ليس في الأمكان الأستخفاف بالقرار الرقم 1680 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، ألاّ أذا كان الأستخفاف بالقرارات الدولية هواية. على العكس من ذلك، يُفترض في النظام السوري أن يكون أكثر وعياً وأستيعاباً للسياق الذي يندرج فيه القرار وذلك من زاوية ضرورة المحافظة على سوريا وعلى الشعب السوري. من المستحسن حصول ذلك لسبب في غاية البساطة يعود خصوصاً الى أنّ النظام يعتبر أن ليس في الأمكان التمييز بينه وبين سوريا أو بينه وبين الشعب السوري. ومن هذا المنطلق، في حال كان النظام يريد المحافظة على نفسه أن يأخذ في الأعتبار ما يفيد سوريا والشعب السوري في آن بما في ذلك مخاطر القرار 1680 الذي يدعو الى تبادل التمثيل الديبلوماسي بين سوريا ولبنان والى ترسيم الحدود بين البلدين.
يستطيع النظام السوري أستغلال فرصة صدور القرار 1680لأثبات أن النظرية القائلة أنّه لا يمكن التمييز بين النظام وسوريا والشعب نظرية صحيحة. يكون ذلك عبر التصرف بطريقة مختلفة لدى التعاطي مع القرار الجديد لمجلس الأمن. ما هي المشكلة في القرار؟ هل الدعوة الى ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا جريمة؟ هل الدعوة الى تبادل التمثيل الديبلوماسي بينهما جريمة أكبر؟ أين في العالم دولة تعترف بدولة أخرى وترفض ترسيم الحدود أو تبادل التمثيل الديبلوماسي معها؟ لماذا لا يتجاوب النظام السوري مع القرار لأثبات أنه جزء لا يتجزّأ من المنظومة الدولية وأنّه يريد تطبيق الشرعية الدولية من أجل أستعادة حقوقه خصوصاً في الجولان المحتل.
متى نظرنا الى الطريقة التي ردت بها النظام السوري على القرار 1680 ، نجد أن ما قامت به الخارجية السورية يشكّل فضيحة لا أكثر ولا أقلّ. لقد تفوّق نائب وزير الخارجية الجديد في أستخدامه للغة الخشبية التي عفا عنها الزمن ومحاولته تزوير الواقع أو تجاوزه بكلام أقلّ ما يقال عنه أنّه فارغ،على وزير الخارجية السابق السيّد فاروق الشرع الذي وصف القرار 1559 لدى صدوره في الثاني من أيلول ndash;سبتمبر 2004 بأنّه quot;سخيفquot;. هذا القرار الذي أدّى في فترة لاحقة الى خروج الجيش السوري من لبنان مع ما يعنيه ذلك من تغيير في المعطيات الأقليمية أسفرت، أقلّه حتى الآن، الى تحوّل النظام السوري أداة لأيران، كنظام طبعاً، بدل أن يكون حليفاً لها كما كانت عليه الحال في الماضي. أذا كان القرار 1559 سخيفاّ، ماذا أذاً عن القرارات الجدّية وما الذي يعتبره النظام السوري قرارات جدّية؟
في الواقع، الذي لا مفرّ من التعاطي معه، ليس هناك لبناني حقيقي يؤمن ببلده وبالعروبة الصادقة يريد ألحاق أي أذى بسوريا أو بالشعب السوري الشقيق. ليس من مصلحة لبنان واللبنانيين أن يلحق أي أذى بسوريا. على العكس من ذلك أن سوريا القوية قوة للبنان، لكنّ على النظام في دمشق أن يتذكّر في الوقت ذاته أن لبنان القوي والمزدهر مصلحة سورية أيضاً.
من هذا المنطلق، كان الأفضل لدمشق الترحيب بالقرار 1680 وأن تتبع هذه الخطوة بالسعي الجدّي الى تطبيقه بغية كسر الحلقة المفرغة التي أدخل النظام السوري نفسه فيها منذ أتخذ قراراً بالتمديد للرئيس أميل لحّود، مستخدماً التهديد والترهيب، خلافاً لأرادة الأكثرية الساحقة للشعب اللبناني. أن القرار 1680 في مصلحة سوريا ولبنان وهو مساهمة في بدء البحث عن مخرج من الأزمة الخطيرة التي تعانى منها العلاقات بين البلدين. والأكيد أن البديل من التجاوب مع القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن ليس اللغة التي أستخدمتها الخارجية السورية التي حرصت على تحويل الهزيمة الى أنتصار، ولا يمكن أن يكون هذا البديل أفتعال مشاكل مع الجيش اللبناني عبر أستخدام بعض المرتزقة الذين يقبلون رفع السلاح في وجه الجندي اللبناني. فمن يقدم على مثل هذا العمل بأسم فلسطين عميل لأسرائيل لا أكثر ولا أقلّ. أنه يساهم بوقاحة لا نظير لها في الأساءة الى القضية الفلسطينية الي تمرّ حالياً بمرحلة من أدق المراحل في تاريخها.
قد يكون لدى بعض اللبنانين الذين يعلّقون على القرار 1680 منحازين ضدّ النظام السوري. ولكن هل يمكن لدولة مثل قطر صوّتت في مجلس الأمن مع القرار موقفاً عدائياً من سوريا شعباً وحكومة ونظاماً؟ لقد بذل المسؤولون القطريون في المرحلة التي تلت صدور القرار 1559 في أيلول من العام 2004 جهوداً كبيرة لدعم سوريا والدفاع عنها في كل المجالات والمحافل الدولية من منطلق أن أي هزة يمكن أن تتعرض لها تهدد الأستقرار في المنطقة. أوليس طبيعياً أذاً دعوة النظام السوري الى التفكير ملياً في معنى التصيت القطري لمصلحة القرار؟
انها دعوة صادقة الى النظام السوري الى التعاطي بجدية أكثر مع القرار 1680 ، خصوصاً أن أمتناع روسيا والصين عن التصويت لا يعني أن الدولتين غير موافقتين على القرار. هل في دمشق من يريد أن يتذكّر أن السفير الروسي في بيروت لا يتردد عن الأعلان في كلّ مناسبة أن بلاده تؤيد التطبيق الكامل للقرار 1559 على الرغم من أمتناعها عن التصويت لدى طرحه في مجلس الأمن.
مرة أخرى، ليس هناك من يريد الأساءة الى سوريا أو السوريين ولا حتى الى النظام السوري أنطلاقاً من لبنان. هذا الأمر ليس وارداً خصوصاً أن اللبنانيين يعرفون حجم بلدهم وحجم قدراتهم. وهم يعرفون خصوصاً أنّ أي أذى يلحق بسوريا لا بدّ أن يرتدّ عليهم. لكنهم يعرفون أيضاً أن مشكلة النظام السوري مع قرارات مجلس الأمن تشبه الى حدّ كبير المشكلة التى عانى منها النظام العراقي المخلوع مع سلسلة القرارات التي صدرت عن المجلس بعد أرتكابه جريمة أحتلال الكويت. لم يدرك نظام صدّام حسين أن القرارات التي صدرت وقتذاك قرارات سياسية، لا تقبل النقاش، قبل أن تكون ذات طابع قانوني وأنه لا يمكن التعاطي معها ألاّ من الزاوية السياسية. هذا الخطأ في التقويم تكفل بأطاحة النظام. هل في أستطاعة النظام السوري تدارك الخطأ الذي ذهب ضحيّته صدّام قبل فوات الأوان؟ ذلك وارد في حال أبدى بعض التعقّل في التعاطي مع القرار 1680 . وهذا بعني في طبيعة الحال الأعتراف بأن الأعتراف بلبنان مصلحة سورية لا أكثر ولا أقلّ وان تجاوز الأحقاد والأحلام يخدم النظام السوري ولا يضرّه.
- آخر تحديث :
التعليقات