تعاني الثروة السمكية في العراق من تراجعها بشكل ملحوظ بسبب التلوث الكبير في المياه.

وسيم باسم من كربلاء: ينظر (السماج) حميد الطائي بحزن الى شبكته الفارغة التي ألقاها في نهر الفرات شمال الحلة (مركز محافظة بابل، على بعد 100 كم جنوب بغداد) ، آملا في صيد يدر عليه دخلا بين الحين والآخر في سوق المدينة.

ومنذ وقت ليس بالقصير لاحظ أحمد ان اسماك الأنهر العراقية ليست بالوفرة الى عهدها ورفاقه الصيادون.

ولا يجد الطائي تفسيرا علميا لهذا الظاهرة سوى ما يعتقده من ان كثرة الصيد هو السبب في انحسار الأسماك، إضافة إلى النكسة الكبيرة التي تلقتها الثروة السمكية بعد تجفيف أهوار جنوب العراق في تسعينيات القرن الماضي.

بيئة طاردة
لكن أصحاب الاختصاص يرون ان البيئة العراقية تتجه نحو طرد الاسماك والاحياء البحرية بسبب التلوث التي تعاني منه اغلب دول العالم.
وفي العراق فان مخلفات المعامل الصناعية التي تلقى في الانهار،
وبقايا مادية من الحروب ، انهكت البيئة المائية بسبب ما يلقى في الأنهر من معادن ثقيلة سامة كالزئبق والرصاص والكادميوم.

ويتحدث رئيس جمعية مربي الأسماك في محافظة بابل حيدر عبد الكريم رشيد عن ارتفاع اسعار الأعلاف التي تحول دون الإكثار من تربية الاسماك ، كما ان الأمراض تفتك بالأنواع الجيدة مثل الكطان والبني والشبوط.

ويشير رشيد ايضا الى أن الصيد الجائر بالمتفجرات والسموم يطرد الأسماك من البيئة ويقلل من أعداها بشكل متسارع.

علوة السمك
وفي (علوة السمك) في كربلاء (105 كم إلى الجنوب الغربي من بغداد،)، يتحدث ( السماج ) حيدر الكعبي عن دخول اسماك اجنبية الى السوق العراقي منافسة للسمك العراقي لانها ارخص سعرا ومتوفرة.

و الكعبي لا يعتمد على ما يصيده من السمك ، لانها ليست بكميات تجارية ، بل انه مضطر الى رحلة أسبوعية الى بغداد لجلب الأسماك من (علاوي) الأسماك المنتشرة في جميلة وعلاوي الحلة والبياع ( مناطق سكنية وتجارية في بغداد ) ومناطق أخرى.

وفي مشواره اليومي يسمع الكعبي الكثير من الاحاديث حول الأسماك النهرية العراقية.

احتباس حراري
يقول الكعبي ان زبونا له هو الدكتور أمين حاجم تحدث له عن ان اختفاء الأسماك من مياه الأنهر يعود الى التلوث بالدرجة الأولى وانخفاض مناسيب المياه.
ويقول مدرس البيولجي احمد عبيد من جامعة كربلاء أن العراق يعاني من احتباس حراري شانه في ذلك شان دول العالم المختلفة حيث يسبب الانبعاث المتزايد لغاز ثاني أكسيد الكربون الى تقليل مستوى الحياة في المياه.
وتحتاج الأسماك والاحياء البحرية الأخرى الى بيئة مائية زاخرة بالأوكسجين لكي تتغذى بشكل تلقائي.
وتابع عبيد... أن الأسماك من ذوات الدم البارد ، حيث تؤثر
حرارة المياه في الوظائف الفسيولوجية للأسماك من نمو وتكاثر، مما يوجب ملائمة الوسط المائى لاسيما في فصل الصيف حيث ترتفع درجات حرارة المياه في العراق بشكل ملحوظ.

وعلى رغم أن الحكومة العراقية اعتمدت ميزانية لتكثير انواع السمك العراقي تقدر بنحو 5 ملايين دولار منذ 2008، غير ان ذلك لم يسفر عن نتائج ملموسة.
وبحسب عبيد فان البيئة النهرية العراقية تتحول الى بيئة طاردة للحيوانات البحرية اذا لم تعالج الاسباب.
الأصبعيات

ويدعو عبيد الى تربية الأصبعيات الخاصة بانواع السمك العراقي بدلا من الأنواع المستوردة التي أغرقت السوق.
وبحسب ( سماجة ) عراقيون فان هناك أسماكا عراقية مصدرها الاهوار يشهدها السوق.
يقول ( السماج ) حميد الحلي : الذي يبشر بالخير، انه بين الفينة والأخرى تتوفر لدينا اسماك الأهوار المشهور بجودة نوعيتها وطيب مذاقها.
يتابع الحلي: الزبون يرغب في السمك العراقي على رغم ارتفاع سعره .
وكانت المياه عادت الاهوار بعد عام 2003، حيث زودت بالأصبعيات التي بدأت تأتي بثمرها.

مزارع الأسماك
ويتحدث صاحبة مزرعة الأسماك ليث كريم في منطقة اليوسفية (95 كم جنوبي مدينة بغداد) عن صعوبات تواجه استمراره في ادامة بحيرة الاسماك التي أسسها عام 2001.
ويدعو كريم الحكومة الى دعم مالي لأصحاب مزارع الاسماك وتزويدهم بالمبيدات والأدوية الخاصة لمكافحة البلهارسيا التي تصيب السمك العراقي.
ويضيف كريم : عمليات الإدامة للبحيرة تتطلب جهدا متواصلا ،
واستثمارا لكميات كبيرة من الأموال، وهذا لا يتناسب مع مقدار الربح الذي نجنيه من عملنا، لاسيما وان أسعار اسماك البحيرات انخفض الى النصف مع بوادر ظهور واضح للأسماك النهرية في السوق ووجود الأسماك الأجنبية المنافسة.
وفي اغلب مدن العراق الواقعة على ضفاف الانهار ، فان المئات يعتاشون من الصيد الوفير على مر السنين.
وفي مدينة مثل كربلاء انحسر عدد الصيادين الى النصف بحسب الحاج امين الياسري الذي امتهن الصيد طيلة ثلاثة عقود.
يقول الياسري : ينطبق الأمر على اغلب المدن، فقد هجر الصيادون المهنة وباعوا قواربهم، وغابوا في زحمة المدن لممارسة الاعمال التجارية بعدما أنهكتهم البطالة.
صيادو البصرة
وفي مدينة البصرة وفي الفاو تحديدا (535 كيلومترا جنوب بغداد) كان للحروب والأعمال المسلحة وقلة الوقود إضافة الى الرقابة الكويتية والإيرانية على الحدود البحرية النهرية ، اثر كبير في عزوف الصيادين عن العمل بسبب المضايقات، فقد اعتقلت الدوريات الإيرانية في ايار/مايو 2010 صيادين عراقيين بسبب تجاوزهم على الحدود النهرية الإيرانية على حد زعم السلطات الإيرانية ، كما حصلت نزاعات متعلقة بالصيد عام بين العراق والكويت في أكثر من مناسبة.