توفي الفنان العراقي، حكمت القيسي، عن عمر يناهز الـ79 عامًا بعدما دهسته سيارة في أحد شوارع بغداد.


بغداد: رحل الفنان والصحافي العراقي الرائد، حكمت القيسي، بحادث سير مدهوسًا في أحد شوارع بغداد، عن عمر يناهز الـ79 عامًا، أمضى أكثر من ثلثيها في مجالي الفن والصحافة وكان لا يكل ولا يمل من الحركة الدائبة والعمل المستمر ما بين بغداد ودمشق، علمًا أنه عاد أخيرًا من سوريا على أمل الاستقرار في بغداد، ويعد الراحل أقدم رواد الحركة الفنية الأحياء بعد يوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وأسعد عبد الرزاق.

الخبر أكثر من محزن، مفجع حقًا للكثيرين من الفنانين والإعلاميين الذين يرتبطون به بعلاقة رائعة على الدوام، فهو مستعد لخدمة الجميع لا يتكبر ولا يرفض ولا يضجر، يلعب دور الأخ الكبير مع الجميع وطيبته لا حدود لها، حين كان يمر بأزمات مالية حادة كان لا يشكو مثلما يشكو الآخرين، بل كان يجتهد في عمله ليكسب رزقه، وحين وجد أن في سوريا بحبوحة للعيش سافر وهو يحمل على عاتقه أكثر من سبعين عامًا من التعب والجهد والعناء، لكنه كان يتفوق وقد وجد الفرصة سانحة له لكي يعمل أكثر ويعطي طاقته التمثيلية وخبرته التي تمتد إلى أكثر من نصف قرن.

قدم العديد من الأعمال بين الدراما والكوميديا والتراجيديا، ورقص وغنى، لأنه يشعر أن طاقته بدأت تتفجر من جديد، وبالفعل في كل زيارة لبغداد كنت التقي به وأجد العافية التي راحت تتبدى على ملامح وجهه وجسده، ويحدثني عن الفرص التي حصل عليها، كان يشعر بالسعادة انه عمل واجتهد وقدم ادوارًا ما كان يقدمها في السابق، كما انه طلب مني أن أكتب عنه شيئًا لانه بصدد طبع كتاب عن سيرته الفنية وذكرياته وأنه يريد ان يعززها بشهادات من أناس عمل معهم ومقربين منه، ويوم الاثنين الماضي التقيته وكان قد اطلق لحية خفيفة وليس على تلك العافية التي احسستها عنده في السابق فأخبرني ان صحته جيدة وانه يريد العودة الى دمشق لتصفية ما لديه هناك من شقة مؤجرة واثاث وامانات ومن ثم العودة الى بغداد، لكن يد القدر كانت على غير ما اراد وتمنى وخطفته قبل ان يهم بالسفر الى سوريا.

والراحل هو حكمت ناجي رشيد القيسي، من مواليد 1933 بدأ مع الفن منذ وقت مبكر لكنه عرف منذ عام 1955 مع بداية السينما العراقية باشتراكه بفيلم (فتنة وحسن) من اخراج الراحل حيدر العمر، وفيلم (ندم)، و(نبو خذ نصر)، و(بصرة ساعة 11)، و(عروس الفرات)، وآخرها فيلم (ارحموني) من بطولة بدري حسون فريد، ورضا علي، وكامل القيسي، وعبدالمنعم الدروبي، ومن اخراج حيدر العمر وتأليف انور الشيخلي، وهو من نجوم التمثيل والإنتاج السينمائي وهو الذي شجعه على التواصل مع الفن.

تخرج من ثانوية بغداد عام 1960 لكنه لم ينقطع عن الفن، سواء في الاذاعة او التلفزيون أم السينما والمسرح، تأتيه الادوار على قلتها فيؤديها بالشكل المطلوب منه ويفتخر انه عمل مع كل الممثلين العراقيين من مختلف الأجيال، كما انه عمل ريجستيرًا لسنوات طويلة وكان يستمتع بعمله هذا لانه ينظم عمل الفنانين، وكان يقول: quot;فكرت كثيرًا في هذا الامر وانا في مصر من خلال متابعتي الافلام العربية لفت نظري كلمة (ريجستير) التي يقوم بها الفنان العربي (قاسم وجدي) وقد استفدت منه كثيرًا، انا في العراق وحدي اتابع الفنانينquot;، فضلاً عن عمله الصحافي منذ شبابه وكان مقيمًا في الكويت وطالما اجرى لقاءات مع خيرة الممثلين العرب.

كنت قد سألته قبل نحو عام في حوار نشر في quot;إيلافquot;: quot;ألا تشعر بالتعب من التمثيل؟ فأجاب: quot;التمثيل على الرغم من انه متعب بالنسبة لعمري هذا إلا انه يبدد عني التعب، ولكن بشكل عام لا أحد يشعر بالتعب منه، لذلك لا استطيع ان اترك التمثيل وصار يجري في دمي الى حد الآن ، فأنا عشت مع الفن منذ الخمسينيات لذلك ترسب هذا الحب في دمي، انا احس ان الفن يعيد لي شبابي، في كثير من الاحيان اشعر انني شاب على الرغم من ان عمري تجاوز الثامنة والسبعينquot;.

وحين سألته عن الذي كسبه من الفن والذي خسره؟ قال: quot;كسبت الحياة الحلوة واللقاءات الجميلة مع زملائي الفنانين والناس الطيبين والعشرة الطيبة مع الوسط الفني بممثليه ومخرجيه وفنييه، وخسرت انني لم احصل على دعم او تكريم من اية جهة كانت، بالذات اعتب على وزارة الثقافة، فهي لم تنظر الي كفنان أمضى 52 عامًا في الفن، ولم تنتبه اليّ طوال السنوات الماضية، الى ان اموت فتعلق لي الوزارة لافتة تنعاني فيها، الفنان يجب ان يكرم في حياتهquot;.

نعم ايها الصديق بالفعل هو هذا ما حصل، لقد رحلت وستعلق لافتة تنعيك، وها نحن صامتون ليس باستطاعتنا غير البكاء والحزن، ولست ادري اذا ما كنت استطيع ان ارثيك ام لا كما طلبت مني ذات يوم، نم بسلام وليرحمك الله.
وداعًا حكمت القيسي
عبدالجبار العتابي من بغداد
توفي الفنان العراقي، حكمت القيسي، عن عمر يناهز الـ79 عامًا بعدما دهسته سيارة في أحد شوارع بغداد.
بغداد: رحل الفنان والصحافي العراقي الرائد، حكمت القيسي، بحادث سير مدهوسًا في أحد شوارع بغداد، عن عمر يناهز الـ79 عامًا، أمضى أكثر من ثلثيها في مجالي الفن والصحافة وكان لا يكل ولا يمل من الحركة الدائبة والعمل المستمر ما بين بغداد ودمشق، علمًا أنه عاد أخيرًا من سوريا على أمل الاستقرار في بغداد، ويعد الراحل أقدم رواد الحركة الفنية الأحياء بعد يوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وأسعد عبد الرزاق.

الخبر أكثر من محزن، مفجع حقًا للكثيرين من الفنانين والإعلاميين الذين يرتبطون به بعلاقة رائعة على الدوام، فهو مستعد لخدمة الجميع لا يتكبر ولا يرفض ولا يضجر، يلعب دور الأخ الكبير مع الجميع وطيبته لا حدود لها، حين كان يمر بأزمات مالية حادة كان لا يشكو مثلما يشكو الآخرين، بل كان يجتهد في عمله ليكسب رزقه، وحين وجد أن في سوريا بحبوحة للعيش سافر وهو يحمل على عاتقه أكثر من سبعين عامًا من التعب والجهد والعناء، لكنه كان يتفوق وقد وجد الفرصة سانحة له لكي يعمل أكثر ويعطي طاقته التمثيلية وخبرته التي تمتد إلى أكثر من نصف قرن.

قدم العديد من الأعمال بين الدراما والكوميديا والتراجيديا، ورقص وغنى، لأنه يشعر أن طاقته بدأت تتفجر من جديد، وبالفعل في كل زيارة لبغداد كنت التقي به وأجد العافية التي راحت تتبدى على ملامح وجهه وجسده، ويحدثني عن الفرص التي حصل عليها، كان يشعر بالسعادة انه عمل واجتهد وقدم ادوارًا ما كان يقدمها في السابق، كما انه طلب مني أن أكتب عنه شيئًا لانه بصدد طبع كتاب عن سيرته الفنية وذكرياته وأنه يريد ان يعززها بشهادات من أناس عمل معهم ومقربين منه، ويوم الاثنين الماضي التقيته وكان قد اطلق لحية خفيفة وليس على تلك العافية التي احسستها عنده في السابق فأخبرني ان صحته جيدة وانه يريد العودة الى دمشق لتصفية ما لديه هناك من شقة مؤجرة واثاث وامانات ومن ثم العودة الى بغداد، لكن يد القدر كانت على غير ما اراد وتمنى وخطفته قبل ان يهم بالسفر الى سوريا.

والراحل هو حكمت ناجي رشيد القيسي، من مواليد 1933 بدأ مع الفن منذ وقت مبكر لكنه عرف منذ عام 1955 مع بداية السينما العراقية باشتراكه بفيلم (فتنة وحسن) من اخراج الراحل حيدر العمر، وفيلم (ندم)، و(نبو خذ نصر)، و(بصرة ساعة 11)، و(عروس الفرات)، وآخرها فيلم (ارحموني) من بطولة بدري حسون فريد، ورضا علي، وكامل القيسي، وعبدالمنعم الدروبي، ومن اخراج حيدر العمر وتأليف انور الشيخلي، وهو من نجوم التمثيل والإنتاج السينمائي وهو الذي شجعه على التواصل مع الفن.

تخرج من ثانوية بغداد عام 1960 لكنه لم ينقطع عن الفن، سواء في الاذاعة او التلفزيون أم السينما والمسرح، تأتيه الادوار على قلتها فيؤديها بالشكل المطلوب منه ويفتخر انه عمل مع كل الممثلين العراقيين من مختلف الأجيال، كما انه عمل ريجستيرًا لسنوات طويلة وكان يستمتع بعمله هذا لانه ينظم عمل الفنانين، وكان يقول: quot;فكرت كثيرًا في هذا الامر وانا في مصر من خلال متابعتي الافلام العربية لفت نظري كلمة (ريجستير) التي يقوم بها الفنان العربي (قاسم وجدي) وقد استفدت منه كثيرًا، انا في العراق وحدي اتابع الفنانينquot;، فضلاً عن عمله الصحافي منذ شبابه وكان مقيمًا في الكويت وطالما اجرى لقاءات مع خيرة الممثلين العرب.

كنت قد سألته قبل نحو عام في حوار نشر في quot;إيلافquot;: quot;ألا تشعر بالتعب من التمثيل؟ فأجاب: quot;التمثيل على الرغم من انه متعب بالنسبة لعمري هذا إلا انه يبدد عني التعب، ولكن بشكل عام لا أحد يشعر بالتعب منه، لذلك لا استطيع ان اترك التمثيل وصار يجري في دمي الى حد الآن ، فأنا عشت مع الفن منذ الخمسينيات لذلك ترسب هذا الحب في دمي، انا احس ان الفن يعيد لي شبابي، في كثير من الاحيان اشعر انني شاب على الرغم من ان عمري تجاوز الثامنة والسبعينquot;.

وحين سألته عن الذي كسبه من الفن والذي خسره؟ قال: quot;كسبت الحياة الحلوة واللقاءات الجميلة مع زملائي الفنانين والناس الطيبين والعشرة الطيبة مع الوسط الفني بممثليه ومخرجيه وفنييه، وخسرت انني لم احصل على دعم او تكريم من اية جهة كانت، بالذات اعتب على وزارة الثقافة، فهي لم تنظر الي كفنان أمضى 52 عامًا في الفن، ولم تنتبه اليّ طوال السنوات الماضية، الى ان اموت فتعلق لي الوزارة لافتة تنعاني فيها، الفنان يجب ان يكرم في حياتهquot;.

نعم ايها الصديق بالفعل هو هذا ما حصل، لقد رحلت وستعلق لافتة تنعيك، وها نحن صامتون ليس باستطاعتنا غير البكاء والحزن، ولست ادري اذا ما كنت استطيع ان ارثيك ام لا كما طلبت مني ذات يوم، نم بسلام وليرحمك الله.