لم يبقَ لنوري المالكي بعد انهيار جيشه في الموصل سوى لقب القائد العام لجيش منهار، إلى جانب لقب جديد، وهو القادر على تفويت الفرص الجيدة لإصلاح شأن العراق.


إعداد عبد الاله مجيد: يمضي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كثيرًا من وقته في الجناح العسكري من مجمع رئاسة الوزراء، فيما بدأ مساعدوه ومستشاروه يرتدون البزة العسكرية على الطريقة المشؤومة التي عرفها العراقيون في زمن البعث.
&
لا مصالحة

يلتقي المالكي بالقادة العسكريين، بمن فيهم قادة فروا من الموصل، ويخطب في مراكز التطوع حاشدًا الشبان الشيعة، وفي احيان ليست قليلة يفقد اعصابه وتنتابه ثورات غضب، كما أكد اعضاء في حلقته الداخلية.

ولكن ما لا يفعله المالكي، بحسب جميع التقارير، هو اقتطاع بعض الوقت لتحقيق المصالحة السياسية مع العرب السنة والكرد رغم نصيحة الاميركيين، الذين يدين لهم بمجيئه إلى السلطة والإيرانيين الذين يبقونه فيها، بأن هذه المصالحة هي خلاص العراق الوحيد. وحتى كبير مستشاريه لشؤون المصالحة عامر الخزاعي أعرب عن اعتقاده بأن قضية المصالحة ميئوس منها في هذا الوقت.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الخزاعي قوله: "هناك الآن حرب، وليست هناك مصالحة"، ثم تساءل "مع مَنْ نتصالح؟".

إيجاد بديل

يؤكد محللون أنه من دون مصالحة كهذه مع العرب السنة والكرد لبناء جبهة داخلية موحدة في مواجهة داعش، فإن العراق سيكون مهددًا بحرب طائفية يمكن أن تفقد حكومة المالكي فيها السيطرة على ثلث المنطقة العربية من العراق، علمًا أن كلمتها ليست مسموعة في اقليم كردستان.

لكن المالكي لا يُبدي ما يُشير إلى تغيير نهجه. فهو يراهن على الخيار العسكري، وعقد العزم على استخدام ميليشيات شيعية يثق بها لالحاق الهزيمة بداعش وإعادة بسط سيطرته على الأراضي التي اجتاحها مقاتلو التنظيم.

وفي تعبير نادر عن الاتفاق، انضم الرئيس الأميركي باراك اوباما إلى نظيره الإيراني حسن روحاني في حث المالكي على العمل مع العرب السنة والكرد. وإزاء اصراره على رفض الاستجابة لهذه الدعوات، تتساءل قوى دولية وسياسيون عراقيون كبار عما إذا كان سيتراجع عن موقفه هذا، وما إذا كان من الضروري إذا لم يتراجع إيجاد بديل مستعد للقيام بذلك.

ليس ممكنًا

يقول سياسيون شيعة إن أحد البدائل هو احمد الجلبي، الذي كان حبيب الاميركيين قبل أن ينقلب عليهم ليختار الشراكة مع إيران. في هذه الأثناء، تتمثل رسالة المالكي إلى اوباما وروحاني بأن العمل مع الكرد والعرب السنة ليس ممكنًا الآن، وعلى الجيش أن يستعيد اولًا ما فقده من مواقع ومدن.

ويأتي هذا العناد استمرارًا لسياسة المالكي منذ تولي رئاسة الحكومة قبل ثمانية اعوام كان احيانًا يبدو خلالها، وكأنه يحرص على استعداء السنة. وعلى سبيل المثال لا الحرص أن المالكي بعد أن قصم رجال الصحوة السنة ظهر تنظيم القاعدة، قطع عنهم رواتبهم.

وبذريعة مكافحة الارهاب وملاحقة الارهابيين، أمر المالكي بشن حملات اعتقال واسعة ضد السنة، ورمى آلافًا منهم في السجن خارج اطار القانون. كما اتهم قادة سنة مثل نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي ووزير المالية رافع العيساوي بالضلوع في أنشطة ارهابية.

رواية غير مفيدة

وقال سياسيون شيعة إن هناك خطوات يستطيع أن يتخذها المالكي للتخفيف من حدة الاحتقان الطائفي، منها الافراج عن آلاف السنة المعتقلين دون تهمة أو محاكمة. كما أنه يستطيع التعاون مع السنة والكرد بالاتفاق على موقف مشترك ضد داعش، وتوظيف خبرات لدى السنة والكرد في تقوية الجيش، بدلاً من الاعتماد على الميليشيات الشيعية.

ويشعر العديد من السياسيين الشيعة بعدم ارتياح لتخطب المالكي في توزيع الاتهامات. وقال وزير سابق في حكومة المالكي لصحيفة نيويورك تايمز: "إن القول بأن الكرد يدعمون داعش ليست رواية مفيدة، فنحن نحتاج الكرد، وحتى الإيرانيون يقولون له ذلك".

يد دبلوماسية غليظة

وقال السفير الاميركي السابق في العراق راين كروكر إن مبعث القلق هو أن ينقسم العراق من دون المصالحة المنشودة، إلى سنة ستان وشيعة ستان. واضاف: "منع ذلك يتطلب يدًا دبلوماسية اميركية غليظة".

وتابع كروكر قائلاً إن الولايات المتحدة إما تتدخل على مستوى البيت الأبيض ووزارة الخارجية أو أن الوضع "سيتفاقم إلى طريق دموي مسدود، وتحديد خط فاصل بين الشمال، على الأرجح شمال بغداد مباشرة، واقامة دولة لتنظيم القاعدة في واقع الأمر، وهذا امر مخيف تمامًا".

ويرى كثير من المراقبين أن المالكي فقد مصداقيته حتى أن أفضل ما يمكن أن يحدث الآن هو تشكيل حكومة جديدة يرأسها سياسي قد يوحي بقدر أكبر من الثقة. ولكن المالكي لا يعتزم الاعتراف بالفشل والتنحي ويبدو من المستبعد أن يُقام تحالف واسع بما فيه الكفاية لاختيار بديل في أي وقت قريب.

ذنب القيادة

بدأ سياسيون شيعة يطرحون بدائل عن سياسة المالكي الكارثية. وعلى سبيل المثال، يريد الجلبي تغيير النهج الحالي، وبدلًا من استهداف ما تبقى من المؤسسة العسكرية، يمد الجلبي جسورًا مع الكرد الذين شكرهم على استقبال النازحين، ويدعو إلى المصالحة الوطنية.

وقال الجلبي: "الانهيار الذي حدث في الموصل ليس ذنب الجنود والضباط، بل ذنب هيكل القيادة الفاسد". ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الجلبي قوله: "نحن بحاجة إلى خطة ترسمها قيادة ليست ملوثة بانعدام الكفاءة والفساد، نحتاج إلى خطة للدفاع عن بغداد ومواصلة التعاون مع الكرد".

فوّت الفرصة

يذهب المالكي إلى أن ما حدث أخيرًا كان نتيجة مؤامرة سنية كردية، لهذا السبب لا يرى جدوى من التوجه اليهم على مستوى قياداتهم، مفضلًا شراء بعض الشيوخ والسياسيين السنة الصغار. وقال عامر الخزاعي، مستشار المالكي لشؤون المصالحة، وسياسيون شيعة آخرون، إن المالكي لا يثق بالقيادات السنية.

وبدا حتى بعد اسبوع على سقوط الموصل أن الفرصة كانت لم تزل متاحة أمام المالكي لتشكيل جبهة موحدة من الشيعة والسنة والكرد في مواجهة داعش. واقترح القادة السنة تشكيل صحوات جديدة على غرار مجالس الصحوة التي اثبتت فاعليتها ضد القاعدة. لكن المالكي رفض المقترح، مؤكدًا من جديد قدرته الاستثنائية على تفويت الفرص، ودفع البلد إلى المهالك.

وبرفضه المقترح، لم يترك للقيادة السنية شيئًا تقدمه إلى جماهيرها. وأعلن رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي رأيه بالمالكي حين قال: "نحن لا نريد رئيس الوزراء هذا، بل نرفضه وحاولنا اسقاطه في أكثر من مناسبة".