*على قَدْرِ أهلِ العَزْمِ تأتي العزائم
وتأتي على قَدْرِ أهلِ الكِرامِ المَكارِمُ
هكذا حال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فما إنْ ينفضّ من بادرة حتى يلتفتَ إلى أُخرى، عاقدا العزم على إيفاء القضايا العالقة خارج المملكة ذات الاهتمام الذي يوليه لكلّ المسؤولية المترتّبة على عاتقه داخلها. ليترك علامات الاستفهام بحالة ترقّب دائم ومُساءلة، فهل هي شهوة الإعلام لتكريس الرجل الكفء في زمن الالتباس والتقصير على أنواعه، حيث يقترن الفعل بردود الكثير من الأفعال، وبأشكالٍ مختلفة منها المقروء والمسموع والمرئي المفتوح على الأمداء والفضائيات والتحليل والتأويل والمُباشر، حتى صار الملك عبد الله بن عبد العزيز ذاك الوهج لأمةٍ تكاد تفقد بريقها أو ربّما فقدته وتُكابر، مثلما صار الراعي للشؤون والشجون والعلاجات العربية العاجلة والآجلة والمزمنة بما فيها الميئوس منها وما خفي أعظم، وأيضا الخادم للمقدّسات التي يؤمّها المسلمون من كافّة الأصقاع إيمانا واحتسابا أحيانا، ونصبا واحتيالا وتجارة لن تبور في أحيان مماثلة، وهو الإنسان بشهادة من يحبّه ويوقّره من شعبه ومؤيديه، وهو الساعي لخير الأمّة وعزّتها ونصرتها بعد أن نكّست جبهتها لكثير من الرياح العاتية، وهو المكترث بالتنمية والتنشئة والتطوير والتحديث والتأهيل والتعليل والتسهيل لكثير من القضايا المُستعصية بين بعض الدول وبعض الأطراف المُتنازعة على المصالح والغايات باسم الوطن والمواطن والقومية العربية، في وقت لم يعد يتّسع لا صدر الوطن ولا المواطن ولا المسؤول ولا السياسي، إلا للمصالح والغايات الذاتيّة لدى معظم الأطراف والأصول والفروع!، وهو المهجوس بأمن الأمّة التي يتربّص بها الخطر من أكثر من حدبٍ وأكثر من صوب، وهو المشغوف باستقرارها في زحمة الاحتمالات.
ولأنّ البادرة تستجرّ الأخرى، ولأنّ كلمة عبد الله بن عبد العزيز كلمة رجل تُأخَذُ على محامل الجدّ والجدارة والاحترام، كانت كلمته البادرة المتجدّدة والمتجذّرة هذه المرّة بشأن الدعوة الموجّهة للمعنيين إلى مؤتمر حوار الأديان والثقافات، تبنّته جمعية الأمم المتّحدة وفتحت أبواب مقرّها في نيويورك، لاستقبال ملوك ورؤساء دول من عدّة بلدان في العالم أدلوا بشهادتهم وآرائهم الذي تقدمها رأي الملك عبد الله، بكلمة مقتضبة ومعبّرة تؤكد على ضرورة احترام المعتقدات لدى الشعوب، وتُشدد على أهمّية الحوار بين مختلف الثقافات والأديان، قائلا:quot; إنّ الأديان التي أراد بها الله عزّ وجلّ إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم، وأنّ الإنسان نظير الإنسان، وشريكه على هذا الكوكب، فإمّا أن يعيشا معا في سلامٍ وصفاء، وإمّا أن ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهيةquot;، وما أكثر الكراهية وثقافة الحقد انتشارا هذه الأيام وخاصّة بفعل اختلاف المذاهب وتنوّعها، التي أتاحت فرصة الزعامات وتسيير العباد تسييرا سياسيا بالدرجة الأولى، بعيدا كلّ البعد عن منطق الثقافة وحصافة الدين أيّا يكن، فلطالما كان التعايش الديني على أنواعه تعايشا سلميّا، وبلادنا العربية هي مهد الحضارات والديانات والثقافات المختلفة والمتعددة، ولم تكن ثمّة مؤتمرات، ولم تكن ثمّة حروب، أو ثمّة نزاعات على مصداقية المعتقد والمبدأ الديني والقِيَم الروحية وطقوس العبادات المتّبعة، بل كان فقط هناك الاحترام والأسوة الحسنة، فمن آثر إتباع ملّة دون غيرها، فله كلّ الحرية وله كامل الخيار، بينما في زمننا الراهن صار التشكيك بالآخر، وتكفيره وتجهيله وتبخيس قناعاته ومصادرتها واختراقها، أولويات الحركات الأصولية التي يتفرّع عنها ويفرّخ منها كلّ ما الدين الإسلامي لأجله براء، وباجتماع رؤساء وملوك الدول يكبر السؤال، هل يملك هؤلاء القادة مفاتيح الحلّ والربط لانتشار وتعميم وتفعيل وتهيئة تلك الحركات الأصولية الناشطة للفعل والضغط والتأثير والتحكّم برقاب العباد وأعناق الشوارع ومنعطفات الكواليس الحزبيّة وكل ما يلزم من تخطيط وتنفيذ وممارسات إرهابية مريعة ومريبة، ومن ثمّ quot;ضبضبتها quot; ولملمتها وتحجيمها وإنهائها عند انقضاء الحوائج والأمور المعدّة سلفا؟.
هل الدين بهذه الحال يكون غاية أم وسيلة؟.
وهل أتباع الدين هم أتباع الإرادة الإلهية، أم أتباع مشيئة الزعامة وما أدراك؟
وهل الثقافة في غمرة الحوارات القائمة على هوامش هذه المؤتمرات، هي ثقافة مفتوحة على الوعي والنضج، أم ثقافة مبرمجة ومحددة ومؤطّرة في ذهنيات تحمل أوزارها المُسبقة، لتضيف إلى أعبائنا أعباءً جديدة؟.
هل لهذا كلّه تنبّه صاحب الفطرة والبداهة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تلك المداجن والحاضنات التي ترعى تلك الألغام الموقوتة باسم الدين فتنشر السمّ الرُعاف والشر والانحراف إرضاءً للأصولية والوصولية والانتهازيّة والاستغلالية والابتزاز؟، ولهذا كان لا بدّ له أن يذكّر بمعنى الدين وغايته الروحية لأنه يعلم تمام العلم، أنه ليس عليهم بمسيطر، علّ الذكرى تنفع إذ ينادي حيّا يسمع وقلبا يخشع وعينا عند لزوم الدمع تدمع؟..
هل تلبّي مثل هذه المؤتمرات طموحات الطامحين، أم تُعزز أطماع المغالين في غيّهم والجبروت الذي أعلنوه ذات تنظيم وبطشٍ وطغيان؟
وهل الثقافة حوار المؤتمرات والمناسبات ليس إلا، أم هي حوار ينبغي أن يستمر على مدار النبض، مدركين تماما أنه ما إن تتوقّف دورة الحوار الحيوية حتى تتخثّر العلاقات الإنسانية في مجراها، وتتجلّط كافة علاقاتها، فإمّا تصيب مقتلا أو تشيع بين أوصال الإنسانية العجز والشلل. يقول تعالى: quot; يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمquot; صدق الله العظيم.
www.geocities.com/ghada_samman
[email protected]
التعليقات