إيلاف من الجونة: في ما يشكل استمرارًا لحرصها على التواجد الدائم في أهم الفعاليات الفنية عالميًا وعربيًا، سجلت المملكة العربية السعودية حضورًا بارزًا في مهرجان الجونة السينمائي، من خلال جلسة حوارية بعنوان "مصر والسعودية: ربط إرث السينما بالآفاق الجديدة الطموحة".

الجلسة التي أقيمت ضمن فعاليات رابع أيام مهرجان الجونة بدورته السابعة، أدارها جمال جميع، وشارك فيها أحمد بدوي، منتج ومؤسس Film Square في مصر، وعماد إسكندر، رئيس صندوق البحر الأحمر في السعودية، وزينب أبو السمح، المدير العام لمجموعة MBC في السعودية والرئيس التنفيذي لأكاديمية MBC وMBC Talent في السعودية، ووسام قطان، الرئيس التنفيذي لشركة الإنتاج "العالمية" بالسعودية.

على مدى ساعتين، ناقش المتحدثون في الجلسة أوجه الشراكة الإنتاجية بين مصر والسعودية، ذلك التعاون الذي يعمل على مزج إرث السينما المصرية العريق وطموح صناعة السينما السعودية الكبير، وكيف تتطلع الدولتان إلى تطوير صناعة سينما عربية متكاملة تروي قصصًا تمثل ثقافتنا وتصل إلى جمهور أوسع. لذلك شهدت الفترة الماضية تعاونًا متزايدًا بين المؤسسات الإنتاجية المصرية والسعودية.

التعاون بين السينما المصرية والسعودية
بداية الحديث كانت مع أحمد بدوي، مؤسس شركة Film Square المصرية، والذي تحدث بدوره عن تاريخ احتضان السينما المصرية للمواهب العربية على مر العصور منذ بدايتها، فكانت مساحة آمنة لعرض قصصهم وتجاربهم الفنية، موضحًا أن التعاون الحالي بين السينما المصرية والعربية "أمرًا طبيعيًا".

ومثالًا على أوجه ذلك التعاون استشهد بالنجاح الكبير الذي حققه فيلم "ولاد رزق 3: القاضية" في المملكة العربية السعودية، وغيره من الأفلام المصرية وآخرها "إكس مراتي"، والتي أتيحت للجمهور السعودي فشهدت إقبالًا كبيرًا على مشاهدتها. واستطرد قائلًا إن ذلك بفضل وجود شركات إنتاج وتوزيع في البلدين مثل "المتحدة" في مصر، و"روتانا" في المملكة العربية السعودية والخليج.

السعودية ظمأى لرواية قصصها
وعن السينما السعودية ومستقبلها، تحدثت زينب أبو السمح، المدير العام لأستوديوهات MBC السعودية، حيث قالت إن السعودية متعطشة لرؤية قصصها الخاصة تروى على الشاشة، بأفلام وإنتاجات تعبر عن هويتها وتفاصيل حياة المجتمع السعودية، وذلك الظمأ بدأ يُروى رويدًا رويدًا بفضل تطور السينما السعودية، والخطوات الجادة التي تتخذها المملكة لدعم مواهبها.

وأضافت أن صناع السينما في السعودية، لا يزالون يستكشفون قصصهم، وما يدور في مجتمعهم، لتقديمه في أعمال فنية.

وأشارت إلى أن المجتمع السعودي، لا يزال متعلقًا بالسينما المصرية، وذلك يتضح جليًا بالنظر إلى الإقبال على الأفلام المصرية والإيرادات التي حققتها في المملكة، مؤكدة أن للسينما المصرية تأثيرًا كبيرًا على المجتمع السعودي.

وعن نوعية القصص والأفلام التي يفضلها الجمهور، قالت "أبو السمح" إنه بالطبع كما يتضح من متابعة الإيرادات بالأعمال الكوميدية تعتبر استثمارًا ناجحًا للمنتجين، فمكاسبها مؤكدة، لكن يجب على صناع السينما المُغامرة بتقديم أعمالًا ذات مضمون حقيقي، مناشدة المنتجين من عدم الخوف من الخسارة لأن السينما تستحق الإثراء بمثل تلك التجارب.

في سياق متصل، ألمحت المدير العام لأستوديوهات MBC السعودية، إلى مساعي المملكة في بناء وتأسيس فرق عمل ضخمة، ذات خبرات واسعة من الشباب، وذلك ما اعتبرته هو التحدي الأكبر أمام صناعة السينما في المملكة. لافتة إلى أنهم يحاولون البدء مما انتهت عليه السينما المصرية، فالأخيرة عمرها يتجاوز المئة عام، لذا يجب التعلم منها ومشاهدة الماضي لتطوير الحاضر.

تحقيق التوازن ضرورة
من جهته، أكد محمد وفا، المدير العام لـ"روتانا"، على أن القصص الجيدة تتجاوز الحدود، سواء كانت مصرية أو سعودية، مضيفاً أن هناك فرصة لتحقيق توازن بين الإرث المصري والدعم السعودي. كما أشار إلى أن التحدي الحقيقي يكون في إيجاد سيناريو جيد، به عاطفة حقيقية وقصة مؤثرة تلمس الجمهور.

وأضاف أن المملكة تسعى حاليًا لدعم الفن السابع بأقصى ما لديها، لتطويره سريعًا، كذلك تطوير الكفاءات المحلية، لذا فالتعاون بينها وبين السوق المصرية صاحبة المئة عام أمرًا ضروريًا، مشيرًا إلى أنه يجب أيضًا تعزيز التفاعل بين الجمهور المصري والسعودي، من خلال إنتاج أفلامًا مشتركة.

وأعلن المدير العام لـ"روتانا" عن خبرًا يؤكد مساعي البلدين في إحداث هذا التفاعل، وهو أن الجزء الثالث من فيلم "الفيل الأزرق" المستوحى من رواية الكاتب أحمد مراد، ويجسد دور البطولة فيه الفنان كريم عبدالعزيز، سوف يتم تصويره في المملكة العربية السعودية.

السعودية تفتح ذراعيها للخبرات المصرية
وأشار المتحدثين أيضًا إلى وفرة الخبرات المصرية، وانفتاح الأسواق السعودية الناشئة عليها والعمل على سد الفجوات من خلال احتضان تلك الكفاءات، مع أولوية تطوير الكفاءات السعودية المحلية.

وعن تلك النقطة علق وسام قطان، الرئيس التنفيذي لشركة العالمية للانتاج، أن الطلب السعودي على المهارات الفنية يتزايد، مشيرًا إلى الاستفادة من الخبرات المصرية لتطوير طواقم سعودية.

من جانبه شجع عماد إسكندر، رئيس صندوق البحر الأحمر، المستثمرين والفنانين المصريين على القدوم إلى السعودية للإستثمار في السوق السعودي والاستفادة من الفرص المتاحة في المنطقة.

طموحات مصرية سعودية مشتركة
فيما تطرق المتحدثون أيضًا لأهم التحديات أمام القطاع السينمائي السعودي، وهو تحديد هوية سينمائية مستقلة له، ودور التعاون بين المملكة ومصر في فتح آفاقاً لتعزيز القصص العربية المشتركة، خصوصاً مع زيادة البنية التحتية وارتفاع وعي الجمهور.

وعن تلك النقطة، علقت زينب أبو السمح قائلة إن التعاون بين الدولتين، اقتصر الطريق على السينما السعودية ومهد صعوبات مراحل التأسيس الأولى. وأضافت أن مع هذا التعاون، تتطلع مصر والسعودية لبناء قاعدة جماهيرية متكاملة في الشرق الأوسط، حيث تساهم مصر بخبرتها وتضيف السعودية مواردها. وبهذا التعاون الطموح، تتشكل ملامح سينما عربية جديدة تجمع بين العراقة المصرية والطموح السعودي، مما يعد بجذب جمهور واسع محليًا وعالميًا.

الجمهور السعودي.. منغلق؟
وخلال الجلسة، أثار المخرج كريم الشناوي الجدل بطرح سؤالٍ حول إمكانية مشاهدة فنانات مصريات يجسدن أدوارًا لشخصيات سعودية في المملكة، خاصة أن العكس يحدث فعلى سبيل المثال قدمت الفنانة أسيل عمران دور البطولة في فيلمه "ضي"، وقد كان سعيدًا جدًا بأدائها فيه، فلم لا يحدث العكس؟

وردًا عليه قال الحضور، إن الجمهور السعودي "صعب جدًا وصاحب شخصية انتقادية لاذعة"، وسوف تتعرض الفنانات لانتقادات صعبة خاصة أنه من الصعب إجادة اللهجة السعودية خاصة لهجة المناطق "الشرقية". لذا فلن يصدقها الجمهور، ولن يعتبر أنها تمثله وتمثل مجتمعه.
وتوضيحًا عن سبب ذلك الأمر، أجاب الحضور من أبناء المملكة، أن شعبهم متعطش للتعبير عن نفسه فنيًا بعد انغلاقٍ دام قرابة الـ40 عامًًا، لذلك يرفضون أن يعبر عنهم أي ممثل غير سعودي، فهم يرغبون في أن يتحدث عنهم أبنائهم مما يتيح الفرصة لاكتشاف مواهب سعودية بشكل أكبر.

وأشاروا إلى أن الأمر في مصر يختلف، فلقد شارك نجوم من مختلف الجنسيات، وانخرطوا في الأعمال المصرية وتقبلهم الجمهور المصري، ولم يلاقوا أي رفض، لكن الأمر في السعودية يختلف كثيرًا.