يتصاعد العنف اللفظي والجسدي في الجزائر عشية الانتخابات الرئاسية، على شكل مساومات وتهديدات في الحملات الانتخابية، ما يهدّد بدفع البلاد نحو المجهول.


الجزائر: في استرجاع لما انتاب انتخابات الرئاسة في الجزائر على مدار عشرين سنة منقضية، تبدو الانتخابات هذه المرة محتدمة من حيث الخطاب، ومثقلة بألوان من الشتائم والتظاهرات، مع إصرار أنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على تمكين الأخير من نيل ولاية رابعة، ووعيد المعارضين بقطع الطريق على بوتفليقة، خصوصًا مع تواجده في حالة صحية لا تسمح له بتسيير البلاد لخمس سنوات إضافية.
وحفلت الحملة الدعائية على مدار 17 يومًا بألوان من العنف الجسدي، كانت بعض المحافظات مسرحًا له، منوال بجاية وتبسة وتيبازة. كما كان العنف اللفظي حاضرًا بقوة في خطابات المرشحين الستة أو ممثليهم، وبرز تعمّد التشخيص في الخطابات، وتبني أساليب موسومة بـquot;الاستفزازيةquot; في بعض الأحيان، ما يجعل الشارع المحلي يعيش حالة من الترقب والخوف من انزلاق الأمور نحو العنف.
تلاسن متبادل
تجلّت الملاسنات عبر الشتائم واحتدام حمى التخوين والعمالة والشيطنة والتنابذ بالألقاب، وهي ممارسات كان أبطالها كثيرون من مؤيدي بوتفليقة والزعيمة اليسارية لويزة حنون، التي اتهمت المرشح علي بن فليس بمحاولة الوصول إلى الحكم على ظهر الدبابات الأميركية. ولم تبخل عن المعارضين بتهم افتعال الزوابع واللعب بالاستقرار، بإيعاز من جهات أجنبية.
في المقابل، لم يتحرّج المرشح القومي موسى تواتي من الاعلان عن تفجير الفوضى اعتبارًا من هذا السبت، بعدما تدخلت الادارة لتمكين أحمد أويحيى، أحد كبار داعمي الرئيس بوتفليقة، لعقد تجمع دعائي بدلًا من تواتي. هذا الأخير لم يترددفي تحدي السلطات وتحذير أويحيى من كونه لن يدخل القاعة، quot;وسنبدأ الفوضى من هناكquot; على حد تأكيده، مبديًا استياءه من وجود مرشح مريض أو ميت، كما سماه، وفق quot;إملاءات فرنسا وإقدام متنفذين على استئجار أشخاص لملء فضاءات التجمعات الداعمة لبوتفليقةquot;، في وقت دخل وزير الأوقاف الجزائري بوعبد الله غلام الله على الخط، ليصف دعاة مقاطعة الانتخابات بـالغشاشين الآثمين.
وفي معرض رد بعضهم عليها، زادوا الطين بلة. صبّ الزيت على النار بدا واضحًا أكثر في تجمعات ومهرجانات الدعاية الانتخابية للمرشحين الرئيسين بن فليس وبوتفليقة. فكل طرف اتهم الآخر بتشكيل ميليشيات لإفساد لقاءات خصمه، ما فوّت فرصة الارتقاء وأنهك الجزائريين بخطب نارية مقزّزة.
البذاءة حاضرة بقوة
يلاحظ الكاتب عبد العالي رزاقي أن الخطاب السياسي للحملة انحطّ كثيرًا، إلى درجة استخدام الكثير من المفردات السوقية والبذيئة والألفاظ الجنسية، quot;فهناك من لم يتحرج من القول إن مرشحهم متزوج بالجزائر التي هي أم الجميع، وأنه سيدخل عليها للمرة الرابعة، وتقيم حاشيته العرس في غياب المدعوين من الداخل والخارجquot;.
بدوره، يستهجن جلال منّاد ما عرفته الحملة من تساقطات. ويشير إلى أن مواطنيه لم يشهدوا سابقًا حملة انتخابية محتدمة بهذا الشكل، إلا ما تعلق في جزء منها برئاسيات 2004 التي ترشح لها معظم المتنافسين حاليًا، وأبرزهم بوتفليقة وغريمه بن فليس.
الجديد، بحسب منّاد، هو دخول مسؤولين حكوميين على خط إشعال النار في خطبهم الاستفزازية، quot;والانحراف في سلوكيات وزراء من أمثال وزير التنمية الصناعية عمارة بن يونس ورئيس الوزراء السابق عبد المالك سلال، ومعهما وزير النقل والمواصلات عمار غول، على خلفية إفرازهم استفزازات معبّر عنها في شكل تصريحات مثيرةquot;.
تسبب ذلك في إثارة حفيظة شريحة واسعة من الجزائريين، يعتقد غالبيتهم أن هؤلاء الوكلاء أساؤوا للرئيس أكثر مما نفعوه، لا سيما وأنّ خطابات المرشحين كانت بعيدة كل البعد عن الأخلاق السياسية، على حد تأكيد منّاد. فبدل أن يركز المتنافسون على شرح برامجهم للناخبين تفرغوا لشتم بعضهم البعض، كما فعلت حنون، التي قصفت ثلاثة من منافسيها دفعة واحدة في ثالث أيام الحملة الانتخابية، وكالت لهم سيلا من التهم والشتائم، فكان أن قصفها عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان)، ونعتها بـquot;المرأة القديمةquot;.
توجيه للأحداث!
وتوسّعت رقعة المناوشات بين شباب بعض أحياء منطقة غرداية الجنوبية، في مؤشر خطير الى احتمال تفاقم الوضع نحو حالة يصعب تفكيكها. وحذر بشير مصطفى، كاتب الدولة الأسبق للاستشراف والاحصائيات، من تحول المنطقة إلى ساحة أخرى للتجارب في مجال صناعة النزاعات وتوجيه الأحداث نحو مشاهد أكثر عنفًا وأوسع أبعادًا، واستغلال ما يقع في أعمال تخدم متصيدي الفرص.
بشير صحراوي يجزم أن هذا الوضع المكهرب مفتعل من جهات خفية لإخافة الشعب الذي عانى الكثير خلال أكثر من عقد من الزمن، وإجباره على الخضوع لأجندة مسطرة مسبقًا من طرف قوى عظمى يعرفها العام والخاص، متسائلًا عن دواعي زيارة وزير الخارجية الأميركي للجزائر ليومين كاملين، والتحاق وزير خارجية قطر به في ظروف تبدو مقلقة تعرفها البلاد وهي التحضير للإنتخابات الرئاسية القادمة. ويقدّر صحراوي أن السيناريو القريب للواقع والحقيقة هو تدخل هذه القوى العظمى لحد الإختلاف بين القطبين المتصارعين - بوتفليقة وبن فليس - وجعل توافق بينهما لاقتسام السلطة مع شروط وضعت مسبقًا من طرف الولايات المتحدة الأميركية، وهذا نطرًا لمصالحها الإستراتيجية في منطقة المغرب العربي وأفريقيا عامة، بجانب المشروع الكبير لاتحاد المغرب العربي الذي يهم واشنطن.
ويسجّل الناشط جمال بن خلف الله أن العنف الممنهج على تجمعات ممثلي بوتفليقة هو مجرد فبركة إعلامية، وعدم السيطرة عليها كذبة لا يصدقها إلا مجنون دفع أوراقه من زمان، quot;ومن يديرون اللعبة يريدون الظهور بملامح المضطهدين من طرف خصوم يخرقون القوانين، ويضربون تحت الحزام، للتغطية على تجاوزات السلطةquot;.
اليوم الأخطر
يجمع المحلل عمر بربيش والوزير السابق معمر بن قربة على أن اليوم الأخطر سيكون الثامن عشر من الشهر الجاري، وهو اليوم الذي سيشهد إعلان نتائج الاقتراع الرئاسي. فقد نبّها إلى أن إعلان فوز بوتفليقة بكل ما يعنيه من استمرار النظام القائم سيدفع نحو احتقان الأوضاع، لا سيما مع الجو المشحون محليًا، ولعب أكثر من فصيل معارض على وتر التجييش.
يبدو هذا السيناريو وخيمًا، خصوصًا حينما يشدّد بن فليس على جاهزيته للتصعيد، إذ قال إنّه لن يسكت في حال حدوث تزوير، وهي الجملة التي ظلّ يكررها كريم يونس، الرئيس السابق للجمعية الوطنية (البرلمان)، المؤيد لبن فليس، مؤكدًا أن ما حصل في رئاسيات 2004 فاز بها بوتفليقة لن يتكرر هذه المرة.
ويرى عبد المجيد مناصرة أن الحل يكمن في الاحتكام إلى مرحلة انتقالية للحيلولة دون استفحال الأزمة التي تعيشها الجزائر والمرشحة للتفاقم بعد التأكد من فساد الانتخابات الرئاسية وتضييع فرصة الحل الانتخابي النزيه، خصوصًا بعد الصعوبات التي ستواجهها السلطة في تنفيذ مخطط الولاية الرابعة وإدارتها والالتزام باستحقاقاتها.
المبررات عشرة
يعدّد مناصرة 10 مبررات تفرض توجّهه:
أولًا، الوضع الصحي للرئيس الذي يفقد الجزء الأكبر من إمكانياته وبات غير مؤهل لأداء مهامه.
ثانيًا، الانتخابات ليست حلًا بالتزوير المبرمج الذي سيعمّق الأزمة ويعفّن الوضع ويستفز الشعب.
ثالثًا، حالة عدم الانسجام وغياب التوافق في قمة هرم السلطة حول مستقبل البلاد والديمقراطية.
رابعًا، عجز الحكومة الكبيرعن أداء مهامها وحل مشاكل الشعب، وانكشاف زيف خطاب الإنجازات و إفلاس حملة الوعود الكاذبة.
خامسًا، حالة القلق وعدم الرضا التي تسود الشعب والممزوجة بالتخوف من المستقبل إلى درجة أن الكثير من البيوت أصبحت تخزن المواد الغذائية، وبعض الذين أثروا بغير وجه حق أصبحوا يجمعون كل ما يجدونه في السوق من العملة الصعبة لتهريبها إلى الخارج، ما رفع من أسعارها.
حراك ضد الولاية الرابعة
سادسًا، بروز الحراك الشعبي الحر في الشارع بجرأة لم تكن معهودة، ولا يمكن الاستخفاف به، فهناك حالة رفض شعبي كبير للولاية الرابعة.
سابعًا، التطور الإيجابي في أداء المعارضة الرافضة للولاية الرابعة، سواء المشاركة منها أو المقاطعة، ما قربها أكثر من المواطن، وأعطى مصداقية لطرحها المتمثل في الحرية والديمقراطية والتغيير.
ثامنًا، المقاومة التي يبديها بن فليس، وهذا قد يولد صعوبات جديدة للسلطة.
تاسعًا، تحول الولاية الرابعة إلى تهديد لاستقرار الجزائر.
عاشرًا، عدم انسجام المحيط الخارجي غير المنسجم مع خطط السلطة، وما يتطلبه من إدارة مؤهلة وقيادة مقتدرة ونظام ديمقراطي يملك شرعية تحافظ على الاستقرار والأمن في المنطقة.
هذه المعطيات تؤكد أن مرحلة ما بعد 17 نيسان (أبريل) الجاري لن تكون سهلة، ولن تتمكن السلطة من تسييرها بنفس الطريقة السابقة، ما سيدفعها إلى البحث عن صيغ تمرر بها رهاناتها بأمان، كالتنازل لصالح المنافسين والمعارضين.