عبدالباقي خليفة: مر عام على الانتخابات البرلمانية التونسية، التي جرت في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2014، والتي فاز فيها حزب نداء تونس بالمرتبة الأولى (86 مقعدا) يليه حزب حركة النهضة (69 مقعدا)، وحصل الحزب الثالث، وهو، الحزب الوطني الحر، على 17 مقعدًا، وتقاسمت بقية الأحزاب البرلمانية، ما تبقى من الرسم البياني لتشكيلة مجلس نواب الشعب (البرلمان)، وقد شهدت هذه الفترة تراجعًا في حرية الصحافة، وفق مراقبين، ضم تقرير لجنة حماية الصحافيين، الدولية، شهاداتهم.&

مشاريع تقييد الإعلام
عام مضى على الإنتخابات البرلمانية التونسية.. عام تراجعت فيه نسبة الحريات الصحافية، تحت وطأة العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد، في أعقاب العمليتين "الإرهابيتين" في كل من باردو وسوسة، واللتين أسفرتا عن مقتل 60 شخصًا، معظمهم من الأجانب.

بيد أن "الإرهاب" الذي اتخذ حجة لكبت الحريات الصحافية، لا يعد مبررًا لدى المنظمات المدافعة عن الحريات، والتي ترفض اتخاذ "الإرهاب" مشجبًا لقمع الاعلام والحد من الحريات، بل تعتبر المزيد من الحريات يصب في مصلحة محاربة "الإرهاب"، والكبت والقمع والمنع والاضطهاد يزيد من حدته.

وقال منسق لجنة حماية الصحافيين الدولية، شريف منصور، لـ"إيلاف": "نقوم بمتابعة حرية الصحافة في تونس، والمنطقة العربية، ووثقنا قضايا الصحافيين الذين تعرضوا للاضطهاد في عهد بن علي، ومنذ 2011 قمنا بتقويم حيني لتطور الأوضاع، وأشدنا بالتطور الحاصل في البلاد على مستوى الحريات، وقمنا بتقويم الدستور الجديد، ورحبنا بالمواد التي تحدثت عن حرية الصحافة، وهي غير مسبوقة في البلاد العربية، ولكن في الأشهر الماضية صدر العديد من الشكاوى من قبل الصحافيين، الذين تعرضوا للمضايقات الأمنية".

وأعرب منصور عن تمنياته لتونس بنجاح الانتقال الديمقراطي، لتكون نموذجًا للدول المجاورة، حيث أبهرت تونس العالم، "لا سيما أن كمية التراجع لا تقارن بنظيرتها في مصر، ونود أن لا تحذو تونس حذوها".

وطالب منصور، الحكومة التونسية بتعزيز الحريات الصحافية، لا التراجع عنها، ومن ذلك إلغاء مشروع قانون، تجريم الاعتداء على القوات الأمنية والعسكرية، وإلغاء مشروع قانون الإرهاب، والاعتراف بحق الصحافي في التحفظ على مصادره، وتجريم الاعتداء عليه، على غرار بقية موظفي الدولة، وتمكينه من حقوقه المادية والمعنوية.

انتهاكات ضد الصحافيين
من جهتها، تحدثت معدة تقرير، لجنة حماية الصحافيين، الدولية، صفاء بن سعيد، عن الانتهاكات التي طالت الصحافيين، لا سيما أثناء تغطيتهم للتظاهرات، والاحتجاجات الإجتماعية والنقابية، مثل الاحتجاج الذي نظمته فعاليات عدة من المجتمع المدني، ضد مشروع قانون المصالحة الإقتصادية، والذي يعفي رجال الأعمال المتهمين بالفساد من المحاسبة، والاستعاضة من ذلك بترضيات، كقيامهم ببعض المشاريع التنموية في الجهات المحرومة، وكانت تلك الفعاليات تحت شعار، لن أسامح (مانيش مسامح). وقد وصلت تلك الاعتداءات إلى درجة "تحطيم كاميرات التصوير، والاعتداء على الصحافيين"، على حد قول بن سعيد.

ونددت بن سعيد، بما وصفته الإفلات من العقاب، حيث لم تتم محاسبة الأمنيين، الذين قاموا بالإعتداء على الصحافيين، وهي شهادة الكثير من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، مثل هيومن راتس ووتش، والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، والمرصد الوطني للحريات، وغيرها.

وأشارت إلى اختفاء الصحافيين التونسيين، نذير القطاري، وسفيان الشورابي، اللذين اختطفا في ليبيا، حيث كثرت الشائعات حولهما، ولم تبذل الحكومة الجهد اللازم لمعرفة مصيرهما.

الحرية أهم مكسب
عضو هيئة الأمناء، في لجنة حماية الصحافيين، الدولية، محمد كريشان، أشار في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن موقف اللجنة على مسافة واحدة من الجميع،" لا نريد أن نقدم صورة قاتمة، وإنما نريد لفت الانتباه إلى بعض المشاكل التي تشغل المهتمين بقضايا الحريات، إذ إن الحرية هي أهم مكسب حصل عليه التونسيون بعد 14 يناير 2014، وهو ما يتطلب حمايتها ودعمها".

وتابع" المنظومة القديمة، تظن أن مرحلة الحريات محطة، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، وهذا ما يوجب التصدي لهذه النزعة، حتى لا تعود عجلة التاريخ إلى الخلف، وإنما تمضي إلى الأمام بترسيخ قيم الحرية، وفي مقدمها حرية الصحافة والاعلام".

وأردف إن "محاربة الإرهاب يجب ألا تكون على حساب الحريات، ولا بد من تزويد الصحافيين بوسائل الحماية، وإخضاع المسؤولين عن الانتهاكات للمساءلة". وأعرب عن تضامنه مع الصحافيين التونسيين المخطوفين في ليبيا سفيان الشرابي ونذير القطاري. وأكد أن خطر رأس المال على الإعلام، أكبر من الخطر السياسي المجرد، ولا بد من توفير الغطاء المادي والمعنوي للصحافيين حتى لا يسقطوا في خدمة أجندات هذا أو ذاك".

حماية شاملة
روبرت ماهوني، نائب مدير لجنة حماية الصحافيين، الدولية، دعا الصحافيين إلى كتابة تقارير عن الانتهاكات التي تطالهم، أو تطال زملاءهم، وتسليمها إلى المنظمات المدافعة عنهم، لتكون لديها صورة واضحة عن واقع الحريات في بلدهم.

وواصل قائلا: "هذا ما قمنا بفعله منذ 43 سنة، نحن نريد العمل على ضوء المعطيات، وليس مجرد كتابة تقارير، لأنه يجب التشهير بممارسي التعذيب واضطهاد الصحافيين، وقد قمنا باصدار بيانات عن الخروقات التي تمت في دول كثيرة في العالم، وكان لوقوفنا صدى ونتائج ايجابية، ونحن نقوم بحماية الصحافيين أينما كانوا".
&