من ينكر جرائم صدام الوحشية غير المغالطين والكذابين، من مؤيديه داخل العراق وفي العالم وخصوصا في البلدان العربية وغير كل نظام استبدادي شمولي عربي؟
إن سجل جرائم طويل ومرعب وفي غاية الهمجية، ولا داعي للعودة لذكر بعضها. المتباكون كالقذافي، والجزيرة، والقاعديين وكل المهووسين والمتطرفين الإسلاميين هم من يريدون التعتيم على تلك الجرائم، واضعين أيديهم في الأيدي الملطخة دما للبعثيين من أعوان صدام. إن هؤلاء ليست لهم ذرة ضمير ووجدان للتعاطف ولو قليلا مع الضحايا وعائلاتهم المنكوبة. هذا واضح ومعروف، كما أن إعدامه إحقاق للحق والعدالة ووفاء لمئات الآلاف من ضحايا جلاد العراق، الذي لقي جزاءه العادل.
لقد منح صدام وشلته الدموية أوسع حرية وكل الحقوق القضائية، حتى أنه وزمرته ومحاميهم استغلوا الجلسات لكسب الوقت وتعطيل المحاكمات وللدعاية السياسية والتحريض. كان الحكم عادلا ويطالب به معظم العراقيين، وخصوصا الضحايا أمواتا وأحياء. ولكن! لكن كيف جاء التنفيذ في توقيته وخصوصا ما كشف عنه فيديو الهاتف الجوال؟ لقد أعطت الحكومة بتوقيتها يوم العيد حججا للعربجية والإسلامجية والأنظمة العربية المرعوبة ليثيروا عواطف وغرائز العوام العرب والمسلمين. لقد نشرت لحد الآن عشرات التقارير والمقالات والتعليقات عن ضيق أفق الحكومة وسوء تصرفها. كما لم يكن نقل لحظات الإعدام خطوة وخطوة ضروريا بل كان يمكن الاكتفاء بلقطة أو لقطتين لأن المتشككين كثيرون وخصوصا بين بسطاء الناس. أما تكرار المناظر فلم يكن موفقا أبدا بل وربما تأثره النفسي سلبي. أما التصرف الأكثر سوءا والذي يثير الإدانة والغضب فهو ما كشفه الفيديو الذي يقول مسجله أنه سلمه لسكرتير السيد المالكي. إن هذا التسجيل يكشف عن شهوة انتقام طائفية لدى فريق من الحاضرين، وكأن صدام حسين لم يظلم غير عائلة الصدر والشيعة، وصحيح ما كتبه المعلقون: لماذا لم تهتف مجموعة الهتافات الهائجة بحياة العراق وشعبه؟ أو بحياة العدالة؟؟ والأكثر قي سوء التقدير دعوة عدد من أعوان الإرهابي مقتدى الصدر للحضور، وربما كان بينهم من نفذوا عملية الإعدام وهتافهم المتكرر بحياة القائد الضرورة الجديد مولانا quot;آغاquot; مقتدى. إن مقتدى الصدر طاغية صغير ولكنه معمم، طاغية دموي ينضح بالطائفية والعداء للديمقراطية، ولا يدين بولاء للعراق بل لإيران. ومعلوم كونه قد قاطع الحكومة والبرلمان، وإذن فكيف يدعى ممثلون عنه للجلسة الخاصة، التي كان يفترض بها أن تكون ضيقة جدا كما هو المتعارف عليه دوليا؟
ذهب الطاغية الكبير غير مأسوف عليه، وارتاحت أرواح ضحاياه في المقابر الجماعية والآخرين. هذا كان ما ينتظره أكثر العراقيين وهو ما يفرحهم وما يطعن في الصميم ما كان يمثله صدام حسين من عقلية وممارسة؛ إلا أن المؤسف أن الأحزاب الدينية الحاكمة قد لوثت هذه المناسبة التاريخية، وأعطت ذرائع جديدة للأعداء وكل المغرضين في العالمين العربي والمسلم، رغم أن الحجج لا تعوزهم وهي جاهزة دوما، ولكنهم استغلوا لأقصى حد مسألة quot;الشكلياتquot; على حد تعبير عبد الرحمن الراشد. إننا نرى مغالطات ومحاولات وسائل إعلامهم ودعاياتهم لإظهار صدام شهيدا شجاعا أعدم في كرنفال طائفي متهيج للانتقام. لقد سقط نظام صدام، وراح رمزه وquot;القائد الضرورةquot; لغير رجعة، تلعنه آهات الأمهات والأطفال. إلا أن الأسئلة عما بعد إعدام صدام كثيرة جدا.

يقول كمال غربال في مقاله في إيلاف quot;جبل العروبجية يتصدعquot;: quot;إن ما يبدو حتى الآن في الأفق أن ما نجح رسل الحضارة في إنجازه هو إسقاط الطاغية الأكبر، ليحل محله العديد من الطغاة الصغارquot;، ونقول طغاة معممون، يتحرك بعضهم بتعليمات من إيران. أثبتت التجارب، ومنها تجربة عراق اليوم، أن جميع أحزاب الإسلام السياسي في العراق وخارجه تعادي الديمقراطية، وتستغل المؤسسات والانتخابات للهيمنة وفرض حكم الشريعة على الناس.
كثيرون هم من يندبون الطاغية العراقي ويتباكون عليه لأغراض سياسية. ومصير صدام لا يمكن إلا أن يرعب أمثال القذافي وبشار الأسد، وكذلك أحمدي نجاد رغم إعلان الأخير عن فرحه بما سماه بعدالة الله ، علما بأن مصير صدام سيكون في النهاية درسا له هو الآخر!
والعراق بعد الإعدام: يا ترى إلى أين يسير تحت حكم الإسلاميين والطوائف؟!! وهل من أمل غير أن يأخذ quot;رسل الحضارةquot; الأمور بأيديهم، ويدركوا حقا جسامة أخطاء الماضي لتصحيح المسار العراقي قبل أن يفوت الأوان؟