تتحدث السلطات البيئية الاميركية عن التخلص من 12 مليار ليتر من زيت الطبخ المحروق سنويًا كنفايات، لكن عالمًا أميركيًا نجح في تحويل بعض هذا الزيت المحروق إلى اسفلت.


ماجد الخطيب: يبحث العلماء عن بديل بيئي للصناعة النفطية، التي تعتمد عليها صناعة مواد تمتد بين البلاستيك والاسفلت. وما يعتبر ترفًا وضارًا بالبيئة مثل نفايات زيت الطبخ يمكن أن يصبح البديل الطبيعي لانتاج الاسفلت، بدلًا من النفط الخام.
استطاع الباحث الاميركي ومهندس البناء هايفنغ وين، من جامعة واشنطن، تحويل بقايا الزيت المحروق من نفايات ضارة إلى نفايات نافعة، ونجح في انتزاع موافقة السلطات الأميركية على تبليط رقعة من أحد الشوارع السريعة بالاسفلت البيئي، الذي استمده من زيت الطبخ.
&
مادة ربط
خلط وين نفايات زيت الطبخ مع الرماد الكربوني المتطاير من مفاعلات إنتاج الطاقة من الفحم، ثم عرّضهما لدرجات حرارة وضغط عاليين بغية الحصول على اسفلته الجديد.&
يستخدم القار الأسود، وهو المادة الناتجة عن عملية تحويل النفط الخام إلى بنزين أو كيروسين أو زيت محركات، كمادة رابطة بين مكونات المادة التي تبلط بها الطرقات (الاسفلت).
ويقول وين إن القار الأخضر، الذي استمده من زيت الطبخ المحروق، يحمل نفس مواصفات القار المستخرج من النفط الخام، إضافة إلى انه رئيف بالبيئة وأطول عمرًا من أفضل أنواع الاسفلت السائدة في السوق، وهذا يعني أن تحويل زيت الطبخ المستهلك إلى قار يضرب عصفورين بحجر، التخلص من أطنان من نفايات الزيت المحروق التي تلقى عادة في أحواض المطابخ وتتسلل إلى دورة المياه الطبيعية، وتقليل استهلاك القار الذي قد تلوث مواده المتطايرة الجو.&
&
مواصفات أفضل
أدت عملية تسخين الزيت المحروق إلى درجة عالية، وتحت ضغط معين، إلى تحويل الدهون غير المشبعة فيه إلى سلاسل طويلة من الجزيئات الزيتية التي كونت مع الرماد الكربوني كتلة لزجة لاتختلف عن القار إلا باللون.
وكان لون القار المنتج من زيت الطبخ رمادي اللون، إلا انه أفضل من القار في العديد من المواصفات الفيزيائية، فهو أسرع تصلبًا مع الحجر المستخدم في التبليط، كما أنه أكثر تحملًا للظروف المناخية، وبالتالي أطول عمرًا من الاسفلت الاعتيادي. ويقول وين انه عرض الاسفلت البيولوجي لشروط مخبرية مختلفة وقاسية، من ضغط وحرارة وثلج ورطوبة، فكانت قدرته على التحمل كبيرة.
يخطط وين في صيف العام الجاري لتبيلط مسافة 400 متر، من أحد الشوارع في واشنطن، بالاسفلت البيئي. وسينتظر العلماء مرور الشتاء أيضًا للتأكد من مدى صمود الاسفلت للظروف الطبيعية المختلفة. يقرر وين وزملاؤه بعدها ما إذا كان الاسفلت المستمد من زيت الطبخ المحروق سيحتاج إلى مزيد من التطوير أم لا قبل بيعه في السوق.
&
من القش&
زيت الطبخ المستهلك ليس البديل الوحيد لإنتاج الاسفلت البيئي، لأن الهولنديين نجحوا في تحويل مادة ليغنين، المتواجدة في جدران النباتات الخضراء، إلى اسفلت.
جرى ذلك في مركز كينيز اسفلت في مدينة فينلو الهولندية الحدودية مع ألمانيا بالتعاون مع معهد واغننغن وشركة "أي فور" من مدينة سوليسكيل. واستخدم العلماء القش، الذي تكثر فيه هذه المادة، لانتاج القار الطبيعي الذي حل محل القار النفطي في إنتاج الاسفلت الرئيف بالبيئة.
وذكر علماء مركز كينيز أن الاسفلت المنتج بهذه الطريقة أطول حياة من الاسفلت الاعتيادي. فضلًا عن ذلك، ثبت مخبريًا أن يقلل الاحتكاك بين عجلات السيارة والطريق، ويؤدي بالتالي إلى تقليل انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون من السيارة، كما أنه يقلل الضجيج الناجم عن الاحتكاك أيضًا.
ونالت شركة أي قور إجازة تبليط كيلومتر كامل من أحد الطرقات السريعة في هولندا بالاسفلت المستمد من القش.
&
الألمان يفضلون التدوير
يمكن للاسفلت الطبيعي أن يحل مشكلة كبيرة في البناء لو نجح العالم في إنتاجه على نحو واسع. ويدخل الاسفلت الاعتيادي في بناء 95% من الشوارع والطرق في بلد متقدم مثل ألمانيا، حيث يجري انتاج 50 مليون طن منه سنويًا.
إلا أن العلماء الألمان يسعون إلى التخلص من عواقب مشكلة استخدام الاسفلت عن طريق التدوير، وينهجون بالتالي نهجًا يختلف عن نهج زملائهم الاميركيين والهولنديين.
وتشير إحصائية وزارة البيئة الاتحادية إلى أن 80% من الأسفلت الذي يغطي شوارع ألمانيا حاليًا هو اسفلت مدور يستخدم للمرة الثانية في البناء. وبالتالي، فنسبة 20% فقط من اسفلت الشوارع المقلوع أو المرمم يذهب إلى النفايات، في حين يذهب الجزء الأعظم إلى شركات تتخصص بتدوير الاسفلت.
&
إسفلت هامس
رغم نسبة التدوير الجيدة المذكورة، تعمل جامعة براونشفايغ التقنية على تطوير طريقة لتدوير الاسفلت، تضمن الاستفادة من 90% من الاسفلت المستعمل في ألمانيا. وطغت منذ أكثر من عشر سنوات في ألمانيا طريقة تبليط الطرق بالاسفلت "الهامس"، من إنتاج معهد فراونهوفر الألماني، وهو اسفلت من عدة طبقات يقلل الضجيج الصادر عن عجلات السيارات، كما انه يسرب ماء المطر 100% إلى الأرض.
استخدم القار قبل 1200 سنة من ميلاد المسيح في البناء ونحت التماثيل وصناع الأواني في بلاد الرافدين، حيث يطفو القار إلى السطح اعتياديًا من الأرض الغنية يالبترول. استخدمه السومريون في طلي زوارقهم لجعلها منيعة على الماء، وكمادة عازلة في البناء، وكمادة لزجة للصق الطابوق ببعضه بدلًا من السمنت عند بناء البيوت. وثبت من الفحوصات الجيولوجية أن القار استخدم في بناء سور الصين، ويقال إنه استخدم في بناء الجنائن المعلقة في بابل.
&