تربَّعت الدراما السوريَّة على عرش الدراما العربيَّة من خلال تميُّزها في الدراما البيئيَّة والتَّاريخيَّة، ولكن جاء طرحها للمواضيع الإجتماعيَّة بشكل جريء ليثير الكثير من البلبلة حيث إعتبرها البعض تقليدًا للمسلسلات التركيَّة الَّتي إنتشرت على القنوات العربيَّة، وأنَّها تعتمد الإثارة والإيحاءات الجنسيَّة لاستقطاب الجمهور.
دمشق: quot;أصبحنا نخجل من متابعة الدراما السوريَّة مع أولادنا، فبعد أنّْ كانت الدراما تتوجَّه إلى كل العائلة بتنا نتهرب من مشاهدتها مع الأولاد خوفًا من أسئلتهم عن مضمونهاquot; هذه العبارة جاءت على لسان مغتربة سوريَّة مقيمة في ألمانيا بعد مشاهدتها عددا من المسلسلات السوريَّة الَّتي أثارت هذا الموسم إشكالات متعلِّقة بتناولها موضوع الجنس في أغلب أعمالها وبمستويات مختلفة.
لماذا أثارت مواضيع الدراما السوريَّة حفيظة بعض العائلات عندما يتسمرون أمام التلفاز؟ وهل الجرأة في طرح بعض المواضيع الجنسيَّة في الدراما كان هدفها تعليم الأطفال والمراهقين من التَّجارب المعروضة أمامهم؟ أم أنَّها جاءت لإبراز قدرة الكتَّابعلى تناول المواضيع الجريئة بهامش الحرية الممنوحة لهم في ما يتعلق بالجنس دون غيره من التابوهات السياسيَّة والدينيَّة ؟ وهل الممثل السوري حريص على أخلاق مجتمعه ؟ لمن تتوجه الدراما في مواضيعها ؟ ما هي الفوائد أو الأضرار المستقبليَّة لتناول موضوع الجنس؟ وهل عرض هذه المواضيع على الأطفال مسؤوليَّة الأهل أم القنوات العارضة أم كتَّاب السيناريو؟ أسئلة توجهت بها quot;إيلافquot; إلى عدد من المختصين.
الدراما تلعب دور المثقف الجنسي
الأستاذ، فراس دهني، مخرج سوري قال لـquot;إيلافquot;: quot;باعتقادي أنَّ الجرأة المطروحة في الدراما السوريَّة لها فوائد، لأنَّ الدراما تلعب دور المثقف الجنسي الذي لا تلعبه الجهات الحكوميَّة وخصوصًا المدارس والجامعات، وهذا الشيء له وجهان فإمَّا أن يصل بشكل صحيح، أو أنّْ يتمَّ استغلاله بشكل سيئ والأمر متعلق بثقافة الكاتب وطريقة معالجته، ومتعلق أيضًا بباقي طاقم التنفيذ من شركة ومخرج وممثلين، فالمسؤوليَّة مشتركة بين الجميع، إلاَّ أنَّ الفضائيَّات الَّتي تعرض هذه الجرأة هي صاحبة السلاح الأقوىquot;.
وأضاف المخرج دهني quot;أعتقد أنَّ الدراما السوريَّة ما زالت لا تعرف لمن تتوجه، فالمتلقي ما زال غائبًا عن وعي الكتاب، والدراما لا ترسل رسائل واضحة وهذا ما يجعل المحطات التلفزيونيَّة في حالة تخبّط لا تعنى بموضوع الفئات العمريَّة وتصنيفاتها، فمن الملاحظ أنَّ عملاً ذا محتوى إنساني فكري عميق يصب في محتوى العلاقات الجنسيَّة يعرض ليلاً ثم يعاد بثه صباحًا وكأنَّه مخصص للأطفال، والإنفتاح غير مخصص لكافة الأعمار، ولا يمكن مخاطبة الأطفال والمراهقين بهكذا جرأة متعلقة بالإنفتاحquot;.
ودعا المخرج دهني من خلال quot;إيلافquot; إلى حاجة العرب الماسة لمنبر إعلامي على شكل quot;ملتقى للقنواتquot; لوضع هويتها تجاه تحديد جمهورها، ووضع إشارة صغيرة على طرف الفيلم في أنَّ المادة المعروضة هي quot;للكبار فقطquot; كما في أغلب القنوات العالميَّة.
وشاركت الدكتورة في قسم الإعلام، هزار الجندي، رأي المخرج السوري وقالت لـquot;إيلافquot;: quot;يفترض من الدراما السوريَّة عندما تتطرق في موضوعاتها إلى التابوهات، أو عندما تقدم أطروحات غير مقبولة مجتمعيًّا وتكون موجَّهة لفئة عمريَّة أكبر من المراهقين، وضع إشارة على التلفزيون، كما يجب أنّْ يعي الأهل ما يشاهده أولادهم سواء من الأفلام الغربيَّة أو المحليَّةquot;.
وأشارت إلى أنَّها شخصيًا مع اختراق التابوهات لأنَّها ما دامت غير معلنة، فسيرسم الفرد أوهامًا غير حقيقيَّة في ذهنه ويضع لها صورًا خاطئة، ما يصعِّب عليه التعامل معها بشكل صحيح عند اصطدامه بها في الواقع، ويجعل وقوعه في الأخطاء واردًا بشكل كبير، خصوصًا أنَّ معظم الأسر العربيَّة تتعامل مع أبنائها بمنطق التابو، وعمليًّا يوجد الكثير من المواضيع غير المطروحة للنقاش في العائلة.
لكنها نبهت من خطورة الانفتاح الجنسي في مجال الدراما بشكل فاضح، خصوصًا وأنَّ أغلب الأعمال لا تقدم الحد الأدنى من الحلول وتترك الأمور معلَّقة ما يزيد الشك في ذهن المتلقي.
أما المخرج، مظهر الحكيم، فقال لـquot;إيلافquot;: quot;شكَّلت الدراما السوريَّة نقلة نوعيّة في مجال الحرية، ولكن يجب أنّْ يراعي العمل المقدَّم المصلحة في توعية الشَّباب أساسًا، ونحن في سوريا لا نحاكي الأعمال الغربيَّة أو بعض الأعمال المصريَّة، ولنا مدرستنا الخاصَّة بالإبداع والصفاء، وباعتقادي إننا استطعنا الانتقال الى نوعيَّة من الأعمال الموجَّهة لتوعية الأفراد وتربيتهمquot;.
أما الدكتور، عجاج سليم، عميد المعهد العالي للفنون التَّمثيليَّة فقال: quot;بداية كلنا يعرف نتائج المجتمعات المقموعة والمكبوتة، والمجتمع العربي لا يسمع مشاكله الجنسيَّة إلاَّ خفاءً من خلال جرائم الاغتصاب والكبت، ودائمًا كانت تستوقفنا التابوهات، فلماذا لا نناقشها، ولماذا التحفظ ؟ أليس من الأفضل للطفل أنّْ يتعلَّم من خلال الدراما بعض الأمور الجنسيَّة ؟ ولماذا نقيم الدنيا على مسلسل يقول لنا: انتبهوا؟ أظن أنَّه لا يجب نسف العمل كاملاً بمجرد مرور بعض اللقطات والمشاهد الخادشة للحياءquot;.
ودعا سليم إلى أن يكون لكل مسلسل يتطرق إلى الجنس مستشار تربويّ لمعرفة الكيفية الَّتي يجب أن يطرح الموضوع على كل الأعمار.
وقال المخرج السوري، نجدت أنزور، لـquot;إيلافquot;: quot;إنَّ جمهور الدراما لا يرتبط بعمر معيَّن، وطبيعة العمل تفرض متابعيها، وبما أنَّ العائلة بأغلبها تجتمع في رمضان لمشاهدة المسلسلات، لذا يجب مراعاة خصوصيَّة هذا الشهر الفضيل بتجنب عنصر الإثارة في الأعمال المقدَّمة للجمهور في رمضان احترامًا لذائقته وحرصًا على مشاعرهquot;
وأضاف أنزور أنَّ مسؤوليَّة عرض المسلسلات المثيرة للجدل بالنهاية تكون مسؤوليَّة القنوات العارضة مشيرًا إلى خطورة عرض هكذا أعمال في أوقات الذروة على الأطفال بغض النظر فيما إذا كانوا في عائلات محافظة أو متحررة.
الممثل السوري محافظ على أخلاق مجتمعه
وقالت الدكتورة، هزار الجندي،: quot;الشباب السوري والعربي عمومًا أصبح يتلقى صورًا مؤذية، سواء من الأفلام أوالكليبات العربيَّة والأجنبيَّة الَّتي تؤثر سلبًا، لذا أعتقد أنَّه مهما قصَّرت الدراما السوريَّة في طريقة تقديمها المواضيع إلاَّ أنَّها تراعي البيئة الاجتماعيَّة وعادات وتقاليد المجتمع العربي أكثر من المحطات الأخرىquot;.
وقال الدكتور، عجاج سليم، عميد المعهد العالي للفنون التَّمثيليَّة: quot;بعد فشل معظم الأحزاب السياسيَّة في التَّعبير عن الواقع السوري جاءت الدراما لمقاربة الواقع أكثر، كما إنَّ الانتقاد الذي واجه الدراما السوريَّة بأنَّها مجتهدة فقط بأعمال البيئة الشَّاميَّة والتَّاريخيَّة، وأنَّها لا تستطيع عكس واقعهم من خلال الدراما، هو ما دفع الكتاب إلى التَّعبير بجرأة عن الواقع، ولا أظن أنَّها تجاوزت الخطوط وإنما تعمل في المجال المتاح لها فهي بالنهاية ابنة بيئتها quot;وأضاف أنَّ الفنان السوري يمتاز بثقافته ويمثل طليعة المجتمع !، لذا فهو حريص أكثر من غيره على أخلاق مجتمعه.
من جهتها اعتبرت الفنانة، جيهان عبد العظيم، أنَّ الأدوار الجريئة تعطي مساحةً كبيرةً للممثل كي يخرج كل طاقاته كما إنَّها تترك الانطباع لدى الجمهور أكثر من باقي الأدوار، ما يغري الممثل عملها.
علماء الدين والتربية
الدكتور، حسان عوض، في كلية الشريعة قال لـquot;إيلافquot;: quot;من الملاحظ انَّ الإعلام المرئي يفتقر إلى مراقبة التربويين وتدخل أصحاب التوعية الإجتماعيَّة والثقافيَّة والأخلاقيَّة، فأصبح يعرض بلا حرج أو رقيب بعض الأمور غير اللائقة لأطفالنا وشبابنا، لذا على أهل التربية والاختصاص التدخل لتأييد ما ينفع وتصحيح ما يسيء لأخلاق المجتمعquot;.
وأضاف عوض: quot;أرى أنَّ التَّوعية المنزليَّة مهمَّة في ما يتعلَّق بالبرامج المفيدة بمجالستها أمَّا البرامج البعيدة عن منهج التَّربية كبرامج العنف ومسلسلات الفساد الخلقي فينبغي منعهم منها من قبل الأهل، لما في ذلك من تدمير الأخلاق وتفجير منابع الشر لدى الأطفالquot;.
وقالت الدكتورة، منال الشيخ، من قسم التربية لـquot;إيلافquot;: quot;اختلفت الدراما السوريَّة عما كانت عليه سابقًا من حيث جودة الأعمال الفنيَّة، وأصبحت الأعمال تطرح المشكلات بشكل أكثر واقعيَّة وتصوير المعاناة الَّتي يعيشها السوري بجرأة غير معهودة ما ينعكس سلبًا في كثير من الأحيان على الأطفال ومدى فهمهم وإدراكهم المشاهد أو المواقف الحياتيَّة المعروضة، ويظهر الوجه السلبي في تقمص الطفل شخصيَّة البطل ومحاكاتها في معالجة مشكلاتهquot;.
ولم تنس الشيخ التوقف عند سلبيَّات الجرأة اللفظيَّة والكلمات المبتذلة والسوقيَّة الَّتي حاول بعض الممثلين التلفظ بها لإثارة المرح والتسلية دون وعي منهم بانعكاس ذلك على الطفل.
رأي الجمهور (ثقافة مهند و نور)
يرى خالد (مهندس) أنَّ الجرأة في تناول المواضيع الجنسيَّة في مسلسلات رمضان هذا الموسم جاءت كضريبة للأعمال التركيَّة الَّتي يدبلجها السوريون أنفسهم فبدأوا محاكاتها، موضحًا أنَّ ثقافة مهند ونور قائمة على تعليم الدعارة المنظَّمة لجيل جديد وعصر منفتح جنسيًّا
وخالفه أحمد (بائع) قائلاً إنَّ هناك توجها من قبل شركات الإنتاج الممولة خليجيًّا لنشر ثقافة الجنس في سوريا، لإهانة الفتاة السوريَّة ووضع ميزات وتسعيرة خاصَّة بها لأهل الخليج، وأنَّ التوجه كان قبل زيارة يحيى ولميس للعائلات العربيَّة.
وذهب سليمان (صائغ) إلى أنَّه من المضحك القول إنَّ رسالة الفن هي نقل الواقع إلى الناس، الكلام الذي يتحجَّج به أغلب الكتَّاب وفي الوقت نفسهفهم يقومون بتحويل مدينة دمشق إلى مدن مثل شيكاغو ونيويورك متسائلاً عن أي واقع يتحدث هؤلاء.
وعاتبت سلمى (مربية منزل) الرقابة السوريَّة واعتبرتها المسؤولة عن الإساءة للمجتمع، معتبرةً أنَّه لا يحق للجمهور معاتبة المنتجين باعتبارهم تجارا يسعون للربح.
وتنبأ سامي (طالب) بمستقبل الدراما السوريَّة بأنها ستواجه مصير الدراما المصريَّة نفسه في السقوط، معتبرًا أنَّ بدايات انهيار الدراما المصريَّة كانت بالأفلام والمسلسلات الَّتي ناقشت الأمور الجنسيَّة وعرض مشاهدها.
وتقول رنا (طالبة) بداية تفاءلنا بمشاهدة مسلسلات اجتماعيَّة كـquot;تخت شرقيquot; وquot;الخبز الحرامquot; ولكن التَّشابه والتَّكرار في تناول مواضيع الحمل دون زواج والخيانة الزوجيَّة والاستغلال العاطفي، جعلني أنفر ليس فقط من الدراما بل من المجتمع السيئ الذي يصورونه لنا، مع أنني لا أرى المجتمع السوري بهذا السوء.
الحل بالسينما
ربما يصح القول إنَّ الأعمال التلفزيونيَّة مجرد منصات عرض تعكس الواقع الاجتماعي، وهي تصنف في مجال الصناعة التَّرفيهيَّة.
وجاء تربع الدراما السوريَّة في أعلى هرم الدراما العربيَّة لحملها الطابع الثقافي، لكن الشَّاشة الصغيرة متابعة من قبل الأسر المحافظة والمتحرِّرة ومن الكبار والصغار الذين لا يميزون في غالبيتهم الهدف من عرض مشاهد الإيحاءات الجنسيَّة.
وكون السينما قادرة على استقطاب المواضيع الجريئة الَّتي يذهب إليها المخرجون والكتاب، فربما كان من الأفضل ترك الأعمال التلفزيونيَّة من دون جرأة وخلاعة.
التعليقات