على شاشةٍ إخباريّة وأخرى تغيب صورة quot;غزّة quot; ثمّ تحضر بشراسة، وليس أمام المُشاهد إلا أن يتابع بفمٍ مغلق، وعينٍ شبْه مفتوحة يُلقّنُ بها ما تُريدُ له quot; حركة حماس quot; أن يُلقّنَ من تفاصيل المشهد quot;الغزاوي quot; الموزّع على شكل آلامٍ ومرضى وجوع وأوجاعٍ وفجائعَ إنسانيةٍ وحصارٍ ونقص وحرمان بوسعه أن يؤرّق حتى جفون الموتى.
ولا شكّ في أنّ حماس كانت ذات شعبية كبيرة واهتمام واحترام لدى الرأي العام على مختلف الأصعدة، وكان ذلك يبدو جليّا للعيان على أنّ حماس صاحبةُ حقّ، وصاحبةُ قضيّة، وصاحبةُ مشروعٍ نضاليٍّ لا يُمكن لأحدٍ الطعن بمصداقيته وخاصّة زمن الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي لم يعقه عن النضال عند الحاجة، والاعتدال السياسي عند الضرورة لا قضبان المعتقل ولا الأسر داخل الكرسي المدولب، إلى أن كان انخراط قيادي حركة حماس في غمار العمل السياسي الذي أودى بهم إلى أروقة السلطة الفلسطينية المشوّشة باستمرار والتي ازدادت تشويشا متعاقبا على امتداد المراحل والمواجهات الفلسطينية المجانية المتفاقمة التي لم ترضي في واقع الحال سوى المستثمر الإسرائيلي لفواتير الدم الباهظة التي لا تُسدد إلا على حساب الشريان الفلسطيني دائما.
ويبدو أن تداخل سلطة حماس المعزولة، بالسياسة المتشنجة والمغلقة على الدوام، ناهيك عن افتعال المشاكل المزرية مع إسرائيل خرقاً للهدنة بين اتفاق تهدئة وآخر، كل ذلك نجم عنه بلبلة مؤذية للضمير العربي الموهن منذ نصف قرن ويزيد، ومخزية لطبيعة الانتماء الآخذ في الاضمحلال والتفكك والشرذمة، ليظل رجال حماس ضاربين عرض الحائط كلّ الانتقادات التي توجّه لهم عربيا ودوليا وفلسطينيا وإسرائيليا أيضا.
ولعلّ إدمان نكهة الوجاهة والسلطة والقبض على مفاتيح الاقتصاد على هزاله، المتمثّلة في الإمدادات المتقطّعة بين تهدئة وأخرى في غزّة، أتاحت لرجال حماس المغالاة في المواقف، والمبالغة في توتير الأجواء، وخاصّة أنّ الخلاف يأخذ شكله التصعيدي مرحلة طلسمية تلو مرحلة أكثر إبهاما، وتصعيدا quot;بوهيميا quot; غير مدروسٍ وغير واعٍ أسفر عن مواجهات متكررة بينه وبين السلطة الفلسطينية المتمثلة بفتح، وعن قصف عشوائي للداخل الإسرائيلي يترتب عليه أضعاف أضعاف الردود والأفعال والمواقف والتحذيرات والعواقب والصفعات التي يتلقاها الأطفال قبل الكبار، والمرضى قبل الأصحاء، والمؤيدين قبل المعارضين لحماس، حتى صار الغزّاويون برمّتهم مشروع قرابين لحركة حماس لا سواها، وليتهم يوفون بالغرض، وتتمّ التسوية حتى وإن كانت على جثثهم ودمائهم وشقائهم الذي لا يحدّ ولا ينتهي، وكأنّ الأزمة في غزّة مكتوب لها quot;حماسويا quot; أن تظلّ قائمة ومستمرّة ومتجدّدة لاستكمال رصيد الشهداء والمعتقلين والعاجزين والمشردين والساخطين والناقمين والحاقدين والوارثين للصراع الأبدي الذي اشتُقّ من خبرة ودراية وتصميم عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي حتى يتعزز بالصراع الفلسطيني- الفلسطيني!
وليست هذه أولى إشارات التعجّب التي تتموضع عفوا عبر السياق، بل لطالما كان العجب مواكبا لأحوال الصراع العربي- الإسرائيلي، وذلك بتوفير مناخات خصبة لتكاثر علامات الاستفهام والتعجّب والجدل الصامت أو البيزنطي في أحسن الأحوال، على شكل مهاترات إعلامية مفتوحة، أو مناورات quot;شوارعية quot; مذمومة، أو مؤتمرات خطابية مترفة تحصل في بلدان طامعة بالضوء حتى وإن كان على حساب العتمة الدامسة التي يَغرق فيها المستقبل الفلسطيني. لتظلّ شعلة التفاؤل مجرّد فلاشات خاطفة تكرّسها عدسات الصحافة وأضواء الفضائيات. وتظلّ بالمقابل الخلافات الفلسطينية، الشروخ الداخلية، الممارسات التعسفية، كلّ ذلك جملة واقعية ممنوعة من الصرف على طاولة العلاج الفعلي والحلّ الجذري.
في حديث عابر جمعني مع أحد الوافدين حديثا من زيارة ميدانية إلى غزّة المحاصرة وهو مثقّف مصري ومدير مسؤول لإحدى المؤسسات المختصّة في الدراسات الإستراتيجيّة، وأتحفّظ عامدة عن ذكر الاسم، خشية أن أكون سببا في أي إحراج أو أي ضرر قد يلحق به، وقد حدّثني عن جولة موسّعة قام بها بين مفاصل quot;غزّة quot; المدينة المشلولة بالحصار الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء، وكان الهدف من زيارته أن يكوّن خلاصة معينة تكون نواة لدراسة إستراتيجية موسّعة، مفادها أنّ الوضع في غزّة مأساوي للغاية، وخلص يقينا أنّ حماس quot;حريصةquot; على استمرار تصدير المشهد المأساوي المرسوم لسكان غزّة حرصا قسريا، يُمكن اللجوء للعنف إن لزم الأمر، قاطعته مباغتة: تقصد العنف مع الجانب الإسرائيلي، أجاب على الفور: بالعكس، البعض يغمغم في قرارته إسرائيل أكثر وضوحا في الوقف، وأحيانا أكثر ليونة في التداول، سألت بدهشة عارمة كيف: قال مثلا: الخارج عن إرادة حماس بعدم موافقتها على سياستها مثلا هو قيد التصفية الجسدية عن أقرب حاجز تنصبه حماس، بينما بوسعه أن يتخطّى الحاجز الإسرائيلي وجلاّ ما بوسعها اعتقاله في حال كان سببا في حال تسبب الشغب وما إليه. قلت: لكن الانتخابات أسفرت عن شعبية واسعة لحماس. قال: للأسف هذه الشعبية التي تتحدثين عنها تشكّلت تحت وطأة الترهيب والترغيب والتهديد والضغوط إذ أنّ معظمها واقع تحت سيطرة مباشرة من قِبَل حماس ونطاق خياراته محدود جدا، فليس أمامه إلا أن يكون مع حماس فيسلم، أو أن يكون ضد نفسه في حال قرر مغالطة حماس، أو معارضتها.
أجبته: لكن من الواضح أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة خير دليل على تأييد حماس. أجاب: عندما صمد شعب الجنوب في حرب quot;حزب الله quot; مع إسرائيل عام 2006، هل كان صمودا اختياريا أم انتحاريا؟. قاطعته: كيف، أجاب: من صمد مات تحت القصف، ومن نجا، كان بفضل الهروب إلى المناطق اللبنانية التي أثبتت معنى التضامن، أو إلى الدول المجاورة التي حصدت ثمار الجولة. فالبطولة لم تحمي المنشآت ولم تحفظ البيوت والذكريات فيها.
هذه هي السياسة، لعبة الوقت المُستقطع في ظلّ غياب كَتَبةُ التاريخ، أو ربّما في ظلّ غياب التاريخ نفسه، بعدما سئم التكرار والإعادة، وغباء الشعوب وغيبوبتهم المزمنة.
ولا شكّ في أنّ حماس كانت ذات شعبية كبيرة واهتمام واحترام لدى الرأي العام على مختلف الأصعدة، وكان ذلك يبدو جليّا للعيان على أنّ حماس صاحبةُ حقّ، وصاحبةُ قضيّة، وصاحبةُ مشروعٍ نضاليٍّ لا يُمكن لأحدٍ الطعن بمصداقيته وخاصّة زمن الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي لم يعقه عن النضال عند الحاجة، والاعتدال السياسي عند الضرورة لا قضبان المعتقل ولا الأسر داخل الكرسي المدولب، إلى أن كان انخراط قيادي حركة حماس في غمار العمل السياسي الذي أودى بهم إلى أروقة السلطة الفلسطينية المشوّشة باستمرار والتي ازدادت تشويشا متعاقبا على امتداد المراحل والمواجهات الفلسطينية المجانية المتفاقمة التي لم ترضي في واقع الحال سوى المستثمر الإسرائيلي لفواتير الدم الباهظة التي لا تُسدد إلا على حساب الشريان الفلسطيني دائما.
ويبدو أن تداخل سلطة حماس المعزولة، بالسياسة المتشنجة والمغلقة على الدوام، ناهيك عن افتعال المشاكل المزرية مع إسرائيل خرقاً للهدنة بين اتفاق تهدئة وآخر، كل ذلك نجم عنه بلبلة مؤذية للضمير العربي الموهن منذ نصف قرن ويزيد، ومخزية لطبيعة الانتماء الآخذ في الاضمحلال والتفكك والشرذمة، ليظل رجال حماس ضاربين عرض الحائط كلّ الانتقادات التي توجّه لهم عربيا ودوليا وفلسطينيا وإسرائيليا أيضا.
ولعلّ إدمان نكهة الوجاهة والسلطة والقبض على مفاتيح الاقتصاد على هزاله، المتمثّلة في الإمدادات المتقطّعة بين تهدئة وأخرى في غزّة، أتاحت لرجال حماس المغالاة في المواقف، والمبالغة في توتير الأجواء، وخاصّة أنّ الخلاف يأخذ شكله التصعيدي مرحلة طلسمية تلو مرحلة أكثر إبهاما، وتصعيدا quot;بوهيميا quot; غير مدروسٍ وغير واعٍ أسفر عن مواجهات متكررة بينه وبين السلطة الفلسطينية المتمثلة بفتح، وعن قصف عشوائي للداخل الإسرائيلي يترتب عليه أضعاف أضعاف الردود والأفعال والمواقف والتحذيرات والعواقب والصفعات التي يتلقاها الأطفال قبل الكبار، والمرضى قبل الأصحاء، والمؤيدين قبل المعارضين لحماس، حتى صار الغزّاويون برمّتهم مشروع قرابين لحركة حماس لا سواها، وليتهم يوفون بالغرض، وتتمّ التسوية حتى وإن كانت على جثثهم ودمائهم وشقائهم الذي لا يحدّ ولا ينتهي، وكأنّ الأزمة في غزّة مكتوب لها quot;حماسويا quot; أن تظلّ قائمة ومستمرّة ومتجدّدة لاستكمال رصيد الشهداء والمعتقلين والعاجزين والمشردين والساخطين والناقمين والحاقدين والوارثين للصراع الأبدي الذي اشتُقّ من خبرة ودراية وتصميم عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي حتى يتعزز بالصراع الفلسطيني- الفلسطيني!
وليست هذه أولى إشارات التعجّب التي تتموضع عفوا عبر السياق، بل لطالما كان العجب مواكبا لأحوال الصراع العربي- الإسرائيلي، وذلك بتوفير مناخات خصبة لتكاثر علامات الاستفهام والتعجّب والجدل الصامت أو البيزنطي في أحسن الأحوال، على شكل مهاترات إعلامية مفتوحة، أو مناورات quot;شوارعية quot; مذمومة، أو مؤتمرات خطابية مترفة تحصل في بلدان طامعة بالضوء حتى وإن كان على حساب العتمة الدامسة التي يَغرق فيها المستقبل الفلسطيني. لتظلّ شعلة التفاؤل مجرّد فلاشات خاطفة تكرّسها عدسات الصحافة وأضواء الفضائيات. وتظلّ بالمقابل الخلافات الفلسطينية، الشروخ الداخلية، الممارسات التعسفية، كلّ ذلك جملة واقعية ممنوعة من الصرف على طاولة العلاج الفعلي والحلّ الجذري.
في حديث عابر جمعني مع أحد الوافدين حديثا من زيارة ميدانية إلى غزّة المحاصرة وهو مثقّف مصري ومدير مسؤول لإحدى المؤسسات المختصّة في الدراسات الإستراتيجيّة، وأتحفّظ عامدة عن ذكر الاسم، خشية أن أكون سببا في أي إحراج أو أي ضرر قد يلحق به، وقد حدّثني عن جولة موسّعة قام بها بين مفاصل quot;غزّة quot; المدينة المشلولة بالحصار الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء، وكان الهدف من زيارته أن يكوّن خلاصة معينة تكون نواة لدراسة إستراتيجية موسّعة، مفادها أنّ الوضع في غزّة مأساوي للغاية، وخلص يقينا أنّ حماس quot;حريصةquot; على استمرار تصدير المشهد المأساوي المرسوم لسكان غزّة حرصا قسريا، يُمكن اللجوء للعنف إن لزم الأمر، قاطعته مباغتة: تقصد العنف مع الجانب الإسرائيلي، أجاب على الفور: بالعكس، البعض يغمغم في قرارته إسرائيل أكثر وضوحا في الوقف، وأحيانا أكثر ليونة في التداول، سألت بدهشة عارمة كيف: قال مثلا: الخارج عن إرادة حماس بعدم موافقتها على سياستها مثلا هو قيد التصفية الجسدية عن أقرب حاجز تنصبه حماس، بينما بوسعه أن يتخطّى الحاجز الإسرائيلي وجلاّ ما بوسعها اعتقاله في حال كان سببا في حال تسبب الشغب وما إليه. قلت: لكن الانتخابات أسفرت عن شعبية واسعة لحماس. قال: للأسف هذه الشعبية التي تتحدثين عنها تشكّلت تحت وطأة الترهيب والترغيب والتهديد والضغوط إذ أنّ معظمها واقع تحت سيطرة مباشرة من قِبَل حماس ونطاق خياراته محدود جدا، فليس أمامه إلا أن يكون مع حماس فيسلم، أو أن يكون ضد نفسه في حال قرر مغالطة حماس، أو معارضتها.
أجبته: لكن من الواضح أن صمود الشعب الفلسطيني في غزة خير دليل على تأييد حماس. أجاب: عندما صمد شعب الجنوب في حرب quot;حزب الله quot; مع إسرائيل عام 2006، هل كان صمودا اختياريا أم انتحاريا؟. قاطعته: كيف، أجاب: من صمد مات تحت القصف، ومن نجا، كان بفضل الهروب إلى المناطق اللبنانية التي أثبتت معنى التضامن، أو إلى الدول المجاورة التي حصدت ثمار الجولة. فالبطولة لم تحمي المنشآت ولم تحفظ البيوت والذكريات فيها.
هذه هي السياسة، لعبة الوقت المُستقطع في ظلّ غياب كَتَبةُ التاريخ، أو ربّما في ظلّ غياب التاريخ نفسه، بعدما سئم التكرار والإعادة، وغباء الشعوب وغيبوبتهم المزمنة.
التعليقات