هناك في لبنان من ينتقدون علناً في المجالس السياسية، وحتى في الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي ما يعتبرون أنه خطأ قاتل للناس ومكرر ارتكبته حركة "حماس" بفتحها الحرب بهذا الأسلوب في غزة.
"إيلاف"- خاص من بيروت: يتابع اللبنانيون الحرب الدائرة في غزة، والأخطر والأهم بالنسبة لهؤلاء الذين كانوا حتى الأمس يوزعون اهتمامهم بمقدار متفاوت بين مباريات تصفيات المونديال والمواجهات الدائرة قربهم، سواء في غزة أو في سوريا والعراق، هو احتمال أن يكون القرار الدولي رقم 1701 الذي يرعى وقف إطلاق النار عملياً على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية منذ حرب 2006 قد بات معرضاً للسقوط، مما يكشف لبنان على سيناريوهات كارثية ومخيفة.
أصحاب الرأي الإتهامي لحركة حماس بقصر النظر هم سياسيون ومفكرون لا يلبثون أن يشملوا "حزب الله" في ما يذهبون إليه، انطلاقاً من مقولة "فتش عن إيران". يقولون إنها رمت كل أوراقها على الطاولة لتقوية موقعها في موازاة المفاوضات التي تخوضها مع الغرب حول الموضوع النووي، فاشتعلت في فلسطين واليمن مواكبة لحرائق العراق وسوريا.
نظرية ساقطة
يقول أحدهم وهو سياسي مرموق وبارز لـ"إيلاف": كل الناس يتضامنون مع آلام الناس المقهورين والمقتولين والجرحى في غزة. لكن هذا الأسلوب الذي اعتمدته حماس جُرب سابقاً ولم يوصل إلى نتيجة. عدد الضحايا في غزة يرتفع يوميًا، في المقابل لم نسمع عن قتيل إسرائيلي واحد. هذا يعني أن نظرية الردع الصاروخي التي كان يتحفنا بها "حزب الله" كل مرة يتحدث فيها عن الإستراتيجية الدفاعية اصبحت نظرية ساقطة.
فنظام " القبة الحديدية" الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية تبين أنه يمنع سقوط الصواريخ على التجمعات المدنية العسكرية والمنشآت ويترك تلقائيًا الصواريخ التي لا تشكل خطراً على الإسرائيليين. يعني تالياً أن صواريخ "حزب الله" أصبحت في الميزان العسكري مع الإسرائيليين مجرد خردة. لكنها تفيد الحزب في معارك يخوضها ضد السوريين الثائرين على نظام الحكم في بلادهم وفي تخويف بقية اللبنانيين من الحزب وخلفه نيات إيران.
ماذا بقي من 1701؟
في وجهة النظر من مصير القرار 1701: قبل الخوض فيه، سؤال عمّا بقي من هذا القرار. فهو ينص على تمركز نحو 15 ألف جندي لبناني في منطقة عمل القوة الدولية - "اليونيفيل" بين مصب نهر الليطاني والحدود لمنع السلاح والمسلحين بالتعاون مع الجنود الدوليين، الحاصل أن وحدات الجيش اللبناني سُحبت من هناك بنسبة كبيرة تحت عنوان ضرورة ضبط الأمن في مناطق أخرى، ولم تبقَ إلا نسبة ضئيلة لن نحددها لئلا يُقال إننا كشفنا أسراراً عسكرية. وفوق ذلك منع "حزب الله" القوة الدولية من تسيير دوريات في القرى والبلدات بذريعة أو بأخرى من خلال مجموعات تابعة له تتحرك تحت ستار أنها من الأهالي.
حتى عندما وقعت انفجارات في بعض مخازن ذخيرة الحزب، الباقية والمعززة خلافاً للقرار الدولي 1701 منعت القوة الدولية من الوصول إلى أمكنة الإنفجارات والكشف عليها. هذه أمثلة للقول إن القرار الدولي لم يطبق ولا يطبق. لا يمنع أن الفريقين ، ما زالا يحتفظان به شكلاً للمحافظة على هدوء الحدود برغبة كل من الطرفين، ولأسبابه الخاصة.
لكن إسرائيل يمكنها إسقاط القرار الدولي ساعة تريد، وكذلك "حزب الله". وإذا كانت الدولة العبرية لا تسقط القرار 1701 فلأن لها مصلحة في بقائه ما دام يؤمن حدودها الشمالية من خلال عدوها، الحزب المسلح والذي بات يدرك أن الحرب التي يخوضها في سوريا مرهقة له ومكلفة جدًا على كل الصعد ولا تبدو نهايتها قريبة. وهو (حزب الله) لا يستطيع أن يخوض في وقت واحد حربين طاحنتين، وحتى جيوش دول كبرى تعجز عن ذلك.
هدوء قد لا يصمد!
ولكن ماذا عن الصواريخ المتفرقة التي تُطلق من جنوب لبنان بين وقت وآخر في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة والمجهولة المصدر غالباً؟ الإنطباع عند المعترضين على توجهات الحزب أنه يعرف الجهات التي تطلقها، وقد يكون على صلة ببعضها أو لا يكون، لكنه واثق بأنها لن تجره إلى حرب لا يريدها قطعاً في هذه المرحلة، خصوصاً أن الدول الخليجية التي ساعدت لبنان في إنقاذ اقتصاده، كما في إعمار ما تهدم خلال حرب من خلال تبرعات ببلايين الدولارات سنة 2006 لم تعد في هذا الوارد بعد انهيار علاقاتها بإيران وتالياً "حزب الله". ناهيك بأن القوات الإسرائيلية تعلمت من أخطائها وتدربت وتجهزت جيداً لخوض حرب بعدد قتلى يساوي صفراً على ما بدا حتى اليوم من حرب غزة.
إلا أن كل هذه الأسباب المرجحة لاستمرار الهدوء على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية لا تصمد بالتأكيد أمام قرار إيراني بإشعال الجبهة مع العدو. ففي مثل هذا الوضع لن يكون أمام الحزب إلا الطاعة وتحمل النتائج ومعه بقية اللبنانيين المغلوبين على أمرهم، والمنتزع من دولتهم قرار الحرب والسلم.
التعليقات