غرابة المشاهد السياسية و العسكرية في العراق و تحولاتها المدهشة تجعل من متابعة ما يدور هناك من الأمور الصعبة في ظل التداخلات الطائفية و التشابكات الدينية و الصراعات القومية، كما تصطدم التطورات المفزعة الجارية مع العديد من الملفات المستقبلية التي تتهيأ لها بعض القوى السياسية و الحزبية في العراق لتكون عنوانا للتحركات المستقبلية القريبة و أهمها تكوين مشاريع الكانتونات الطائفية و القومية تحت عباءة ما يسمى بالفيدرالية و التي أثبتت طريقة التطبيق العراقية بأنها وصفة علاج فاشلة لمرض مستشري، و بعيدا عن تلك المشاريع و الأحلام و لربما الأوهام، فإن التوتر في أوساط النخبة الحاكمة قد وصل لأقصى مدياته، فيروى أنه في أحد الإجتماعات الأخيرة لمجلس الأمن الوطني ( ياعيني على الأمن الوطني )!! إشتكى أحد نواب رئيس الوزراء من تهميش دوره العملي و عدم ثقة رئيس الوزراء به الذي يثق بالنائب الآخر ويكلفه بالعديد من الملفات الحساسة بينما لا يفعل هو شيئا!! فرد عليه النائب المقصود بالقول : ( إن كلامك فيه الكثير من قلة الأدب )!!؟ فما كان من نائب رئيس حكومتنا المحترم إلا أن نزع سترته وهم بالهجوم الساحق الماحق على زميله لولا تدخل أهل الأمن الوطني من الحضور و منع تلك ( الحواسم )!! و الحادثة صحيحة 100% و نمتنع عن ذكر الأسماء الصريحة لأسباب رقابية بحتة و ضمانا لنشر مقالنا، فليس كل ما يقال و يعرف يصلح للنشر!... حادثة التناطح هذه رغم بساطتها إلا أنها فظيعة في دك و نسف مفهوم التضامن الحكومي المفقود و العجز التام عن ملاحقة و متابعة التطورات السريعة الجارية في الساحة العراقية، وفي زمن يعول فيه الكثير على فشل أو نجاح الخطة الأمنية الجديدة ( خطة أمن بغداد) و التي ستكون الفيصل الحاسم في تقرير مصير حكومة المالكي التي تتناوشها الضغوط من كل إتجاه، فمع تصميم القيادة العسكرية الأمريكية على تجفيف المنابع الإيرانية في العراق و التصدي الفاعل لكل الجماعات و الميليشيات و الأفراد الذين يقومون بتنفيذ المشروع الإيراني في العراق و يسوقون لخطط و مؤامرات مخابرات الحرس الثوري الإيراني، فإن الحلقة بدأت تضيق على حلفاء المالكي في تيار مقتدى الصدر خصوصا الذي يعيش حاليا لحظات الأنكفاء و الصمت بل و التراجع التكتيكي الحاد، لأن جيش المهدي بات اليوم هو المستهدف الأول و الأساسي من مفردات الخطة الأمنية لكونه الفصيل الأكبر الذي يمارس العمل الإرهابي في العاصمة دون التخلي عن حرب الجماعات السلفية في غرب العراق و التي أعلنت إمارتها الإسلامية التي بدأت بتطبيق قوانينها الطالبانية المتخلفة التي ضج منها أهل المنطقة، و لكن تبقى تلك الإمارة السلفية بعيدة وعلى تخوم الصحراء الغربية و لا تعمل في منطقة مركزية مثل بغداد التي هرب منها و لأسباب تكتيكية محضة قادة جيش المهدي الذين أتجهوا لإستراحة مؤقتة نحو الحليف الإيراني إنتظارا لمرور العاصفة لأنهم يعلمون بكلفة و حجم التصدي للقوات الأمريكية بعد أن إمتلكوا الخبرة و العظة من المعارك السابقة، ثم أن حليفهم الإنتخابي لا يمكن أن يضمن لهم أي حماية حقيقية من الغضبة الأمريكية العارمة التي يبدو أنها ستضع حدا حقيقيا لكل البلطجة التي تمارسها العصابات الطائفية، و فعلا ما أن فتحت المفاتيح الأولى لصناديق العفاريت التابعة لجيش المهدي حتى هرب قادة ذلك التنظيم العصابي صوب طهران و التي باتت ساعة حسابها مع واشنطن تقترب بشكل لا يمكن أن يفرز إلا عن مأساة إقليمية مروعة فيما لو فرض العنف و التحدي الأهوج منطقه، و قد كان إعتقال أحد أركان جماعة مقتدى الصدر و المدعو الشيخ عبد الهادي الدراجي من قبل القوات الأمريكية البداية الفعلية لفتح ملف الإرهاب الطائفي لجماعة جيش المهدي وحيث يبدو أن الشيخ قد ( غرد ) بمعلومات حساسة ومهمة أدت لإقتحام إحدى قلاع الصدريين وهي وزارة الصحة و إعتقال وكيلها المدعو ( حاكم الزاملي ) وهو شخص تحيط بنشاطاته علامات إستفهام عديدة تتعلق بماضيه في أجهزة النظام البعثي و بنشاطاته و تحركاته الإرهابية و دوره في تصعيد العنف الطائفي في العراق و الذي وصل لدرجة مروعة لم يشهدها العراق في تاريخه و بات التصدي بالتالي للعصابات السنية و الشيعية بمثابة وصفة الإنقاذ الحقيقية من شرور و نتائج الحرب الطائفية المهولة التي لا تهدد العراق فقط بل تؤسس لحالة مزعجة من الإنتشار لدول الجوار الخليجية تحديدا كالكويت و البحرين وحتى المملكة العربية السعودية، و أي خطة أمن لا تضمن نزع سلاح الميليشيات لا فائدة منها لذلك كان ذوبان قادة جيش المهدي وهو ذوبان مخاتل و خطير يتشابه و ذوبان عناصر المخابرات العراقية السابقة في جسم المعارضة المسلحة التي أشعلت نيران العنف الطائفي المريض، فرق الموت و قادتها هم اليوم أمام إختبار تاريخي و حاسم فإما أن تكون هدنة مؤقتة تكتيكية تنتهي بعد إنتهاء قوة زخم الضغط العسكري الأمريكي أو تؤسس لحالة سياسية جديدة في العراق يكون عمادها رؤية سياسية جديدة تضمن رسو السفينة العراقية بأمان وهي مسألة مشكوك فيها في ظل حالة التناحر السياسي وحالة عدم الثقة بين مختلف الفرقاء بالإضافة لمعوقات العملية السياسية التي هي اليوم بحاجة لعملية إنعاش و تحديث حقيقية بعد أن وصل التكلس لأقصى مدياته!!.
المشكلة أن ملف تصفية الحسابات السياسية لأحداث الماضي القريب لم تزل متفاعلة بشكل حاد و لعل أخطر الألغام ينمثل في كون الملفات المفتوحة ستعيد خلط الأوراق، وهنا تبرز قضية وفيق السامرائي المستشار الأمني لرئيس الجمهورية و علاقته بقضية الأنفال و التي لجأ مركز ( حلبجة ) لحقوق الإنسان لرفع دعوى قضائية ضد السيد السامرائي بإعتبار أن إسمه قد ورد في شهادات الفياديين العسكريين العراقيين الذين يحاكمون اليوم في قضية إبادة الأكراد الجماعية في ( الأنفال )! و السامرائي كما هو معروف كان قبل إنشقاقه و هروبه من العراق مديرا للإستخبارات العسكرية!! و هذه القضية تظل مفتوحة على أكثر من خيار بل أنها تؤسس لمشاكل كثيرة قادمة في الطريق... اليوم كل شيء في العراق يتناطح و بشدة... فهل سينتهي التناطح بفرج بعد الشدة ؟... الله أعلم.... و تناطحوا يا أولي الألباب!.
التعليقات