وسقطت شبكات التعامل مع إسرائيل واحدة تلو الأخرى، تنوّعت وتلوّنت بطوائفها وأهميتها وألوانها وأشخاصها. بعضها من رجالات الدولة، وبعضها من أحزاب وبعضها افراد لا علاقة لهم بشيء وبعضها من حركات أصولية.
لا يهم فعلا ما لون العميل وما طائفته، لكن حين يتحوّل جزء من جمهور طائفة ما إلى التهديد بالـ quot;والا..quot; فإن الأمر يصبح مروعًا... فبالنسبة إلى هذا quot;الجزءquot; لا يمكن أن يكون هذا الرجل عميلاً لسبب واحد فقط وهو انه من هذه الطائفة وفي موقع سلطة ولو محدودة. وعليه فإن مخابرات الجيش مخطئة وإعترافات هذا الشخص باطلة... ويجب التصحيح quot;والا..quot;.
سقطت شبكات التجسس وما زالت تسقط يوميًا، ولعلها كانت لتكتشف خلال السنوات الفائتة لو لم تكن الدولة برجالها وساستها وأمنها وأحزابها متفرغة للتقاتل داخليًا...
حينها لم يكن العميل العميد المتقاعد أديب العلم ليتدرج في جهاز الأمن العام ليبلغ مرتبة رئاسة جوازات السفر ودائرة الأجانب، ولم يكن ليكون عميلاً منذ العام 84 ولم يتمكن quot;جهاز الامن العام quot; من كشفه. ولم يكن قريبه الرتيب جوزيف ليتمكن من أن يكون عميلاً وهو ما زال في الخدمة الفعلية.
زياد الحمصي عميل من نوع آخر في موقع سلطوي محدود، فهو ترأس بلدية بلدته سابقا وشغل منصب نائب رئيسها حتى تاريخ القاء القبض عليه. إبراهيم عوض ابن عم عبد الرحمن العوض خليفة زعيم تنظيم فتح الإسلام في لبنان شاكر العبسي، عميل من نوع آخر، وتورطه يحتمل أكثر بكثير مما يحكى عنه.
أما ناصر نادر الذي لا يمتلك صفة quot; مسؤول quot; لبنانيًا، يعد وفق وصف قوى الامن الداخلي بأنه quot; صيد ثمين وربما يكون الموقوف الأهم من ضمن أعضاء الشبكات الإسرائيلية الذين تم توقيفهمquot;. وغيرهم كثر يكشفون بمعدل يومي، في حين تقول معلومات الصحف أن الآتي أعظم.
لا يعد بأمر مفاجئ أن تكون إسرائيل قد تغلغلت في المجتمع اللبناني الى هذا الحد، فالأحكام المخففة جدًا على العملاء عقب التحرير عام 2000والتي تدرجت من 6 أشهر إلى عامين، quot;دلع quot; غير مبرر لعملاء تعاملوا مع جيش إحتل بلادهم.
ومما لا شك فيه أن الأرضية الهشة التي يقوم عليها المجتمع اللبناني وما يكتنزه من كره للآخر وقدرة على القتل وإرتكاب المجازر يعد عاملاً مساعدًا على تجنيد العملاء.
خلال حرب تموز 2006، تحول موقع كان من المفترض أنه إخباري إلى موقع مجند للعملاء.
مقدمة بسيطة من بضعة أسطر توضح للقارئ لماذا يجب التواصل مع إسرائيل.. حزب الله ارهابي يريد تدمير بلدكم وعلى الراغب بإعطاء إسرائيل المعلومات أن يدخل إسمه ورقم هاتفه..والإتصال من هاتف عمومي برقم ما. قد تستخف لوهلة quot;بخفةquot; التعامل مع موضوع كهذا.. وقد يخيل لك أنه لا يمكن لأي شخص أن يستجيب لهكذا إغراء سطحي، لكن على ما يبدو فإن أقل من بضعة أسطر قابلة على quot;إدارةquot; رؤوس بعضهم. وهذا مثال بسيط على آلية quot;سطحيةquot; جدًا تؤكد أمرًا واحدًا أنه مجتمع يعج بمن يملكون القابلية على خيانة الوطن.
يعج لبنان بشبكات عمالة مع إسرائيل ومع غيرها، كشف عدد من شبكات المتعاملين مع إسرائيل، أما الشبكات الأخرى المتعاملة مع دول اخرى فما زالت تسرح وتمرح.
وبالتزامن مع سقوط شبكات التجسس، وإطلاق سراح الضباط الأربعة وسفر اللواء الركن جميل السيد إلى باريس لرفع دعوى قضائية ضدّ الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية الألماني ديتليف ميليس وقبيل موعد الإنتخابات خرجت دير شبيغل (والتي تعني بالعربية المرآة ) بمقال تتهم فيه حزب الله بإغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
خرجت الرواية وهلل لها من هلل وطبل لها من طبل.. تلقفتها صحف ومحطات تلفزة كهدية هبطت من السماء وبالطبع تبرع الإعلام المصري التابع للسلطة بتوزيع quot;وصمات quot; العار على السيد حسن نصر الله وعلى حزب الله.
لا يعد مقال دير شبيغل بذلك quot;الإتهام quot; الذي لم تحاول صحف اخرى وجهات إستخباراتية الترويج له خلال السنوات الفائتة، لكن الظروف quot;الإنتقالية quot; الحالية تختلف كثيرًا عما سبق. السفارة الالمانية في لبنان خرجت ببيان توضيحي أن الحكومة لا علم لها بهذه المعلومات وأن موقفها الرسمي من المحكمة الدولية واضح تمامًا. أما داخليًا وخلافًا لما جرت عليه العادة كانت وتيرة التعاطي مع المقال بعيدة كل البعد عن quot;التلقف quot;والهجوم..المعلن منها على الأقل.
منذ إغتيال رفيق الحريري وحتى الآن، اخرجت عشرات القصص والفبركات، صنع شهود وشهادات زور..سقطت روايات واخلي سبيل ضباط أربعة ألصقت بهم جميع التهم.
تناوب على التحقيق محقق دولي أول وثان وثالث، شكلت المحكمة. وكان قرارها الأول إخلاء سبيل الضباط الأربعة.
تدخلت أمم ودول وحكومات، وبات إعلام دول لم تسمع بها من قبل يتحدث بالإغتيال ومن يقف وراءه.
كلهم جاءوا إلى هذه البقعة الصغيرة من الأرض، وألقوا بفتنهم ورواياتهم وتحريضهم. بات سفير أميركي يتحدث عن لبنان اكثر مما قد يتحدث مواطن عن بلده، وبات إعلاميون من جنسيات مختلفة يتحدثون بلغة quot;النحن quot; حين يتطرقون الى المحكمة والى الوضع اللبناني.
وبالعامية الصرف quot; يا اخي شو خصك quot;.. متى تحولت الى quot;النحن quot; ما دخلك بالشعب اللبناني اساسًا..
تحولت بلادهم إلى جنان ولم يعد لديهم ما يشغلهم سوى quot; لبنان quot;. باتت كل جنسيات الارض معنية بما يحصل هنا، لا من أجل التغطية فحسب، بل بشمل نفسها بالنحن والـ هم. تخرج بروايات وقصص، تحكم وتنصب أشخاصًا وتلغي آخرين تلقي بقصصها التي لا هم لها سوى تحريض فئة على اخرى.
لكن الحق يقال، تكاد الـ quot;نحن quot; المفترضة من قبلهم تتحول إلى quot;امنية quot; يأمل ان تتحول الى واقع، فليأتوا ويعيشوا في لبنان في ظل حكومتهم ( حكومة الشعب اللبناني التي ستتحول لتكون حكومتهم وذلك في إطار تطبيق الـ نحن المعتمدة من قبلهم ) وليدفعوا الضرائب المهولة من راتب خصص بأكمله ليعود الى الدولة. فليخرجوا إلى الشوارع ويخاطروا بحياتهم في ظل إحتمال ان يقتلوا لأن متحمسًا حزبيًا ما قرر ان يقتل احدهم في ذلك اليوم.
ليستمعوا يوميًا الى شجارات الزعماء... وفي ختام يوم طويل وكعقاب لهم، فليقرأوا او يسمعوا او يشاهدوا ما كتبوه وما اعدوه من مقالات وتقارير محرضة عن quot;لبنان الجميع quot;.. لبنان المواطنين ولبنان الهابطين عليه بوحي ما.
وبالطبع يجب حشرهم في غرفة ما حين تشنّ اسرائيل حربها على لبنان، او يتم تشريدهم الى حديقة عامة ليبيتوا في العراء او يقيموا في مدرسة ما. حينها سيتعرفون على أصوات الصواريخ والقذائف المدفعية وهدير الطائرات الحربية والإستطلاعية، وسيعيشون رعب القصف العشوائي للمرة الأولى في حياتهم. سيدخل إسرائيلي منزلهم ويقتل عائلاتهم ويترك أشلاء أطفالهم لتنهش بلحمها الكلاب، سيحترقون بيورانيوم منضب وستشتعل السماء من فوقهم وتحترق الأرض من تحتهم. فليأتوا ويختبروا الـquot;نحن quot; المسمومة التي يدعونها والتي لم تعرف من لبنان سوى نشر الطائفية والعنصرية والكراهية..
فليخرجوا من عرين دلالهم وسلامهم المقيت مع إسرائيل.
بالأمس كان عيد المقاومة والتحرير، منذ تسع سنوات أخرجت المقاومة إسرائيل من جنوب لبنان. هذه الأرض التي أسمعت صوتها للعالم بأسره تحررت بقوة سلاح رجالها ونسائها وبدماء أطفالها وشيوخها. عادت الأرض التي قررت الحكومات اللبنانية المتعاقبة أنها ستكون محرومة ومهملة ومتروكة لمصيرها بوجه إسرائيل.
لكنها قامت وقاومت البؤس والفقر والحرمان، قاومت وناضلت وحررت.. وإنتصرت.
يكفي لبنان ما لديه، ولا يحتاج إلى quot;نحنquot; دخيلة مسمومة، فلديه ما يكفيه ممن يفتخر بهم ولديه ما يكفيه ممن لا يجلبون سوى العار. ولايحتاج لبنان إلى عار إضافي جراء..quot;نحنكم quot; المرفوضة.