الأجمل في الحب وكما نزعم أو كما نظنّ، تلك النظرة الأولى وكأنها تختصر مجراتٍ وأفلاكٍ برمّتها.
الأجمل في الحب وكما نؤكد أو نهذي، تلك الهمسة الأولى المفعمة بمعانٍ لا تُحصى تتقدّم بمشاعر واثقةٍ، لتختطف القبلة القابلة للتجديد بذات التوق وذات التناغم، لتترك مختلسها غارقا في ضوضاء الخمر وصخب النشوة، التي لا بدّ من أفولٍ لتفاقمها مهما احتدمت الأنفاس، وإخمادٍ لدويّها المتواصل تحت جلودنا، وإن لحينٍ بالكاد يُذكر.
كلّ البدايات إذن هي حقّا آسرة،
اعتبارا من حذاءٍ ننتعل بريقه بجدارة،
عتبة نلج أناقتها بحفاوة وحذر،
صديق نصافح احتمالاته المضمرة بسذاجة،
وردة نمزّق صمتها بجبروت،
طريق تتولى زمام خطوتنا بدهاء،
مقهىً نقصد حميميّةً منسيّةً فيه.. بهمّةٍ عالية،
ثوب يرتدينا بانبهار وسطوة،
كأس نتلعثم بدهائها بفائق الغباء،
تائه يتصيّد لهفتنا بمكر شديد،
مترف يبتزّ بساطتنا بلؤم،
فقيه يستدرج رهافتنا بخبث،
مناضل يستكمل دورهُ المُبيّت بحذاقة موجعة،
خنجر نرتجي طعنته دون تردد،
وانتحار نقايضه وجودنا بكامل الاكتراث.
الأجمل في الحب وكما نؤكد أو نهذي، تلك الهمسة الأولى المفعمة بمعانٍ لا تُحصى تتقدّم بمشاعر واثقةٍ، لتختطف القبلة القابلة للتجديد بذات التوق وذات التناغم، لتترك مختلسها غارقا في ضوضاء الخمر وصخب النشوة، التي لا بدّ من أفولٍ لتفاقمها مهما احتدمت الأنفاس، وإخمادٍ لدويّها المتواصل تحت جلودنا، وإن لحينٍ بالكاد يُذكر.
كلّ البدايات إذن هي حقّا آسرة،
اعتبارا من حذاءٍ ننتعل بريقه بجدارة،
عتبة نلج أناقتها بحفاوة وحذر،
صديق نصافح احتمالاته المضمرة بسذاجة،
وردة نمزّق صمتها بجبروت،
طريق تتولى زمام خطوتنا بدهاء،
مقهىً نقصد حميميّةً منسيّةً فيه.. بهمّةٍ عالية،
ثوب يرتدينا بانبهار وسطوة،
كأس نتلعثم بدهائها بفائق الغباء،
تائه يتصيّد لهفتنا بمكر شديد،
مترف يبتزّ بساطتنا بلؤم،
فقيه يستدرج رهافتنا بخبث،
مناضل يستكمل دورهُ المُبيّت بحذاقة موجعة،
خنجر نرتجي طعنته دون تردد،
وانتحار نقايضه وجودنا بكامل الاكتراث.
تلك هي ملامح البدايات حين تستوقفنا عند حدود quot;وهلتها quot; العابرة، لقليل من الوقت قد يستمر أحيانا لمديد من الزمن يواكبنا إلى حدّ التلازم كشامة على الخدّ يظهر حُسنها الضدّ، أو quot;التأزيم quot; كما العاهات أو الأمراض العضال.
هكذا تقتحمنا البدايات دون إعلان مُسبق ودون استئذان، تمخر عباب انتباهنا بتواطؤ فادح منّا، نتورّط فيه بوعي أو بغير إدراك، نضاعف وقعه بكل ما أوتينا من الشغف، سعيا لتكريسه بمبالاة استثنائيّة ومماطلة مغايرة تُؤكدها شهقة مباغتة سرعان ما نصحو منها على خيبة فادحة أو حقيقة ما قد يكون.
لهذا تعوّدتُ أن أتحايل على تثبيت البدايات بتجميد الوهلة وربما تمجيدها، بحِصارها، بمصادرتها، بالقبض على لغزها، باسترجاعها الآني، بارتكازاتها الحيّة، بتقاطعاتها التفصيليّة، بحيثياتها، بظواهرها، بمخفياتها، بكل ما يمتّ بصلة إلى استحداثها اللحظي، وموثّقاتها الذهنية.
هكذا تتحوّل البدايات من مجرد حالة قابلة للمضي أو الزوال، إلى محض فكرة تعمّق جذورها في أروقة الكيان سرعان ما تصبح المتنٍ الذي نقف عليه، ونركن إليه، ونتشبّث به، ونتماهى معه، وننخرط فيه، أو المتن الذي يهدد رؤانا بالانهيار ونحن نراوح بلا هوادة بين اللمعة تارة والكبوة أخرى، محاصرين دائما داخل دوامة أقفلت علينا باب السعادة بحنو، أو أغلقت عنّا باب النجاة بصفاقة.
وكيف لنا أن نجزم لتلك البدايات على أنها النعمة التي نرجو أو النقمة التي نهاب؟.. ونحن مأخوذين بقوة الانجذاب الطوعي وربما القسري ومن يجزم؟.
حتى الحروب لا نسلم من الانشداه ببداياتها، والاندهاش لبداياتها بخدر طافح شبيه بذات الأثر الذي يشيعه الحبّ فينا، مع اختلاف المفارقات والتباينات والحيثيات والتفاصيل، نحتاج وقتها لصحو شبيه تماما بصحوة ما بعد الحب لنتفقد الآثار والنتائج ومقادير الخراب هنا أو الزهو هناك، حتى الكوارث ترغمنا على الدخول في متاهة اللحظة الأولى لنتفقد ما بعدها، كل اللحظات الأولى واحدة على تفاوت ألوانها بيضاء كانت أم سوداء، تكاد تسطو على أحاسيسنا بنفس الدقّة لتستلّ منا نفس الذهول كسيفٍ خالد.
البدايات وحدها هي أقرب السبل، لولوج عالم الاحتمالات المفتوح على الأحجية بدلالة متّصلة أو مستترة، يستهوينا اقترافها للخوض في المجهول وما ينطوي عليه، غير آبهين بمخلفات الوقائع على الإطلاق، محرّضنا في ذلك كله حبّ المجازفة التي لا يرتقيها سوى الفرسان.
فكتابة النص على اختلاف أجناسه ومناسباته هي شكل من أشكال البدايات الناهضة من فكرةٍ مجردة، تحتاج إلى بناءٍ درامي تصعيديّ تفصيليّ متين، ولا يمكن أن تُستكمل متانة النص على امتداد السياق إذا ما تجاوزنا فكرة البداية ودخلنا مرحلة السرد الروتيني الذي يفصد عنه ويفسد فيه شغف الفكرة وشغب المحاولة، بكل ما تتطلبه من جرأة على إشاعة البلبلة والقلق الخلاق تحت طائلة التركيز والشفافية القاتلة.
هي ذات الحالة وربما أكثر ضراوةً، عندما نتلقف كتابا نادرا أو كائنا أندر على حدّ سواء، نقتحمه كفضاء آخر، ونفسح له اجتياحنا برغبة طارئة أو احتفاء عظيم، نتعرّف دواخله بفضول عارم، نتيح له أن يتغلغل في خلايانا، ليستبدّ بنا كما نستبدّ به بذات القدر، نتسلل بخطى وئيدة ومتبادلة خلف عتبات الروح لنفتح في جدرانها الكتيمة، ما تيسّر لنا وما استعصى علينا فيه من quot;المسام quot;، لنقتفِ أثر الجلي منها أو الظلامي فيها، بغطرسةٍ فائقةٍ تميّزنا أو عناية خجول، ودرءاً لتلاشي الحالة أو انطفاء الهاجس لدينا، نتفنن دائما بإيقاظ النبض واستنهاض السريرة، بتعزيز لولبيّة الدورة الدموية بكلمة طائشة أو تعبير فائض عن اللهفة، بدفق هائج كبحر، ومعانٍ هائلةٍ كسحاب، تُواصِل هديرها فينا كشلالات quot;نياغارا quot;.
كل ذلك رهنٌ لقدرتنا الخصيبة على توليد الأحاسيس وإن أحيانا من رحمِ حالةٍ مختومةٍ بالعقم، ونحن نلاقحها بنطفةٍ سريةٍ من صلب المشيئة، نلاحق غليانها برعونة هائلة، نعالج فتورها بدمنا اللاهب قبل أن تؤول إلى الصقيع ككل الحكايات البالية.
وحدنا الكائنات التي تملك حصريّة تسيير دمها وقيادته وإن على دروب الجليد بفوقيّةِ أجنحةٍ خفيةٍ لا تعرف البساطة أو الغرور.
أجنحة لا يدركها ولا يرتقيها من لا يُحسن التحليق.
يا لفرط الثقة التي نعانيها.
ويا لوهمنا الكبير الذي نبرر فيه متعة أن نفلسف البدايات مهما أعقبتها من خواتيم.
وأن نمارس لذة مماحكتها باستطرادٍ وتداعيات.....
هكذا توّلد هذا السرد الضاري بيني وبين صديقتي quot;حسانه ..ق. quot;، وقد تركتْ وراءها العام الماضي كلّ شيء في بيروت، سنواتها وذاكرتها وأصدقائها ومشاغلها ومواعيدها وخطواتها وغصّتنا المشتركة لما كان لدينا من ألفة في الحوارات الهادفة باستمرار، فقد آثرت حسانه وبدون تردد مدينة النفط الواعدة quot;قطر quot; قِبلة العاطلين عن الفوضى، والراغبين في التفاؤل لما هو آت.
عطلتها السنوية كانت أقل من ومضة لم اشهد لها بريقا يُذكر سوى حضورها الرصين وحديثها الخلاق كالعادة، الذي أرغمني على ما تكبّدته أعلاه من تنقيب، عندما سألتني بإلحاح ماذا تجدين في بيروت؟
ضاعت مني كل المفاتيح ولم أجد سوى العديد من الأقفال تنتصب بشراسة في حدقتي، أتفرّس في أنحاء السؤال، وأصمت..، ماذا أجد في بيروت؟.
أجد شغفي، بطلاقة أجبت، استغربت صديقتي، وأردفت بالسؤال، كيف توفرين الشغف لمدينة تذبل في عيون أهلها؟.
قلت: وكان من الممكن أن تذبل في عيوني على نحو أسوأ، لكن بوسع الشاعر أن يبتكر المشهد على نحو مغاير.
قالت كيف؟.
أجبت: لكل يوم من أيام السنوات الستة عشر التي كانت تشهد يقظتي في quot;بيروت quot;، كنت أعتبره اليوم الأول لي في هذه المدينة، يوم البداية الخالصة التي جئتها إكراما لإتمام الحلم، ولأن الأحلام مؤجلة دائما، وربما مؤجلة أبدا، كان لا بدّ من قبول كافة الخيبات السخية التي أرميها خلفي كقشر الموز، وأترك الأيام والأناس الزائفة تتزحلق فوقها دون شفقة، وكم كثر من حولي quot;المعطوبين quot; من أشخاص وأيام لتكرار الوقوع ووفرة المطبّات التي أنصبها خلفي تِباعا من قشور الأحلام، إلى أن تلاشى الحلم واختفى المعطوبون، وبقيت وحدي أمام حقيقة مفزعة.
أنا مواطنة منسية لوطن بعيون مفتوحة على حروفي باستمرار.
ومواطنة لم يرقها التزاحم يوم كان، لاكتساب quot;مواطنيّتها quot; من وطن لطالما تمنيته أن يكون.
وحملت لأجله كل ما حملته على كتفيّ من أوزار ومواقف، علّها تحرّك ساكنا أو ضميرا لإنصاف هذه الquot;بيروت quot; التي أتنفّسها مع كل فجر، وأنزف حبرا ودمعا ونصوص وصرخات لا تحصى مع كل تفجير.
لكن ذلك كلّه لم يشفع لي كي أستثنى التجريم من تهمة الإهمال بحق quot;مواطنيّتي quot; المؤقتة التي تحتاج إلى quot;ختم رسمي quot; ظننت نسيانه عمدا أو سهوا، فخرا لبيروت هذه المدينة التي صرت لها أقرب من quot;حبر quot; الوريد.
هكذا تقتحمنا البدايات دون إعلان مُسبق ودون استئذان، تمخر عباب انتباهنا بتواطؤ فادح منّا، نتورّط فيه بوعي أو بغير إدراك، نضاعف وقعه بكل ما أوتينا من الشغف، سعيا لتكريسه بمبالاة استثنائيّة ومماطلة مغايرة تُؤكدها شهقة مباغتة سرعان ما نصحو منها على خيبة فادحة أو حقيقة ما قد يكون.
لهذا تعوّدتُ أن أتحايل على تثبيت البدايات بتجميد الوهلة وربما تمجيدها، بحِصارها، بمصادرتها، بالقبض على لغزها، باسترجاعها الآني، بارتكازاتها الحيّة، بتقاطعاتها التفصيليّة، بحيثياتها، بظواهرها، بمخفياتها، بكل ما يمتّ بصلة إلى استحداثها اللحظي، وموثّقاتها الذهنية.
هكذا تتحوّل البدايات من مجرد حالة قابلة للمضي أو الزوال، إلى محض فكرة تعمّق جذورها في أروقة الكيان سرعان ما تصبح المتنٍ الذي نقف عليه، ونركن إليه، ونتشبّث به، ونتماهى معه، وننخرط فيه، أو المتن الذي يهدد رؤانا بالانهيار ونحن نراوح بلا هوادة بين اللمعة تارة والكبوة أخرى، محاصرين دائما داخل دوامة أقفلت علينا باب السعادة بحنو، أو أغلقت عنّا باب النجاة بصفاقة.
وكيف لنا أن نجزم لتلك البدايات على أنها النعمة التي نرجو أو النقمة التي نهاب؟.. ونحن مأخوذين بقوة الانجذاب الطوعي وربما القسري ومن يجزم؟.
حتى الحروب لا نسلم من الانشداه ببداياتها، والاندهاش لبداياتها بخدر طافح شبيه بذات الأثر الذي يشيعه الحبّ فينا، مع اختلاف المفارقات والتباينات والحيثيات والتفاصيل، نحتاج وقتها لصحو شبيه تماما بصحوة ما بعد الحب لنتفقد الآثار والنتائج ومقادير الخراب هنا أو الزهو هناك، حتى الكوارث ترغمنا على الدخول في متاهة اللحظة الأولى لنتفقد ما بعدها، كل اللحظات الأولى واحدة على تفاوت ألوانها بيضاء كانت أم سوداء، تكاد تسطو على أحاسيسنا بنفس الدقّة لتستلّ منا نفس الذهول كسيفٍ خالد.
البدايات وحدها هي أقرب السبل، لولوج عالم الاحتمالات المفتوح على الأحجية بدلالة متّصلة أو مستترة، يستهوينا اقترافها للخوض في المجهول وما ينطوي عليه، غير آبهين بمخلفات الوقائع على الإطلاق، محرّضنا في ذلك كله حبّ المجازفة التي لا يرتقيها سوى الفرسان.
فكتابة النص على اختلاف أجناسه ومناسباته هي شكل من أشكال البدايات الناهضة من فكرةٍ مجردة، تحتاج إلى بناءٍ درامي تصعيديّ تفصيليّ متين، ولا يمكن أن تُستكمل متانة النص على امتداد السياق إذا ما تجاوزنا فكرة البداية ودخلنا مرحلة السرد الروتيني الذي يفصد عنه ويفسد فيه شغف الفكرة وشغب المحاولة، بكل ما تتطلبه من جرأة على إشاعة البلبلة والقلق الخلاق تحت طائلة التركيز والشفافية القاتلة.
هي ذات الحالة وربما أكثر ضراوةً، عندما نتلقف كتابا نادرا أو كائنا أندر على حدّ سواء، نقتحمه كفضاء آخر، ونفسح له اجتياحنا برغبة طارئة أو احتفاء عظيم، نتعرّف دواخله بفضول عارم، نتيح له أن يتغلغل في خلايانا، ليستبدّ بنا كما نستبدّ به بذات القدر، نتسلل بخطى وئيدة ومتبادلة خلف عتبات الروح لنفتح في جدرانها الكتيمة، ما تيسّر لنا وما استعصى علينا فيه من quot;المسام quot;، لنقتفِ أثر الجلي منها أو الظلامي فيها، بغطرسةٍ فائقةٍ تميّزنا أو عناية خجول، ودرءاً لتلاشي الحالة أو انطفاء الهاجس لدينا، نتفنن دائما بإيقاظ النبض واستنهاض السريرة، بتعزيز لولبيّة الدورة الدموية بكلمة طائشة أو تعبير فائض عن اللهفة، بدفق هائج كبحر، ومعانٍ هائلةٍ كسحاب، تُواصِل هديرها فينا كشلالات quot;نياغارا quot;.
كل ذلك رهنٌ لقدرتنا الخصيبة على توليد الأحاسيس وإن أحيانا من رحمِ حالةٍ مختومةٍ بالعقم، ونحن نلاقحها بنطفةٍ سريةٍ من صلب المشيئة، نلاحق غليانها برعونة هائلة، نعالج فتورها بدمنا اللاهب قبل أن تؤول إلى الصقيع ككل الحكايات البالية.
وحدنا الكائنات التي تملك حصريّة تسيير دمها وقيادته وإن على دروب الجليد بفوقيّةِ أجنحةٍ خفيةٍ لا تعرف البساطة أو الغرور.
أجنحة لا يدركها ولا يرتقيها من لا يُحسن التحليق.
يا لفرط الثقة التي نعانيها.
ويا لوهمنا الكبير الذي نبرر فيه متعة أن نفلسف البدايات مهما أعقبتها من خواتيم.
وأن نمارس لذة مماحكتها باستطرادٍ وتداعيات.....
هكذا توّلد هذا السرد الضاري بيني وبين صديقتي quot;حسانه ..ق. quot;، وقد تركتْ وراءها العام الماضي كلّ شيء في بيروت، سنواتها وذاكرتها وأصدقائها ومشاغلها ومواعيدها وخطواتها وغصّتنا المشتركة لما كان لدينا من ألفة في الحوارات الهادفة باستمرار، فقد آثرت حسانه وبدون تردد مدينة النفط الواعدة quot;قطر quot; قِبلة العاطلين عن الفوضى، والراغبين في التفاؤل لما هو آت.
عطلتها السنوية كانت أقل من ومضة لم اشهد لها بريقا يُذكر سوى حضورها الرصين وحديثها الخلاق كالعادة، الذي أرغمني على ما تكبّدته أعلاه من تنقيب، عندما سألتني بإلحاح ماذا تجدين في بيروت؟
ضاعت مني كل المفاتيح ولم أجد سوى العديد من الأقفال تنتصب بشراسة في حدقتي، أتفرّس في أنحاء السؤال، وأصمت..، ماذا أجد في بيروت؟.
أجد شغفي، بطلاقة أجبت، استغربت صديقتي، وأردفت بالسؤال، كيف توفرين الشغف لمدينة تذبل في عيون أهلها؟.
قلت: وكان من الممكن أن تذبل في عيوني على نحو أسوأ، لكن بوسع الشاعر أن يبتكر المشهد على نحو مغاير.
قالت كيف؟.
أجبت: لكل يوم من أيام السنوات الستة عشر التي كانت تشهد يقظتي في quot;بيروت quot;، كنت أعتبره اليوم الأول لي في هذه المدينة، يوم البداية الخالصة التي جئتها إكراما لإتمام الحلم، ولأن الأحلام مؤجلة دائما، وربما مؤجلة أبدا، كان لا بدّ من قبول كافة الخيبات السخية التي أرميها خلفي كقشر الموز، وأترك الأيام والأناس الزائفة تتزحلق فوقها دون شفقة، وكم كثر من حولي quot;المعطوبين quot; من أشخاص وأيام لتكرار الوقوع ووفرة المطبّات التي أنصبها خلفي تِباعا من قشور الأحلام، إلى أن تلاشى الحلم واختفى المعطوبون، وبقيت وحدي أمام حقيقة مفزعة.
أنا مواطنة منسية لوطن بعيون مفتوحة على حروفي باستمرار.
ومواطنة لم يرقها التزاحم يوم كان، لاكتساب quot;مواطنيّتها quot; من وطن لطالما تمنيته أن يكون.
وحملت لأجله كل ما حملته على كتفيّ من أوزار ومواقف، علّها تحرّك ساكنا أو ضميرا لإنصاف هذه الquot;بيروت quot; التي أتنفّسها مع كل فجر، وأنزف حبرا ودمعا ونصوص وصرخات لا تحصى مع كل تفجير.
لكن ذلك كلّه لم يشفع لي كي أستثنى التجريم من تهمة الإهمال بحق quot;مواطنيّتي quot; المؤقتة التي تحتاج إلى quot;ختم رسمي quot; ظننت نسيانه عمدا أو سهوا، فخرا لبيروت هذه المدينة التي صرت لها أقرب من quot;حبر quot; الوريد.
يا لتلك اللعنة التي حلّت على وثيقة السفر، لعنة الوطن المستعار، ولعنة الوهم الذي صحوت عليه كما quot;هاملت quot; متأخرة أكثر مما ينبغي، مفلسةً لا أملك فيه quot;شغف quot; البدايات لأحلام مُجهضَة في أوطان أخرى، أو مهارة العوم في أفئدة عائمة في الضباب بأحسن الأحوال.
التعليقات