بما يتعارض مع نص المادة السابقة التي تقر وتعترف بأختلاف اللغات بين العراقيين، ويتوضح التوجه الذي ينكر حق شعب كردستان ضمن نصوص دستور يؤسس لأول حكومة وطنية، اما الدستور المؤقت لعام 1958 والصادر بعد قيام الجمهورية العراقية فقد اورد نصين متناقضين الأول ينص على أن العراق جزء من الأمة العربية، وهذا الأنتماء يشمل جميع المكونات بينما ورد النص الثاني ليؤكد بأن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ( المواد 2 و 3 ) مشيراً الى انضواء الأكراد تحت عباءة الأمة العربية التي يكون العراق جزءاً منها.
بينما جاء الدستور المؤقت لعام 1964 ليس معتبراً العراق جزء من الأمة العربية فقط، وأنما أوجب على الأكراد والتركمان والكلدان والآشوريين أن يعملوا لتحقيق الوحدة العربية الشاملة التي تلتزم الحكومة بتحقيقها في أقرب وقت ممكن كما ورد بنص الدستور مبتدئاً بالوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ( مصر لوحدها في تلك الفترة )، ونصاً مثل هذا يلزم قوميات غير عربية للسعي لتحقيق الوحدة العربية لايدل سوى التوجه الشوفيني المقيت الذي يريد ان يلتزم الجميع بما تقرره القومية القائدة والحاكمة ويعبر عن مستوى عقلية الحاكم، وأقر الدستور المؤقت المساواة بين العراقيين وأنه يقر بالحقوق القومية للأكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متآخية، ولم يحدد معالم هذه الحقوق ولاجديتها وحقيقتها، كما لم تتجسد في الواقع العملي الذي عاشه العراق ضمن تلك الفترة والتي لم يتمتع بها الأكراد سوى بحروب طاحنة أكلت الأخضر واليابس من رجالهم وحلالهم وأوقفت التقدم الحضاري والأنساني ليس في كردستان فحسب بل في عموم العراق.
وجاء الدستور المؤقت لعام 1968 ليؤكد ايضاً أن الشعب العراقي ( بكل مكوناته القومية ) جزء من الأمة العربية وهدفه الوحدة الشاملة التي تلتزم الحكومة على تحقيقها، وأقر الدستور المؤقت ضمن المادة 20 منه على الحقوق القومية للأكراد ضمن الوحدة العراقية، وبقي كغيرة لايحدد معالم هذه الحقوق ولاتفصيلها ولاتطبيقها في الواقع العراقي ويكفي لأثبات ذلك حملات الأبادة العسكرية والحملات العسكرية المستمرة التي شنتها جيوش السلطات المتعاقبة لقمع صوت شعب كردستان ومحاولة أذلالة وجعله قابلاً بالسياسة الشوفينية التي تنهجها تلك السلطات عملياً وخضوعه للأمر الواقع عبر قوافل الالاف من الشهداء.
أن وضعاً مأساويا في غبن حقوق أكبر القوميات التي تعيش في العراق بعد ان جرى تقطيع اوصال وطنها الأم الى عدة أوصال في مناطق متعددة، يدلل على ان العقول الظلامية والنزعات المريضة لم تزل راسخة في عقول وقلوب بعض المهتمين بالجانب السياسي في العراق، وهذا الأمر ناتج من نواتج السياسة العقيمة والحقن القومي المريض الذي قام به الحكام الذين سيذكرهم التاريخ العراقي مجللين بالخزي والعار لما الحقزه بالعراق من خراب ودمار وتخلف .
وبعد سقوط الطاغية وأنهيار سلطاته الهشة التي كان يدعمها بأجهزة الأمن والمخابرات والأمن الخاص، أصبح العراق في وضع استثنائي بصدد ترتيب اوضاع البيت العراقي ورسم السياسة المستقبلية للعراق، حيث ساهمت اغلب الأحزاب والشخصيات العراقية الوطنية في ذلك، ومع كل الشحن الشوفيني في العقل العراقي وتلبس مفاهيم عديدة خاطئة في عقول ابناء العراق من العرب وخشيتهم من ( سطوة الكرد ) و( انفصالهم ) وعصيانهم الدائم وتبعيتهم للأجانب وكونهم يشكلون خطراً على الأمة العربية !! وغير ذلك من كلمات الشحن الشوفيني البغيض التي لاتمت للحقيقة والواقع ولا لخلق ابناء شعب كردستان النبيل بأية صلة مثلما كانت السلطات البائدة تحقنها في العقل العربي ، وقف العديد ضد مفاهيم دستورية حديثة دون معرفة أو تدقيق أو مناقشة أعتقاداً منهم بأنها الضرر القادم والذي سيحل على العراق، ووقف العديد ضد حقوق شعب كردستان أعتقاداً منهم انها أضعاف لحق العرب أو التركمان والكلدان والاشوريين في الحياة، متناسين أن الشعب الكردي كان متمتعاً بشبة استقلال عن السلطة المركزية منذ العام 1991 ولغاية 2003، وطيلة تلك الفترة ورغم دقتها فقد مورست سياسة عقلانية وعملية بما يحفظ للعراق وحدته ويجنب شعب كردستان الويلات والدمار الذي لحق به لسنين طوال، وايضاً يضع شعب كردستان ضمن نظام دستوري يمكنه من أستعادة مافاته من بناء للأنسان ولمعالم الحياة والبنى التحتية في اقليم كردستان وللعراق الأتحادي ايضاً كنموذج حضاري وأنساني متميز.
ولهذا فقد تناخى الكرد مع العرب والتركمان والكلدان والآشوريين للتصويت على نصوص الدستور العراقي ليصبح العراق وفق الأرادة العراقية جمهورية نيابية ديمقراطية أتحادية.
أقر الدستور العراقي عند نفاذه أقليم كردستان وسلطاته القائمة كأقليم أتحادي، وبهذا الأقرار المنصوص عليه في متن المادة 113 فقد منح الشرعية الدستورية لقيام الأقليم، حيث أن الدستور أشار الى تكوين النظام الأتحادي في جمنهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات غير منتظمة ضمن أقليم وإدارات محلية، ومنح الصلاحيات المشتركة بين الحكومة الأتحادية وبين الأقاليم حيث اعطى الأفضلية لقانون الأقليم في حال وجود خلاف في التطبيق بينهما حيث منح الدستور الحق لكل محافظة أو أكثر تكوين أقليم وفق الالية التي فصلها.
وأعتبر الدستور أن اللغة الكردية بالأضافة الى اللغة العربية هما اللغتين الرسميتين في العراق وأن يتم تحديد نطاق المصطلح بقانون يحدد معالم اللغة التي يتم تطبيقها في الأقليم، كما يتم أصدار الأوراق النقدية والطوابع وجوازات السفر باللغتين تطبيقاً لمبدأ المساواة واستناداً لما ورد في الفقرة ( 5 ) من المادة الرابعة من الدستور الذي حدد نطاق اللغة الرسمية ووفق القانون ، ولهذا لن يتحمل العقل الشوفيني أن يجد طوابع بريدية أو قطع نقدية مكتوباً عليها باللغة الكردية لأنه اعتاد وأدمن السيادة الواحدة للقومية الواحدة، مثلما لايتحمل العقل الشوفيني ان تكون جوازات السفر مكتوبة باللغة الكردية ولا أن يكون طابعا بريديا بلغة الأكراد، كما انه لايصدق ان في العراق شعباً اخر له كل مقومات الدولة الفيدرالية التي توحد ضمنها في أقليم يتمتع بكل موجبات النصوص الدستورية للعراق الأتحادي.
ويشترك أقليم كردستان في المجلس التشريعي الأتحادي الذي يضم ممثلين عن اٌلأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم وينظم عمل هذا المجلس قانون يتم صياغته وأصداره بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب ، كما يشترك الأقليم في تشكيل المحكمة الأتحادية العليا التي تأخذعلى عاتقها مهمة الرقابة على دستورية القوانين وتفسير النصوص الدستورية عند وجود اختلاف في التطبيق، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الأتحادية والقرارات والأنظمة والأجراءات الصادرة عن السلطة الأتحادية، وكذلك الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الأتحادية واٌلأقاليم والمحافظات والبلديات وألادارات المحلية، كما تفصل المحكمة في الأتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، كما تصادق المحكمة الأتحادية العليا على النتائج النهائية لعضوية مجلس النواب وتفصل المحكمة في تنازع الأختصاص بين القضاء الأتحادي والأقليمي والمحافظات وأن قرارات هذه المحكمة باتة لاتقبل الطعن تمييزاً حيث انها ملزمة لكافة السلطات.
كما يشترك الأقليم ضمن الهيئات التي عدها الدستور مستقلة لضمان حقوق الأقاليم في المشاركة العادلة بأدارة مؤسسات الدولة المختلفة وفي البعثات الدراسية والحلقات الدراسية والتطويرية وفي الأشتراك ضمن الوفود التي تحضر المؤنمرات الأقليمية والمؤتمرات الدولية حيث يتكون الوفد من ممثلي الحكومة الأتحادية وممثلي الأقليم وممثلي المحافظات غير المنتظمة بقانون.
كما يشترك الأقليم في الهيئة العامة لمراقبة وتخصيص الأيرادات العامة في الدولة الأتحادية للتحقق من عدالة توزيع المنح والقروض والمساعدات بموجب استحقاقات الأقاليم والمحافظات التي لم تنتظم ضمن أقليم، ويشترك الأقليم في مجلس الخدمة العامة الاتـحادية الذي يتولى تنظيم شؤون الوظيفة العامة ومايتعلق بالتعيين والترقية والتكوين والترفيع.
ويحق لسلطة أقليم كردستان بمقتضى نصوص الدستور بوضع دستور للأقليم يحدد هيكل السلطات فيه وآلية عمل تلك السلطات مع عدم التعارض مع الدستور الأتحادي، وان لسلطة الأقليم أن تمارس جميع الصلاحيات الممنوحة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ماعدا ما تم تحديده حصراً من صلاحية السلطة الأتحادية.
ويحق لسلطة الأقليم ان تقوم بتطبيق نصوص الدستور الأتحادي عند عدم وجود نص يحكم قضية معينة أو عند وجود تناقض او تعارض في ذلك الأمر.
وفي سبيل منح الأقاليم فرصة للتخطيط وبرمجة أعادة اعمار الأقاليم التي خربتها الانظمة الدكتاتورية واوقفت الحياة فيها مدة غير قليلة من الزمن، فقد منح الدستور الأتحادي لسلطة الأقليم تأسيس مكاتب في السفارات العراقية وضمن البعثات الدبلوماسية تأخذ على عاتقها مهمة متابعة الشؤون الثقافية والأجتماعية والأنسانية لأبناء الأقليم وفقاً للفقرة رابعاً من المادة 117 من الدستور ، وهذه المكاتب لاتعني بأي شكل من الأشكال تعارضها مع البعثة الدبلوماسية ولاتتناقض مع عملها وكما لاتشكل سفارات مستقلة كما يشيع بعض المغرضين والشوفينيين الذين لايتحملوا ليس فقط من تمتع شعب كردستان بحقوقه الأنسانية، وانما حتى في عدم فهم النصوص الدستورية التي توجب ان تكون هناك مكاتب تؤسس لمتابعة شؤون الأقاليم، وانما تؤسس هذه المكاتب لمتابعة الشؤون الثقافية والأجتماعية والأنمائية.