الصومال، البلد الذي عانى من عقود من الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية والاضطرابات السياسية، يواجه اليوم تحديات معقدة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية. رغم الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى إعادة بناء الدولة، لا يزال الوضع في الصومال متقلباً ومعقداً، مع وجود جماعات مسلحة، وصراعات داخلية على السلطة، ومشكلات اقتصادية حادة. لكن في ظل هذه الظروف الصعبة، تظهر بعض المؤشرات الإيجابية التي قد تفتح آفاقاً لمستقبل أكثر استقراراً إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح.
عانى الصومال من انهيار مؤسسات الدولة منذ بداية التسعينيات عندما أُطيح بالرئيس محمد سياد بري في عام 1991. منذ ذلك الحين، دخلت البلاد في حالة من الفوضى، تميزت بالحرب الأهلية والصراع بين الفصائل المسلحة، وظهور الجماعات الإرهابية مثل (حركة الشباب)، وهذه الجماعات استغلت الفراغ الأمني لتبسط سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد، مما جعل تحقيق السلام والاستقرار مهمة شاقة.
منذ بداية الألفية الثالثة، بدأت الصومال تستعيد بعض مظاهر الدولة، حيث تم تأسيس حكومة انتقالية عام 2004 بدعم من المجتمع الدولي. وفي 2012، تم تشكيل الحكومة الفيدرالية الصومالية برئاسة حسن شيخ محمود، الذي حاول تعزيز المؤسسات الحكومية والأمنية. ورغم هذه الجهود، لا تزال الصومال تواجه تحديات كبيرة.
اليوم، تظل الصومال دولة في مرحلة انتقالية، حيث تواجه الحكومة تحديات كبيرة في بسط سيطرتها على كافة الأراضي. الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، الذي عاد إلى السلطة في 2022 بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، يواجه ضغوطاً هائلة لإعادة الاستقرار السياسي والأمني للبلاد. من بين التحديات الكبرى التي تواجه حكومته، إعادة بناء المؤسسات الحكومية الضعيفة ومكافحة الفساد الذي يتغلغل في كافة مستويات الإدارة العامة.
تلعب الأحزاب السياسية دوراً متواضعاً نسبياً في الصومال، حيث لا تزال الفصائل المسلحة والعشائر القبلية تمثل القوى الرئيسية المؤثرة. الصراع على السلطة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية مثل أرض الصومال وبونتلاند يزيد من تعقيد الوضع.
أرض الصومال أعلنت استقلالها من جانب واحد في عام 1991، ورغم عدم اعتراف أي دولة بها حتى اليوم، فهي تتمتع بإدارة مستقرة نسبياً مقارنة بباقي أجزاء الصومال وبونتلاند أيضاً تتمتع بقدر من الحكم الذاتي، مما يزيد من التحديات التي تواجه حكومة مقديشو في بسط سلطتها على البلاد بالكامل.
على الصعيد الأمني، تظل حركة الشباب الصومالية تشكل أكبر تهديد لاستقرار البلاد. هذه الحركة، التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة، تنفذ هجمات متكررة تستهدف الحكومة والمدنيين وحتى البعثات الدولية في البلاد. رغم الجهود المبذولة من قبل الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الأفريقي (AMISOM) التي تعمل في الصومال منذ 2007، لم يتم القضاء على الحركة بالكامل. حركة الشباب لا تزال تسيطر على مناطق واسعة في جنوب ووسط البلاد، وتستغل تلك المناطق لشن هجمات على العاصمة مقديشو والمدن الكبرى.
التدخلات الأجنبية أيضاً لها تأثير كبير على الوضع الأمني. تلعب الولايات المتحدة دوراً مهما من خلال تنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة تستهدف قادة حركة الشباب، الا أن ضعف الجيش الصومالي وعدم وجود استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب يقف عائقاً أمام تحقيق نتائج ملموسة.
اقتصادياً ، تعد الصومال واحدة من أفقر الدول في العالم، حيث يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على المساعدات الدولية والتحويلات المالية من المغتربين الصوماليين. ومع ذلك، هناك بعض القطاعات التي تظهر إمكانيات كبيرة للنمو، مثل قطاع الصيد والزراعة، وقطاع الموانئ الذي يعد نقطة اتصال استراتيجية بين القرن الأفريقي والعالم الخارجي. ميناء بربرة في أرض الصومال يعتبر من الموانئ الحيوية التي تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الإقليمي.
التجارة البحرية والتعاون مع الدول المجاورة مثل إثيوبيا وجيبوتي يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للاقتصاد الصومالي. كما أن الاستثمار في البنية التحتية والزراعة سيعزز من قدرات البلاد في تحقيق الأمن الغذائي وتطوير قدراتها الاقتصادية. ولكن من أجل تحقيق هذا النمو، يتعين على الحكومة الصومالية العمل على تحسين الأمن وتوفير بيئة مستقرة للاستثمار. بدون استقرار أمني، ستظل الاستثمارات الأجنبية والمحلية مترددة في الدخول إلى السوق الصومالي، مما سيؤدي إلى استمرار الأزمة الاقتصادية.
إقرأ أيضاً: فخ الوقت: وهم الزمان والحقيقة الأبدية
على المدى القريب، من غير المتوقع أن يتغير الوضع في الصومال بشكل جذري، نظراً للتعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد. إلا أن هناك بعض العوامل التي قد تسهم في تحسن الأوضاع تدريجياً
إذا تمكنت الحكومة الفيدرالية من تعزيز التنسيق مع الولايات الإقليمية وتحقيق اتفاقيات سياسية تضمن تقاسم السلطة بشكل عادل، فإنَّ هذا قد يسهم في تقليل النزاعات الداخلية، وكذلك استمرار الدعم الدولي سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي سيكون ضرورياً لتحقيق الاستقرار، من المتوقع أن تستمر بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (التي تحولت الآن إلى بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية) في العمل حتى تتمكن الحكومة الصومالية من تحمل مسؤولياتها الأمنية بالكامل.
إقرأ أيضاً: ما التداعيات الأخلاقية لوصول الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الوعي؟
التحولات الإقليمية في القرن الأفريقي قد تؤثر على الوضع في الصومال. التقارب بين إثيوبيا وإريتريا، وتحسن العلاقات بين الصومال وجيبوتي، قد يسهم في خلق بيئة أكثر استقراراً على المستوى الإقليمي. كما أن التنافس الدولي على النفوذ في منطقة البحر الأحمر قد يدفع بعض الدول الكبرى إلى تقديم دعم أكبر للصومال لضمان استقرار المنطقة.
الصومال، البلد الذي عانى من عقود من الفوضى، يقف اليوم على مفترق طرق. هناك العديد من التحديات التي تعيق تحقيق السلام والتنمية المستدامة، ولكن مع وجود إرادة سياسية قوية وتعاون دولي فعال، يمكن أن تتغير المعادلة لصالح الشعب الصومالي. تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في الصومال ليس مجرد ضرورة محلية، بل هو مفتاح للاستقرار في منطقة القرن الأفريقي ككل.
التعليقات