لندن: ذات ليلة من شهر ايلول (سبتمبر) عام 1846، كان فلكي ألماني أول من رصد مباشرة الكوكب "نبتون" ولكنه لم ينل اعترافا كاملًا باكتشافه فور الإعلان عنه.

وكان مدير "مرصد برلين" يوهان فرانتس اينكة أمضى ليلة 23 ايلول (سبتمر) من ذلك العام في العمل مع مساعده. ففي وقت سابق من ذلك اليوم تلقى اينكة رسالة من عالم الرياضيات والفلكي الفرنسي اوربان لوفيريي، يقول له فيها انه على اقتناع بأن هناك كوكبًا ثامنًا في المنظومة الشمسية، لافتًا الى ان هناك خللًا في مدار الكوكب "اورانوس".&
وأثبت لوفيريي، قبل عام على رسالته، أن كل النظريات المتداولة لا تفسر عدم انتظام مدار اورانوس، مؤكدًا بأن كوكبًا آخر يتدخل في مداره، وبحلول حزيران (يونيو)، حدد لوفيريي موقع الكوكب المتوقع. وفي 31 آب (اغسطس) قدم مذكرة الى أكاديمية العلوم في باريس، يتحدث فيها بالتفصيل عن كتلة الكوكب المتوقعة.

"لوفيريي" شعر بالإحباط، لأنه لم يتمكن من إقناع الفلكيين الفرنسيين بأخذ بحثه عن الكوكب الغامض على محمل الجد، فأرسل ما اكتشفه الى "اينكة" في مرصد برلين بتاريخ 23 ايلول (سبتمبر).
وقالت الفلكية في مرصد فيلهلم فورستر في برلين، سوزان هوفمان، إن عيد ميلاد اينكة كان في 23 ايلول (سبتمبر) عام 1846 وكان عليه ان يقيم حفلة بالمناسبة يدعو اليها اشخاصا مهمين في برلين. لذا نقل ايكنة مهمة البحث عن الكوكب الذي تحدث عنه لوفيريي الى مساعده يوهان غوتفريد غاليه.&
واوضحت هوفمان ان اينكة كان رياضيًا أكثر منه راصدًا، ولعل هذا هو السبب في تكليف "غاليه" بأخذ التلكسوب تلك الليلة، وكان غاليه مساعد اينكة منذ العام 1835.
وبعد ان تسلم "غاليه" أوامر "اينكة"، بدأ العمل في المرصد بمساعدة الطالب في جامعة برلين هاينريش لويس داريست، وكان "لوفيريي" قد أعطى توجيهات عن موقع "نبتون" وشاءت الصدف ان تكون هناك خرائط لتلك المنطقة من السماء، أعدها فلكيون في مرصد برلين.
وقالت الفلكية هوفمان لموقع "لوكال" الاخباري، أن "غاليه" كان يعرف كل نقطة في تلك المنطقة. وبعد أقل من ساعة على شروعه في البحث عن الكوكب، حوالي الساعة الحادية عشرة ليلًا، اكتشف "غاليه" كوكبًا له مدار بين النجوم الساكنة على بُعد أقل من درجة عن الموقع الذي توقعّه "لوفيريي".

خلاف حول هوية المكتشف
بعد اكتشاف "نبتون"، اندلعت سجالات كثيرة حول منّ اكتشف الكوكب حقًا، إذ لم يكن لوفيريي الوحيد الذي تنبأ بوجوده، ففي عام 1845 عمل الفلكي في جامعة كامبردج جون كاوتش آدمز على تحديد موقع الكوكب الذي كان يؤثر في مدار "اورانوس".
في البداية كانت توقعات "آدمز" موضع اهتمام، ولكن عندما سمع الفلكي البريطاني جورج ايري بتوقعات الفرنسي لوفيريي أدرك ان العالمين يبحثان عن كوكب واحد، كما ان جيمس تشاليس، مدير مرصد كامبردج، كُلف بالبحث عن "نبتون" قبل "لوفيريي".
بدأ البريطانيون البحث عن "نبتون" في 29 تموز (يوليو) ولم يدرك "تشاليس" أنه وجد "نبتون" إلا بعد أن اكتشفه مرصد برلين في 23 ايلول (سبتمبر). ويالتالي، فان "تشاليس" رصد الكوكب في 8 آب (أغسطس) لكنه لم يعترف به لأنه لم تكن بحوزته خرائط حديثة عن النجوم.
ورغم الجدالات المريرة بين البلدين فان "آدمز" نفسه اعترف بفضل الفلكي الفرنسي في اكتشاف الكوكب.

ولكن ما هو دور الالماني غاليه وموقعه في ذلك كله؟
قالت الفلكية هوفمان "ان لوفيريي كان الحاسب الذي وضع فرضية صحيحة في حين أن غاليه هو الذي صوب التلسكوب نحو السماء". ولم تكن مهمة غاليه سهلة حين تعرف على تلك النقطة بأنها الكوكب "نبتون".
ولكن حسابات لوفيريي البارعة جعلت اكتشاف الكوكب في 24 ايلول (سبتمبر) 1846 "أول اكتشاف حقيقي من نوعه"، بحسب هوفمان، التي أوضحت "ان هذه كانت المرة الأولى، ليس في تاريخ علم الفلك فحسب بل في تاريخ العلم كله، التي يجري فيها توقع شيء في الطبيعة بهذه الدقة" موكدة بأن "أحدًا لم يكن يعرف بأن نبتون موجود حقًا".
هوفمان أكدت بأن هذا الاكتشاف هو شهادة واضحة على الدور البحثي القيادي للمؤسسات الفلكية في برلين،& وأضافت: "برلين كانت مركز عمليات الرصد الفلكية حينها، ومرصدها كان افضل مرصد في اوروبا وربما في العالم برمته". مشيرة إلى أن رسم خرائط تلك المنطقة من قبل فلكيّي برلين كأنت أفضلية تُسجل لهم،& معتبرة بأن كل ذلك "كان في الزمان والمكان المناسبين".

&&&&&&

&