يستمر تدهور الأوضاع في ليبيا مع انهيار الدولة ونمو الميليشيات المسلحة، التي دخلت في صراعات وحروب أهلية من أجل السيطرة على آبار البترول ومناطق النفوذ. وأثارت الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة في ليبيا المجتمع الدولي، لاسيما جيرانها، مصر والجزائر، وهما الدولتان اللتان بدأتا في اتخاذ اجراءات مشتركة من أجل حماية حدودهما ومواجهة الجماعات المسلحة التي تحاول التمدد إلى داخل الدولتين.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يبدو أنه لا أمل يلوح في الأفق يبشّر بعودة الدولة الليبية، وإعادة بناء المجتمع، لاسيما في ظل انتشار الميليشيات المسلحة التي تعتنق الفكر التكفيري الإرهابي. وفي هذا الإطار طرحت "إيلاف" سؤالًا على قرّائها حول السبيل الأمثل لإنقاذ ليبيا، وجاء نصه: "الحل الأمثل لإنقاذ ليبيا من الميليشيات المسلحة: إجراء انتخابات رئاسية ـ تدخل عسكري دولي ـ نزع سلاح القبائل والجماعات؟".

شارك 2323 قارئًا في الاستفتاء، وأيّدت غالبية واضحة الحل القائل بضرورة "نزع سلاح القبائل والجماعات"، وتقدر بـ1507 قرّاء، بنسبة 65%. بينما مال 579 قارئًا، بنسبة 25% نحو الحل المنادي بـ"تدخل عسكري دولي". ودعت أقلية تقدر بـ237 قارئًا بنسبة 10%، إلى ضرورة إجراء الإنتخابات الرئاسية في ليبيا، للقضاء على عنف الميليشيات المسلحة.

انفلات وجرائم حرب
وتشهد ليبيا أعمال عنف واسعة النطاق منذ سقوط نظام حكم الديكتاتور معمّر القذافي في نهاية العام 2011، وانفراط عقد الجيش، الذي حل محله العديد من الميليشيات المسلحة، بعضها مناطقي وقبلي وإسلامي متطرف. واندلعت أعمال قتال بين بعض هذه الميليشيات في مدينة بنغازي وطرابلس العاصمة منذ نحو شهرين، وأدت إلى تدهور مؤسسات الدولة، وإنهيارها بشكل شبه كامل. واستهدفت المنازل والمدنيين. وصار الوضع مصدر قلق للجميع. وقالت بعثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن الميليشيات المتصارعة تمارس "القصف العشوائي بشكل متكرر للمناطق المكتظة بالسكان، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين، بمن فيهم الأطفال".

وحذرت البعثة الأطراف المتنازعة من الوقوع تحت طائلة القانون الدولي، بالتورط في جرائم حرب، وقالت في بيان لها: "نود تذكير جميع الأطراف المنخرطة في النزاع بأنه وفقًا للقانون الدولي تُعتبر الهجمات العشوائية جرائم حرب، وكذلك الاعتداءات على المدنيين والأهداف المدنية، مثل المطارات – إلا إذا تم استخدام هذه المنشآت المدنية لأغراض عسكرية. كما يُعتبر التعذيب كذلك جريمة حرب. ويمكن محاكمة المرتكبين المباشرين لأي من هذه الجرائم في ليبيا وكذلك القادة الذين أمروا بها أو لم يقوموا بإيقاف ارتكاب هذه الجرائم، ويمكن أن تندرج هذه المحاكمات ضمن صلاحية المحكمة الجنائية الدولية. ولا ينبغي أن يكون هناك إفلات من العقاب".

تعيش ليبيا مرحلة "اللادولة"، ورغم أن الحل الأمثل للقضاء على الفوضى هو نزع سلاح الميليشيات، إلا أنه من الصعب تنفيذه، لاسيما في ظل إصابة مؤسسات الدولة، وخاصة الجيش بحالة سيولة.

وقال اللواء عبد الرحمن سعيد، الخبير في الشؤون العسكرية، لـ"إيلاف" إن الحل الأمثل لانتشال ليبيا من مستنقع الفوضى يتمثل في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش، والشرطة. وأضاف أن ليبيا في حاجة إلى إقامة دولة بالمعنى المتعارف عليه، وأن تتمتع مؤسساتها بالاستقلالية بعيدًا عن القبلية أو العرقية أو النزعات السياسية.

ولفت إلى أن إعادة بناء الجيش هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار، ونزع سلاح الجماعات المسلحة. ولفت إلى أن صلابة الجيشين المصري والتونسي، هما ما حمى الدولتين من الإنهيار واللحاق بمصير ليبيا. ونبّه إلى أن الفوضى التي يعيشها العراق جاءت نتيجة حل الجيش العراقي في العام 2003 على أيدي الحاكم الأميركي بول بريمر، ثم إعادة بناء جيش جاء على أسس طائفية، وبناء مؤسسات الدولة أيضًا على أسس طائفية.

مصر تدعم حفتر
ويدعو اللواء خليفة حفتر، قائد أحد الفصائل المسلحة المعروفة باسم "الجيش الوطني"، إلى ضرورة إعادة بناء الجيش، ويقول إنه يخوض حربًا ضد الميليشيات الإسلامية المتطرفة، ويدعو أطرافاً دولية وعربية، ومنها مصر، برئاسة عبد الفتاح السيسي، إلى دعمه، وترى أصوات مصرية، أن الحل الأمثل للقضاء على الفوضى في ليبيا يأتي بدعم قوات حفتر.

وقال اللواء حسام سويلم، الخبير العسكري، لـ"إيلاف" إن الحلول الواقعية تتمثل في وجوب دعم قوات حفتر فعليًا بوسائل مباشرة وغير مباشرة حتى تتمكن من السيطرة على الوضع، وخاصة في المنطقة الشرقية، التي تشكل تهديدًا لمصر، مشيرًا إلى ضرورة تنسيق الدول المحيطة بليبيا في ما بينها، خاصة الجزائر، من أجل مواجهة العدو المشترك المتمثل في الإرهاب، وتبادل المعلومات الإستخباراتية والتضييق على الإرهابيين، وكذلك التعاون مع دول جنوب البحر المتوسط، مثل إيطاليا وأسبانيا واليونان، لإشراك المجتمع الدولي في مواجهة هذا الإرهاب، ومحاولة إنقاذ الدولة الليبية.

ويستبعد أن تكون هناك أية أوجه للدعم المصري الموجّه لحفتر في المرحلة الراهنة، وقال إنه في الوقت نفسه فإن مصر لديها الحق في حدودها وأراضيها، ومنها التدخل العسكري.

تحاول مصر دعم الحكومة الليبية في الظروف الراهنة، ومن المقرر أن تستضيف القاهرة الاجتماع الوزاري الثالث لدول جوار ليبيا في نهاية شهر أغسطس/ آب الجاري، لمتابعة الخطوات المتعلقة بدعم ليبيا بشكل جماعي. وترأست مصر اجتماعًا على مستوى كبار المسؤولين في وزارة الخارجية يوم 6 أغسطس الجاري لتوثيق العمل السياسي المنبثق من إجتماعات دول الجوار، والذي أعدّ تصورًا لأساليب مساعدة الأشقاء في ليبيا خلال المرحلة المقبلة.

وفد مصري للتهنئة
وزار وفد مصري ليبيا اليوم، الإثنين 11 أغسطس/ آب الجاري، وترأسه السفير محمد بدر الدين زايد مساعد وزير الخارجية لشؤون دول الجوار، ويضم محمد أبو بكر سفير مصر في ليبيا، والشيخ محي الدين عفيفي ممثلًا عن شيخ الأزهر، ووكلاء وزارات الكهرباء والتموين والصحة.

ويلتقي الوفد عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي المنتخب، ويقدم التهنئة إليه باسم مصر للشعب الليبي على انتخاب برلمانه الجديد متمنين النجاح والتوفيق لليبيا الشقيقة في استكمال بناء مؤسسات الدولة بهدف إعادة الاستقرار إلى البلاد.

وقالت وزارة الخارجية في بيان لها، إن مساعد وزير الخارجية محمد بدر الدين، أكد على ثوابت الموقف المصري تجاه ليبيا، وأهمها الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي الدولة الليبية، ورفض أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية. وشدد على ضرورة وقف العنف وبدء حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية التي تنبذ العنف. وأضافت أن الوفد بحث سبل دعم الدولة الليبية في مختلف المجالات، سواء على الصعيد السياسي والأمني أو في مجال نشر الخطاب الديني المعتدل، وذلك في سياق الدعم الذي تحرص الحكومة المصرية على تقديمه إلى الشعب الليبي الشقيق في هذه المرحلة التي يمر بها عقب ثورة 17 فبراير.

&