الجرائم الإسرائيلية على مستوى إرهاب الدولة المنظم والمخطط له سلفا مستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وقد توجت هذه الجرائم الإسبوع الماضي باغتيال القيادي في لجان المقاومة الشعبية جمال أبو سمهدانة والمجزرة البشرية على شاطىء غزة حيث راح ضحيتها ما يزيد على خمسة عشر فلسطينيا من بينهم أطفال ونساء، ويفتخر الإرهابي عمير بيريتس وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه كان يتابع شخصيا عملية اغتيال أبو سمهدانة مع طيار الطائرة الحربية، وإذا كان هذا هو مستوى إرهاب بيريتس الذي يرئس حزب العمل ويعتبرونه من الحمائم ، فما أدراك بإرهاب الليكود وغيره من الأحزاب المتطرفة ؟ وهذا ليس غريبا ولا مستهجنا فأبشع الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني تم ارتكابها في زمن حزب العمل ومنها مجزرة قانا في جنوب لبنان التي ارتكبها جيش الاحتلال في زمن رئاسة ( بطل السلام النوبلي شيمعون بيريز ) ويفتخر بأنها من إنجازاته الإرهابية .. ولا يستطيع أحد من الإرهابيين في دولة إسرائيل أن يعتبر وصول حركة حماس لرئاسة الحكومة الفلسطينية هو السبب في هذا التصعيد المجرم، لأن حركة حماس وصلت لذلك عبر الخيارالديمقراطي للشعب الفلسطيني، ومنذ أكثر من عام ونصف وهي ملتزمة بالهدنة والتهدئة رغم عدم التزام جيش الاحتلال الإسرائيلي يوما واحدا بهذه الهدنة ، وقد زاد انضباط حماس وإصرارها على التهدئة بعد تسلمها رئاسة الحكومة الفلسطينية، بدليل أنها لم ترد على أية جريمة إسرائيلية...لذلك يصبح منطقيا السؤال: هل تريد دولة إسرائيل السلام فعلا؟؟ وبأي إسرائيل يريدون حماس والشعب الفلسطيني أن يعترف، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود نهائية لها؟.

إن الوقائع اليومية للسياسة الإسرائيلية والجرائم المتواصلة لجيش الاحتلال منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، لا تعطي أي دليل يطمئن على نية الجانب الإسرائيلي في إقامة سلام عادل وشامل، لأن الشعب الفلسطيني عبر المجلس الوطني عام 1988 إعترف من طرف واحد بدولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967 وذلك من خلال اعتباره الدولة الفلسطينية ضمن هذه الحدود بما فيها القدس، وفي نهاية ولاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وبحضور الرئيس عرفات وأعضاء المجلسين الوطني والتشريعي تم شطب البنود التي تطالب بإزالة دولة إسرائيل في الميثاق الوطني الفلسطيني. وهذا يعني أن السلطة الفلسطينية قدمت كل التنازلات الممكنة وغير الممكنة، ورغم ذلك يصرّ الجانب الإسرائيلي على شروط من المستحيل وجود أي خائن فلسطيني يقبل بها، وهي: الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والقبول ببقاء ما يريد جيش الاحتلال من مستوطنات في الضفة والقطاع، بما يعني إعطاء الفلسطينيين جيتوات معزولة مقطوعة الصلة ببعضها، لا تشكل مشروع دولة حسب أية مقاييس. إن هذا الواقع البشع الذي تريد دولة الاحتلال فرضه لا يمكن أن يجلب أي سلام دائم في المنطقة، ويوما وراء يوم يضعف أصوات السلام الفلسطينية مصداقيتها، ويقلص تأثيرها في الحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية ،لأن الممارسات البشعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي تجعل أصوات السلام الفلسطينية كمن يطحن في الهواء، فيسمع الشعب الفلسطيني جعجعة دون أن يرى طحينا في الميدان!!!. وبصراحة شديدة لا يستطيع أي فلسطيني ولا يملك الحق بما فيهم الرئيس محمود عباس ، بعد هذه الجرائم الإرهابية البشعة أن ينتقد أي تنظيم فلسطيني يقوم بالرد على هذه الجرائم لأن الجرائم الإسرائيلية لا تستثني في المناطق الفلسطينية لا البشر ولا الحجر، وهي فعلا إبادة جماعية منظمة و مدروسة، لا يفيد فيها اعتذار الرئيس الإسرائيلي لمقتل أبرياء، لأن قتل هؤلاء الأبرياء لم يتوقف يوما واحدا منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 ...وماذا بعد؟.

إن المطلوب وسط هذه المجازر البشعة والحصار التمويني والطبي والإنساني الذي يكاد يوصل الشعب الفلسطيني إلى حدود المجاعة، هو توحيد الرؤيا الفلسطينية تحديدا بين رئاسة السلطة و رئاسة الحكومة خاصة بعد توقيع الرئيس محمود عباس المرسوم الخاص بإجراء الاستفتاء على وثيقة الأسرى في السادس و العشرين من تموز القادم، ورفض حركتي حماس والجهاد ومنظمات أخرى لهذا الاستفتاء وسط تهديدات متبادلة علنية، أسفرت عن إشتباكات مسلحة ظهر يوم السبت الموافق العاشر من الشهر الحالي بين عناصر من جهاز الأمن الوقائي والقوة التنفيذية التابعة لوزير الداخلية الفلسطيني، أسفرت عن جرح أربعة أشخاص، وهذا قمة المأساة فلا يكفي الشعب الفلسطيني جرحى وقتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيضاف إليهم قتلى وجرحى بالسلاح الفلسطيني أيضا. وينبغي الوصول إلى اتفاق حول هذا الموضوع لأن تشبث كل طرف برأيه ينذر بعواقب وخيمة لا يحتاجها الشعب الفلسطيني في هذا الوقت بالذات، وحساسية الموقف وخطورته لا تترك أي منطقية لمناقشة من معه الحق في هذه المسألة: رئاسة السلطة أم رئاسة الحكومة، فالمنظرين من الطرفين سودوا عشرات الصفحات للدفاع عن حجههم بالموافقة على إجراء الاستفتاء وعدم الموافقة على إجرائه، مما يعني عدم جدوى المرافعات القانونية في هذا الصدد....إن الحل هو أن تدرس رئاسة السلطة مع رئاسة الحكومة هذا الموضوع بشرط أن يضع كل طرف ( عقله في رأسه ) كما يقول المثل الشعبي ، وصولا إلى حل ( أهل القطاع والضفة أدرى بشعاب تفاصيله )، هذا بالإضافة إلى موضوع مركزي آخر وهو كيفية الرد على إرهاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد آن الأوان لمواجهة هذا الإرهاب برؤية موحدة أيا كانت هذه الرؤيا، فما عاد مفيدا لحركة النضال الفلسطيني أن يجتهد ما لا يقل عن عشرة تنظيمات في القطاع والضفة ، ليجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام العديد من الأجندات والممارسات، مما يعطي الجانب الإسرائيلي الذريعة لتكرار مقولته ( لا يوجد طرف فلسطيني مؤهل لمباحثات السلام )، وتأتي التناقضات و بعض الممارسات الفلسطينية لتكسبه بعض التفهم الدولي لهكذا أطروحات....يستطيع أي كاتب أو مفكر أن يقترح رأيه في الأجندة المناسبة لمواجهة الإرهاب الإسرائيلي، يرى البعض أنها المقاومة المدنية السلمية ويرى آخرون أنها المقاومة المسلحة، ولكن أفضل الآراء ما ينبع من داخل أهل المعاناة، فمن يده في النار ليس كمن يده بالماء، ولم يعد مقبولا ولا لائقا هذا التناقض بين الرئاستين في كل الرؤى والمواقف...هل يرتقي الجميع إلى مستوى المسؤولية احتراما لدماء الضحايا وسماعا لبكاء الطفلة هبة أبو غالية وصراخها وهي جانب جثة والدها ( وينك يا بابا )! وهي طفلة السنوات السبع لا تعرف في تلك اللحظة أنها فقدت والدها إلى الأبد نتيجة إرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم والمقصود!!!.
[email protected]