الأطفال والمجانين واللصوص وقطاع الطرق والخارجون على القانون.. هم فقط الذين يقومون بأعمال غيرمسؤولة. الأطفال لعدم قدرتهم على التمييز ومثلهم المجانين......... أما قطاع الطرق والخارجون على القانون واللصوص فلرغبتهم في تحدي المجتمع الذي ينتمون إليه..... بممارسة سلوكيات مشينة والاستيلاء على ما ليس لهم فيه حق...... وما قام به الانقلابيون في لبنان يوم الثلاثاء الأسود يدخلهم ضمن هذه الفئات.. حيث قاموا بأعمال خطيرة على الوطن والمواطنين لا لشيء سوى لرغبتهم في الاستيلاء على السلطة التي ليس من حقهم ديموقراطيا الاستيلاء عليها لأنهم ليسوا بأكثرية..... إن ما عرضته القنوات الفضائية عما آل إليه الوضع في لبنان في الأيام الماضية يجعل العقلاء يكفرون بالديموقراطية التي تمكن هؤلاء باسمها من الخروج على كل القيم والسلوكيات التي تلزم الإنسان بعدم الاعتداء والاستقواء على الوطن والمواطنين انطلاقاً من الحرية والديمقراطية، فباسمها أخذ نصر الله يتهدد ويتوعد الحكومة..... ويخرج من استأجرهم إلى الشارع فينصبون الخيام ويحتلون قلب بيروت مدة شهرين.... تنفيذاً للأوامر التي تأتيه من البعثيين والصفويين. ومثله ذلك الجنرال البائس الذي عاد من منفاه ( الذي لم يجد فيه من يكاتبه )... حالماً بكرسي الرئاسة،فشق الصف المسيحي غير مدرك أن نصر الله يستعمله ورقة لا يلبث أن يرميها عندما تنتهي حاجته منها..، أما نبيه بري رئيس المجلس النيابي وزعيم ميليشيا أمل فلقد خرق كل ما تعارف عليه السياسيون فلأول مرة في تاريخ الدول يتحالف رئيس المجلس النيابي مع المعارضة.... وليس مع الحكومة... ويقوم بتعطيل المجلس باختطافه واختطاف قراره منحازاً إلى الانقلابيين خوفاً ممن يملون عليه ما يجب عليه فعله...... وقد صرح بما يؤكد موقفه هذا بقوله quot; لقد تعرضت لحملة سياسية قاسية بسبب عدم دعوتي المجلس النيابي إلى الانعقاد لكني هربت بالمجلس إلى بر الأمان حماية له وللحؤول دون انقسامه.... وبعضهم قال إني أعطل المؤسسة التشريعية.... واتهمني البعض الآخر بأنني صادرتها.، إلا أنني كنت مقتنعاً بكل ما قمت به حتى لو اتهمت بأني هربت بالمجلس لمنعه من القيام بدوره quot; كلام يؤكد تواطأه ويطبق عليه مقولة quot; كاد المريب quot;. كما لا ننسى ذلك الرئيس (المتهالك) عمر كرامي الطامع هو الآخر بالعودة إلى رئاسة الحكومة، الذي لم يمنعه كبر سنه من الظهور على شاشات التلفزة مرتجفاً ومتوعداً ومؤذنا بحرق الإطارات وإغلاق المطار.. كما يفعل قاطع الطريق انتقاماً من قوى 14 آذار التي خرجت عليه عندما اغتيل رفيق الحريري وكان حين ذاك رئيساً للحكومة ولكنه لم يحرك ساكناً.
لقد طالب الانقلابيون بادئ الأمر بأن يكون لهم ثلث الوزراء..... ليملكوا بذلك حق الفيتو على الحكومة وتعطيل قراراتها...، ثم طالبوا بحكومة وحدة وطنية في الوقت الذي يتهمون فيه رئيسها بالخيانة.، ثم طالبوا بحكومة يرأسها شخص آخر غير السنيورة، ليحقق لهم ما يريدون فاقترحوا عمر كرامي لأنهم لن يجدوا رئيساً مطواعاً ومتواطئاً ينفذ الأجندة السورية سواه......، ثم طالبوا بانتخابات نيابية مبكرة عبر قانون جديد يؤمن لهم الأكثرية القادرة على شلّ الحياة في لبنان.....، وأخيراً طالبوا بحكومة انتقالية....، ولما يئسوا من تحقيق تلك المطالب التعجيزية التي تصب في مصلحتهم فقط وتقود إلى إلغاء المحكمة الدولية وتمكين سوريا من العودة إلى لبنان من الباب نفسه الذي أخرجت منه، وسيطرة إيران على لبنان ليكون منطلقاً لنفوذها على المنطقة العربية بأسرها قرروا إحراق بيروت.
رفض الانقلابيون انعقاد مجلس النواب..، ورفضوا إخراج غوغائييهم من الشارع الذي احتلوه منذ شهرين.....، كما رفضوا كل المبادرات الداعية إلى التهدئة وإعادة الاستقرار إلى البلد، لكن جماعة الرفض قررت أخيراً إحراق بيروت...... كما أمر نصر الله أتباعه باحتلال الشارع ودفع لكل واحد منهم (حسب مجلة المجلة) 600 دولار شهرياً بمعدل عشرين دولاراً في اليوم للبناني، و300 دولار للجنسيات الأخرى بمعدل عشرة دولارات في اليوم... ! فاعتصم البلطجية والعاطلون والطامعون بسبب إغراءات المال الحلال القادم من إيران للحزب الإلهي فلما طالت أيام الاعتصام وغدا الحمل ثقيلاً وتضخمت فاتورة المعتصمين قرر نصر الله إحراق بيروت.... عندما لم يستطع نصر الله
الإقرار بفشل سياسة التصعيد باحتلال الشارع... لجأ إلى الخيار النيروني فحرق بيروت كما حرق نيرون روما....... ويلجأ الطغاة والمستبدون عادة إلى خيار الحرق عندما يضيق الأفق أمامهم وتنسد السبل في وجوههم وتضيع أحلامهم في السيطرة والتمكن من البلاد والعباد.، فمثلما أحرق صدام بعض آبار البترول في الكويت عندما علم أن قوى التحالف قادمة لإخراجه منها لجأ نصر إبليس وأشياعه من قطاع الطرق إلى إحراق بيروت بواسطة الإطارات والسيارات القديمة، سياسة الحرق تعبر عن النار التي تشتعل في صدورهم بسبب فشل كل ما قاموا به لإسقاط الحكومة، وسياسة الحرق أكدت أن هذه المعارضة ليست سوى معارضة حرائق وتخريب وإفساد.

لقد كان الإضراب قسرياً فُرض على اللبنانيين بالقوة...... عندما يئس الانقلابيون من إضرابهم طواعية ومن تلقاء أنفسهم..، ذلك أنهم فهموا اللعبة التي لم تعد تنطلي على أحد منهم، ولقد أثبت مشهد السيارات والشاحنات التي.. حملت الإطارات والرمال لتلقيها في الشوارع والطرق الرئيسية وإحراق الإطارات التي ملأت سماء بيروت بالدخان الأسود أن تلك المعارضة ليست إلا معارضة شوارع وقطاع طرق.......، حيث حبسوا الناس في بيوتهم ومنعوا العمال من الذهاب إلى ورشهم والتلاميذ إلى مدارسهم والمرضى إلى المستشفيات، وقد استعانوا بما يزيد عن خمسمائة فرد من الاستخبارات السورية الذين حرصوا على تغطية وجوههم حتى لا يكتشفهم اللبنانيون، كان الهدف شل الحياة تماماً في بيروت، وعلى الرغم من كل ذلك التصعيد الإرهابي فقد ظلوا يرددون أن ما قاموا به كان إضراباً سلمياً......، فإذا كان ذلك إضراباً سلمياً فما عسى أن يكون الإضراب غير السلمي ؟ أيكون حرباً أهلية تعيد لبنان إلى العام 1975 ؟... لقد ردد حسن نصر الله مراراً أنه لا يريد إشعال الفتنة في حين أنه أول من هيأ البلد لها..... وأول من أوقد نارها. غير أنه عندما بدأ حريق بيروت..... جاءته الأوامر الإيرانية بعد جهود بذلتها المملكة السعودية مع الجانب الإيراني بإيقاف التصعيد....، وما كان لذلك التحرك أن يتوقف لولا تلك الجهود ؛ لأن الانقلابيينسبق أن قرروا الاستمرار فيه إلى يوم الخميس... لقد أيقن نصر الله أنه لا بد من التراجع عن خيار الفتنة وأنه سيكون أول المتضررين فيما لو استمر فيها، وأنها ستطيح به قبل غيره، فأمر أتباعه بالعودة إلى بيوتهم وإلى ضبط النفس.... متهماً الآخرين بإشعال الفتنة المذهبية وأنهم عصابات تعتمد على الميليشيات المسلحة..، فرمى الآخرين بدائه وانسلّ إلى كهفه الذي يختبئ فيه منذ أن أشعل الحرب في الصيف الماضي... إن كل تحرك له يبدأ بإشارة وينتهي بإشارة يبدأ تحركا ما ثم تأتيه الأوامر بالاستمرار أو بالتوقف.
لقد تساءل أحد المعلقين على الأحداث..... عمن سيعوض الفقراء الذين أحرق فتوات حزب الله والانقلابيين والبلطجية سياراتهم وممتلكاتهم....... أم إن نصرالله سيساومهم كما ساوم متضرري الحرب في الضاحية الجنوبية...... الذين طلب منهم تجيير شيكاتهم التي استلموها من الحكومة اللبنانية لصالح quot; مؤسسة جهاد البناء quot; لكي تتولى إعمار بيوتهم! ولما رفض كثير من الحاضرين ذلك انسحب نصر الله من الاجتماع غاضباً......، كما عرض على أصحاب البيوت في منطقة quot; المربع الأمنيquot; بيع أملاكهم له بثمن بخس ليتولى إعادة إعمارها وتأجيرها لهم لاحقا !

إن ما حدث يوم الثلاثاء الأسود يثير عدة أمور على درجة عالية من الأهمية:

1- إن لبنان نفسه هو المستهدف... بدفعه إلى حرب أهلية عقاباً لكل اللبنانيين الذين تمردوا على الاسترقاق والاستتباع لسوريا وإيران عبر عملائهما في الداخل بل وأصرت فئة كبيرة منهم على السير في طريق المحكمة الدولية لمعاقبة المجرمين والقتلة.

2- اختيار توقيت التصعيد وإشعال الفتنة تزامناً من مؤتمر باريس 3... وذلك لإبلاغ المؤتمرين رسالة تدفعهم إلى عدم تقديم الدعم لبلد يشهد كل هذا الكم من الاضطراب...... فلقد أرادوا إفشال المؤتمر ليدخل لبنان ومعه كل اللبنانيين في نفق مسدود لا خروج منه..... إلا بمعجزة لكنهم دون وعي منهم ساهموا في إنجاحه.

3- إن نصر الله لم يعد يكفيه أن يكون زعيم ميليشيا... لأنه يعلم أن من صنعوه سيأتي عليهم يوم يرمونه فيه ويستغنون عن خدماته كمحرض وعامل فتنة ومثير شغب..... وهاهي سوريا تفاوض إسرائيل وتلقي أمامها أول ورقة من أوراقها وهي ورقة حزب الله....... وكذلك ستفعل إيران في تفاوضها مع أمريكا.. لهذا فلن يرضي غروره وتسلطه إلا أن يكون رأس الدولة اللبنانية ضارباً عرض الحائط بالدستور اللبناني وكل ما اتفق عليه اللبنانيون منذ الاستقلال ليقيم دولة ولاية الفقيه في لبنان.... وعندها لن يتمكن أحد منه ولن يكون ورقة مساومة يلوح بها هذا الفريق أو ذاك لهذا فإنه يظهر في هذه الفتنة زعيما للانقلابيين الصغار.... الذين لا قيمة لهم ولا تأثير لولا احتماؤهم بعباءته.

4- إن ما قام ويقوم به الانقلابيون يثبت أنهم شركاء في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، وإلا فلماذا يستميتون في رفض المحكمة الدولية تلك التي جعلتهم - سواء من كان منهم داخل لبنان أم خارجه - يتلمسون رقابهم... فما الذي يضيرهم من المضي في أمر المحكمة إن كانوا أبرياء من ذلك الدم المسفوح في لبنان، لكن سوريا أعلنت عبر إيران وعبر كافة الوسطاء رفضها للمحكمة الدولية، كما صرح فاروق الشرع بأن quot; معرفة الحقيقة ستخرب لبنان quot; وها قد حلّ الخراب الذي توعد به بشار الرئيس رفيق الحريري !

5- إنه في الوقت الذي تجتمع فيه دول العالم لمساعدة لبنان، تتفانى سوريا وإيران في إحراقه وإشعال حرب أهلية فيه، فأي خزي وعار سيلحق بهاتين الدولتين جراء ما تقترفه أيديهما، ولا ننسى انه في ذات الوقت الذي تقف فيه تلك الدول إلى جانب الحكومة الشرعية لايقف إلى جانب الانقلابيين والبلطجية سوى دولتين خارجتين على الإجماع الدولي وعلى قوانينه !

6- فهم الشعب اللبناني والعالم بأسره أن هؤلاء الانقلابيين يؤسسون لثقافة جديدة في العالم العربي هي خيانة الوطن وبيع ضمائرهم في سوق الطغاة والمستبدين وتجميع الغوغاء والرعاع وشرائهم بالأموال النظيفة والشريفة ليعيثوا فسادا وإفسادا في بلادهم........ لقد استطاع نصر الله من خلال اعتصامه في الشارع وتعطيل الحياة السياسية في لبنان...... quot; تحسين شروط التفاوض بين سوريا وإسرائيل، وتأجيل إجراءات المحكمة الدولية... وإلهاء العالم عن المشروع النووي المدمر الذي يستهدف منطقتنا العربية برمتها خدمة للمشروع الفارسي التوسعي quot;.

7- انحدر هؤلاء الانقلابيون من الادعاء بأنهم زعماء غايتهم الإصلاح.... إلى حقيقة أنهم زعماء ميليشيات يقطعون الطرقات ويشعلون الحرائق وينشرون الرعب ويقمعون الحريات.... لقد خسر أولئك سمعتهم كمواطنين شرفاء فكشفوا عن وجوه ميليشاوية تضعهم في خندق واحد مع إسرائيل لأن هدفهم بات واحدا وهو الإضرار بلبنان والعدوان عليه.

إنه آن الأوان للشعب اللبناني كي يطالب الحكومة بما يلي :
1- تقديم كل الذين ارتكبوا هذه الأحداث ورتبوا لها.... وكبدوا الوطن خسائر تقدر حسب الخبراء بسبعين مليون دولار يوميا إلى المحاكمة كمجرمي حرب وخونة.

2- محاكمة حسن نصر على مغامرته في الصيف الماضي...... تلك التي استغلتها إسرائيل أحسن استغلال لتدمير لبنان وتخريبه.

3- نزع سلاح حزب الله الذي يستخدمه لترهيب اللبنانيين وتهديد السلم الأهلي.

4- الإصرار على عقد جلسة استثنائية لمجلس النواب برئاسة نائب الرئيس... واسترجاع المجلس ممن خطفه أي نبيه بري الذي ما زال مصرا على الانحياز إلى الانقلابيين وقطاع الطرق.
وختاما يدرك الناس في العالم كله أن الأوطان تبنى بحكمة الرجال الشرفاء ووطنيتهم وإخلاصهم، وأنها تقوّض بنزق الصبية والمرتزقة والمغامرين والخائنين وبائعي ضمائرهم... ومشعلي الفتن وموقدي الحروب.