بالرغم من الوساطات العديدة للمساهمة في إعادة ترتيب البيت الخليجي، وفي عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، المسحوبين منها منذ آذار (مارس) الماضي، إلا أن مياه العلاقات بين الدول الثلاث وقطر لن تجد سبيلها قريبًا إلى مجاريها، بعدما اتهمت دول الخليج القيادة القطرية بالتسويف، وإطلاق الوعود لشراء الوقت، أملًا في تبدلات إقليمية ودولية، تعفي قطر من الوفاء بتعهدات، أخذتها على نفسها في قمة الرياض الأخيرة.


تسويف قطر
هذا ليس تحليلًا، بل نسج على معلومات كشفتها مصادر خليجية مطلعة على ما جرى خلال اجتماع مغلق وعاصف، لم يتم الإعلان عنه، عقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، كانت المصالحة الخليجية الطبق الرئيس على مائدته.

ضم الاجتماع وزراء خارجية الإمارات والسعودية والبحرين وقطر والكويت وعمان، حيث جرى بحث آخر ما تمّ التوصل إليه على صعيد المصالحة الخليجية، واستعراض الخطوات التي قامت بها قطر على طريق هذه المصالحة.

تطرّق المجتمعون إلى الخطوات القطرية في اتجاه تلبية مطالب السعودية والإمارات والبحرين، التي ترى في السياسة القطرية خطرًا على أمن المنطقة واستقرارها، خصوصًا دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وفتح المنابر الإعلامية لرموز إخوانية، على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، للتحريض ضدّ جيران قطر.

تجاوز الماضي
والمعروف أن الرياض لا ترفض مصالحة الدوحة، إنما بعد تراجع قطر بشكل عملي وواضح ونهائي عمّا تسبب بالخلاف، وهو ما لم يحدث حتى الآن. والتسويف القطري أثار حفيظة قيادات خليجية عدة، ودفعها إلى التفكير في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد قطر، خصوصًا أن القيادات الخليجية تعرف حق المعرفة أن قطر تعد كثيرًا ولا تفي أبدًا، في تسويف مقصود، لكسب الوقت واللعب على المتغيرات.

وبالرغم من يقينهم هذا، يصبر القادة الخليجيون على الدوحة، حفاظًا على اللحمة الخليجية وعلى إنجازات مجلس التعاون الخليجي، أنجح تجربة عربية في مجال التجمعات الإقليمية حتى الآن.

من سمات صبرهم عزوف القادة الخليجيين عن التطرق خلال الاجتماع إلى شريط فيديو مسرّب حديثًا لأمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يظهر فيه متآمرًا على عدد من الدول العربية والخليجية، بحسب ما نقلت تقارير إخبارية عن مصادر عليمة بما جرى في الاجتماع.

وقالت هذه المصادر إن عدم التطرق إلى موضوع فيديو الشيخ حمد الفاضح ليس إلا رغبة قوية في تجاوز الماضي، نحو مستقبل خليجي لا تشوبه شائبة. وبرّر مطّلع على مجريات الاجتماع القفز على موضوع الشريط، رغم خطورة ما فيه، بالرغبة السعودية في تجاوزه، ولو حمل تحريضًا ضد القيادة السعودية.

للصبر حدود
لكن..! على قاعدة أن للصبر حدودًا، أكدت المصادر المطلعة على الملف الخليجي أن وزيري خارجيتي السعودية والإمارات كانا واضحين جدًا في إنذارهما الجديد، بأنه ما لم تلتزم قطر بتعهداتها في مؤتمر الرياض، لاسيما تلك المتعلقة بالتزام الدوحة بأمن الخليج، فإن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدًا سياسيًا جديًا، وسيتمّ وضع جميع الوقائع على الطاولة، وستنشر أمام الرأي العام الخليجي والعربي والعالمي، ليعرف ما تفعله الدوحة.

وكشفت المصادر إياها أن الاجتماع العاصف لم يستمرّ طويلًا، وكان حاسمًا في تشديده على عامل الوقت، من دون أن تُتَّخَذ خطوات جدية من قبل قطر حتى الآن. وأكد المجتمعون أن ما يتسرّب في وسائل الإعلام من أخبار عن نقل قطر لعدد من قيادات الإخوان المسلمين إلى أماكن أخرى، ليس سوى مجرد كلام إعلامي، لا تسنده وقائع عملية.