شكلّ الحدث الموريتاني الأخير المتمثّل في الإنتخابات الرئاسية الموريتانية تطورا كبيرا في المسار السياسي الموريتاني الذي عرف و منذ إستقلال موريتانيا الكثير من التقلبات و التداعيات..و العسكر الذين كانوا أهمّ لاعب سياسي في موريتانيا و أكثر المؤثرّين و المسيّرين للحركة السياسية الموريتانية قررّوا أخيرا الإنسحاب من الحلبة السياسية و تسليم مقاليد الأمور للمدنيين و أكتفوا بالمهام الموكولة لهم دستوريا وهي الحفاظ على الوحدة الترابية الموريتانية و الدفاع عن التراب الموريتاني.

و التطور البالغ الأهمية في المشهد السياسي الموريتاني هو حدوث الطلاق بين العسكريتاريا و السياسة حيث تزاوجت الأولى بالثانية على إمتداد أربعة عقود تقريبا منتجة معادلة قوامها الجيش هو النظام السياسي و النظام السياسي هو الجيش، و لم يأت الطلاق بين العسكريتاريا الموريتانية و السياسة من فراغ فلولا جيل الضبّاط الموريتانيين الجدد الذين تجاوزوا منطق الديكتاتورية لما أمكن حدوث مثل هذا التحول في واقع سياسي أدمن حكم العسكر.

وللإشارة فإنّ رئيس المجلس العسكري الموريتاني علي محمد ولد فال الذي ولد سنة 1952 درس قبل إلتحاقه بالكليّة العسكرية القانون والحقوق و يعتبر من النخبة العسكرية و الأمنية في موريتانيا.و قد كان للنخبة العسكرية الشابة دور كبير في إحداث القطيعة مع الأساليب الماضية و إعادة البناء في موريتانيا وفق أساليب جديدة ورؤى جديدة باتت مشاعا في المسرح السياسي الدولي.


من جهة أخرى فإنّ الطبقة السياسية الموريتانية وبكل تفاصيلها ناضلت و إستماتت في المطالبة بالحرية و كانت على الدوام ومنذ جثمت العسكريتاريا على صدر موريتانيا تطالب بأحقية الإنسان الموريتاني في صناعة سياسته ونهضته، و قد أفضى التكامل بين ذينكم القيادة العسكرية الشابة المؤمنة بحق الشعوب في أن تختار حكامها و حركة الشارع الموريتاني إلى إنتاج معادلة النجاح الديموقراطي في موريتانيا..
فموريتانيا لم تكن في يوم من الإيام صغيرة في التاريخ والجغرافيا و الدور كما يذهب إلى ذلك الصحفي المصري محمد حسنين هيكل بل كانت على الدوام ذات تاريخ متألق، و يبدو أنّ هيكل الذي يكررّ رؤاه التي أنتجها في الأربعينيات من هذا القرن لم يقرأ تاريخ شنقيط و الأدوار التاريخية التي إضطلعت بها موريتانيا، كما أنّ موريتانيا كبيرة بموقعها الجيوسياسي الذي يجعلها زاوية ربط إستراتيجية بين الكثير من العواصم و المحيطات والبحار...

وسوف يسجلّ التاريخ الموريتاني المعاصر نقطة بيضاء ومشرفة في سجلّ العقيد أعلي ولد فال الذي إستلم السلطة عن طريق إنقلاب عسكري على نظام معاوية ولد طايع بتاريخ آب ndash; أغسطس 2005 و ها هو يعيد السلطة إلى المدنيين بعد سنتين فقط من الحكم العسكري..
و الرئيس الجديد لموريتانيا هو من المعتقلين السياسيين في العهود الماضية، و ساهم عبر نضال سياسي طويل في تكريس حقوق الموريتانيين، و يعتبر الفائز في الإنتخابات الرئاسية الموريتانية سيدي ولد شيخ عبد الله 69 عاما واحدا من الوجوه السياسية البارزة في موريتانيا وقد وعد بإطلاق عهد جديد في موريتانيا يعيد للإنسان الموريتاني كرامته و حقوقه الدستورية في التعددية السياسية و الإعلامية.
ومن المتوقّع أن يؤدّي الرئيس الجديد اليمين الدستورية بتاريخ 19 نيسان ndash; أبريل 2007 وسوف يضع بذلك حداّ لأطول حقبة تاريخية من حكم العسكر في موريتانيا...

و إذا كان الشارع الموريتاني هو المنتصر الأولّ والأخير من هذا الإنتقال النوعي والفريد من نوعه في العالم العربي بإتجاه الديموقراطية، فإنّ العسكر بدورهم سيسجّل لهم التاريخ أنّهم وصلوا إلى السلطة عن طريق الإنقلاب و تخلوا عنها بفضل صناديق الإقتراع و هو ما يشكل الكثير من الحرج لنظم العسكريتاريا السائدة هنا وهناك...
وكان الرئيس الموريتاني الجديد قد تألق في المناظرة التلفزيونية التي جمعته بمنافسه ولد داده، و حصر إهتماماته المستقبلية في حال إنتصاره في الإنتخابات الرئاسية في تعزيز الوحدة الوطنية و إقامة دولة العدل و القانون و إقامة دولة عادلة لا مكان فيها للفقر وغير ذلك من المواضيع التي تشغل بال المواطن الموريتاني...
وموريتانيا التي قال عنها البعض أنها بدون تاريخ ولا جغرافيا ها هي تعطي درسا لكل العرب الذين ملكوا التاريخ و الجغرافيا ولم يفعلوا شيئا !!!