فنتازيا عربية

بعد انتهاء مؤتمر مكة الذي جمع زعماء فلسطين تحت قبة الحرم الشريف، كتبت مقالاَ صدر على صفحات هذه الصحيفة وصحف أخرى. كان المقال بعنوان (أتمنى أن يخذلنا الفلسطينيون هذه المرة). والخذلان الذي عنيته هو أن يخرجونا مما تعودناه من تهريج باسم القضية الفلسطينية حتى صار هو زادنا الذي نتعيش عليه وننتظره بفارغ الصبر. ذلك ان القضية الفلسطينية صارت سوقاً لكل من أراد ان يتكسب ويبني مجداً على حساب الأشلاء، أو لكل معتوه يحمل أفكارا خيالية لا يمكن إنزالها على الواقع. فقد تعودنا ان تكون القضية الشماعة التي نعلق عليها كل فشل، ونرتكب باسمها كل الحماقات والأخطاء، ونبرر بها كل المثالب والترهات، بل ان مرتكبي الجرائم الكبرى قي حق الشعوب لا تتم محاسبتهم لأنهم يتدثرون بالقضية الفلسطينية ويعللون جرائمهم بها ويسمونها كفاحاً ضد إسرائيل. ومن الممارسات التي سادت في السابق يتضح ان الكثيرين، ومن بينهم قادة فلسطينيون، لا يريدون حل لأنهم يتضررون من ذلك الحل ويتكسبون من وجود القضية مشعللة. لكل ذلك تمنيت ان يخذلنا الفلسطينيون ويأخذون الموضوع بجدية بعيداً عن تهريجنا باسم القضية. ولكن هل فعلوا ذلك ؟ كلا وألف كلا. فقد رجعوا بعد المؤتمر وكأنهم لم يذهبوا إليه. تعثر تشكيل حكومة الوطنية وعندما اكتمل التشكيل لم تقدم أي جديد، وما هي إلا أيام وعاد رفع السلاح وعدنا إلى الاسطوانة المشروخة والمحفوظة وهي:
اجتمع اليوم ممثلو فتح وحماس لمناقشة الأوضاع المتدهورة في غزة وقد تمخض الاجتماع عن القرارات التالية:
1.وقف إطلاق النار وإنهاء كل المظاهر المسلحة وسحب المسلحين من الشوارع.
2.إطلاق صراح المخطوفين من الجانبين.
3.تحويل المتهمين في هذه الأحداث المؤسفة إلى العدالة واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
4.وأخيرا اتفقت الحركتان على تطفيق هذا الإطباق.. آسف، تطبيق هذا الاتفاق ابتداء من صباح الغد.
ليس مهماً اليوم الذي عُقد فيه الاتفاق ولا تاريخه، إذ ان البيان الذي صدر عنه صار بياناً دائماً يتكرر كل عدة أيام وبنفس الشكل والكلمات والبنود، ولا يفصل بين البيان والبيان إلا الأحداث المؤسفة التي تقع بينهما. فقبل ان يجف حبر البيان يكون القتال قد اندلع والاختطاف قد اشتعل وتهديدات الملثمين قد ملأت الشاشات، وتبادل الاتهامات قد ملأ الفضاء، وكل طرف يتهم الآخر ويصمه بخدمة أهداف العدو، وهي التميمة التي تستخدم للهروب من مواجه المسئولية، ولا احد يتحدث عن خدمة أهداف الشعب الفلسطيني الغلبان والمغلوب على أمره. فهل سمعتم بعد كل البيانات السابقة ان مجرماً قد تمت محاسبته أو حتى مسائلته دعك عن معاقبته.
النتيجة هي ان هؤلاء القادة لم يخذلونا وتركونا على ما كنا فيه بل وازداد ضراوة. ويبدو ان هؤلاء القادة اما انهم خائفون من مواجهة الواقع، أو موافقين عليه ومبسوطين على كدة، أو ليس لهم سيطرة على جماعاتهم المسلحة.


(كاتب سوداني)