ربما لم تكن الشيخه quot;موزه quot; حاضرة بينهم بقامتها الميّاس التي ترشح أناقة وأنوثة، ولم ترتق عدسات المصورين لالتقاط تفاصيل ملامحها المكتظّة بالجاذبية والسحر، ليتفاقم من حولها عدد المأخوذين بها إعجابا وانبهارا ودهشة، عندما الْتَأمََ مؤخرا شمل الأخوة الألدّاء في {الدوحة ndash; قطر }، لتوليد الاتّفاق quot;الحل quot; بعد تعثّرٍ موجع ومخاضٍ عسير دام أكثر من 144 يوما من الفراغ الدستوري والمناورات الطائشة التي بدأت بالتراشق الإعلامي واختتمت الجولة الحاسمة بالذخيرة الحيّة اشتملت على لفيف من الجرحى وكوكبة من الشهداء وَزّعت حزنها بالتساوي على معظم الأحياء البيروتيّة، وسائر المناطق التي تتسم بquot;الإسلام quot; وتنتكس بquot;المذهبية quot;، إلى أن جاءت اللهفة القطرية رافدا قويّا وربّما خصما ذكيّا للمبادرة العربية، وكان دور المرأة في عموم المشهد مغيّبا نوعا ما، تغيّبا شبه تام في زحمة الأضداد والذكورة الضارية وquot;المتشارسة quot; على تكبير الرأس، وتفخيم الأنا، وقهر الآخر، أخا كان أم شريكا في الوطن، إذ أنّ الكلمة لم تعد في قلب الشاعر بل أضحت بانقلاب السلاح على رافضِهِ، ومهما كان الثمن شهيد.. اثنان.. عشرة لا بأس.. المهم حماية الشكل، وليذهب المضمون إلى الجحيم بكل أبناء الوطن وأفراده ومناصريه طالما أنّ الدمّ صار بعهدة السلاح والسلاح بإمْرَةِ القيميّن عليه.
وهكذا لا يزال الشرّ على الجرار يجوب المناطق اللبنانية بافتعال مدروس وتأزّمٍ مُنَظّمٍ باسم الوطن مرّة وباسم الإصلاح أخرى وباسم الله والمتحزبين فيه، وليس الهدف تحويل لبنان إلى بؤرة مفتوحة على القتال بل إغلاق لبنان على قتال مفتوح على الامتيازات والمناصب والمغانم والحقائب السياديّة المكتسبة بالقوّة........... لا بالتراضي.
ومع أنّ الشيخه موزه آثرت عدم الظهور خلال انعقاد مؤتمر اتفاق الدوحة بشكلٍ مباشر، فهي ولاشكّ قد كانت في مكان ما.. تُمارس حضورها الكثيف بسخاء معهود وهذه المرّة لم تكن مجرد سفيرة للتغيير الإيجابي والتصالح، كما هي أيضا سفيرة للنوايا الحسنة باختيار الأمم المتحدة، عدا عن انهماكها بالإعلان عن إنشاء مؤسسة قطريّة بامتياز لتوظيف الشباب في ست دول عربيّة، إذ أنها وبالتأكيد كانت تولي أهميّة قصوى لدورها الأمثل كزوجةٍ صالحةٍ تُعزز هيبة الشيخ quot;حمد بن خليفة آل ثاني quot; أمام مراياه.
تُؤازر معنوياته التي وُضِعت على محكّ المسؤولية الصعبة وإرهاقها الكبير.
تُساند قراراته الحاسمة برُشْدِ المرأة وحنكتها الضارية.
تُرمّم ثغرات السياسة بكياسة الأنثى ودبلوماسيّتها الفطرية.
تُشارك في رسم الخطّة لتقديم المقترح بلمسةٍ ناعمة إن لم نقل حالمة أو حانية تجلّت في الختام.
تُساهم في صبّ quot;الدراهم quot; مفاتيح الحلّ الأمثل لفتح الأقفال المتكلّسة بين الأطراف المتنازعة، وهي الأعلم بأهميّة الدراهم ومفعولها quot;البلسمي quot; القادر ليس فقط على رتق النزاعات من أجل الوطن، بل على استئصال الوطن كليّا من ذهن النزاعات إن لزم الأمر والأمن معا في غمرة الراهن والشائع من ثقافة الالتباس.
ولا ريب أنّ موزه قد واظبت على رشّ عطر التهدئة الفاخر الذي تسرّب من مسام الأمير إلى قاعة الاجتماعات التي سرى فيها شذى المواجهة وطيْب البوح ولباقة الوئام.
ولم تنس موزه بالتأكيد أن تزكّيه ببخور المحبة، ولم يفتها قطعا ترداد تعاويذ الألفة وتكرار تمائم الوداد لتلطيف أمزجة الضيوف طوال فترة الإقامة الفاخرة، وتليين القلوب الصوان التي أنبتتها المرحلة والأطماع.
تزرع همساتها في مسامع راعي المحنة العربية - اللبنانية الداخلية - الشيخ quot;حمد بن خليفة آل ثاني quot; ليقطف ثمار التوصيات الناضجة في حقل ذهنٍ صافٍ وقلبٍ شاسعٍ مشعٍّ، ثمرة تلو الأخرى مخصّبة بحكمة الزوجة ومجمّلة بحنكتها بصفتها الاعتبارية كمستشارٍ أوّل ومستشارٍ أقرب لقرار الأمير ومواقفه، وهكذا أوْلَمَ الشيخ حمد على شرف الهمسات الجانبيّة الأساسيّة الدافئة مائدة عامرة بالترضية لكافة المتصالحين بquot;الضرورة quot; لحفظ ماء الوجه، الذي تعهده الشيخ حمد قناعة وثقة ويقينا بعدما أخذ على عاتقه إنجاح الاتفاق وإخراجه إلى النور، ليصبح بالتالي رجل المرحلة بلا منازع على الرغم من تنازع الأطراف العديدة لتسيّد المناسبة- الفرصة في المنطقة العربية، ريثما تحلّ كارثة خلافية على مستوى قطر من الأقطار الأخرى، وتفتح حتما بابا لزعامة عربيّة بديلة أو زعامة قَطَريّة مستمّرة...
هكذا طيّب الشيخ حمد الخواطر المأزومة، وحاول بسخاء إشباع النفوس النهمة للامتيازات والمناصب.
كان الرجل هادئا رغم كل المهاترات، ومتّزنا في مهبّ كلّ اختلال ساد، مسالماً في غمرة شهوة النوايا وشهيّة بعض الأطراف المفرطة للحرب المفتوحة على كافة الجهات، كان باختصارٍ شديدٍ هو نفسه وهو وحده الذي بمستطاعه أن يُصافح المقاومة بيدّ....... وتسيفي ليفني، وإيهودا باراك بالأخرى .. دون أن يثير استياء أحد أو سخط أحد أو انتقاد أحد على الإطلاق، بل كل ما يصدر عنه هو دائما على الرحب والسعة.
كان رجلا في زحمة المتناقضين وسلسلة المشاحنات المعجّلة منها والمؤجلة إلى أجل معلوم وأسباب قد تُسمّى، وليس من اليسير اعتبار الرجل رجلا في زمننا هذا بعدما شاع تزاحم الأشباه، والرجل الرجل كما هو معلوم لا يُمكن أن تواكبه إلا المرأة quot;العشتاريّةquot; البريق، ومن سوى موزه استطاعت أن تُحقق معادلة الاختلاف، الاختلاف عن معشر النساء وسطحيّته، وسذاجة العقل ومحتواه، ورتابة المنهج وخوائه، ربّما ليس لأنّ المرأة في عالمنا العربي أقلّ كفاءة، بل لأنّ الآخر في حياتها أكثر غوغاء.
وموزه امرأة تمايزت بجدارة، حين تربّعت فوق نون النسوة كدرّة فريدة، ربما لطائل الحظّ.. كونها جمعت المجد من ضفتيه، كابنةِ شيخ وزوجةِ شيخ.. استحقّت في الحالين عزّها، من العناية الإلهية الفائقة التي لا يختلف عليها اثنان.
وكل ذلك لم يُغْنِها من فرط الإرادة والعزيمة والتصميم في صنع مجدٍ محايدٍ عندما لم تكتف موزه بإرثِ المجدين، بل لطالما أوجدت لشخصها هامشا جديدا لانبثاق الضوء وسيرتها تشهد، وهذه المرّة كان ضوءا مبهرا تسلّط عربيا ودوليا ولبنانيّا خاصّة بحقِّ قطر وأميرها حمد بن خليفة آل ثاني، الرجل الذي يجدُر القول عنه أنّ رحابة صدره كانت تتصدّرها موزه ضمنا كامرأة حصرية، وربما كسرٍّ مكنونٍ غاب عن الأذهان من أسرار الحلّ وأسبابه، تماما كما هي تتوّج حبّا في رحابِ البلاد دائما كعنوان عريضٍ للمُباهاة.
تمّ اتفاق التسوية إذا في خمسة أيام فقط، اتفاق عجزت عن إيجاده كل المساعي ولأشهر طويلة مضت، لتسفر فيما بعد عن مُباركة سعودية مصرية سورية... وإيرانية بلا شكّ.
ويبقى السؤال هل أنجز الشيخ حمد دوره كاملا ورضيَ الاتفاق الذي أعاد المتنازعين إلى نصابهم الموضوعي ونصيبهم العقلاني؟ ليعود بالتالي إلى شؤون بلاده وشجون الزوجة مكتفيا بما كان؟ أم أنّ المُستجدات التي تتلاحق على الساحة الأمنية اللبنانيّة تردّيا وتقهقرا واشتباكاتٍ، تُرتّب على الرجل أن يتكفّل المزيد من الجهد والحوار والمقترحات وربما الفواتير المُستحقة الدفع كضريبة للتسوية، مما يُحتّم بالتالي على الزوجة موزه أن تتكبّد المزيد من الأناة والصبر والمؤازرة؟...
ويحضرني سؤال أوجهه لنفسي كامرأة أولا.. ولكل قارئة استفتيها هنا لتتأمّل قليلا: هل حقّا كما نظنّ أو نعتقد أنّ الشيخه موزه أكثرنا وأكثر بنات جنسها سعادة؟ وهناءتها الذاتيّة وسعادتها الزوجية مرهونة لجداول المواعيد وأجندة الالتزامات وقوائم المراسم ولوائح البروتوكولات؟
هل هي امرأة جَلَود تُعالج صبرها بنجاحات ظاهرة، وفي قرارة نفسها دويّ نبضٍ حائر خفي يفتقر ويفتقد بصمت لا يعرف التذمّر أو الشكوى، إلى صدق اللحظة وحميميّة الخصوصية بين المولّهين؟.
التعليقات