بقي حزب العدالة والتنمية في صدارة الفائزين في انتخابات تركيا البرلمانية، لكنه الخاسر الأكبر، إذ يقف اليوم على هاوية التصدع.

بيروت: خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أغلبيته البرلمانية، ونال حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد، وهو الحزب الجديد المفضّل لدى مؤيدي الديمقراطية التركية والليبراليين، 13,1% من الأصوات.

أرقام ونسب

انتهت الانتخابات التركية إلى النتائج الآتية: 258 مقعدًا لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، بنسبة 40,9%، و132 مقعدًا لحزب الشعب الجمهوري بنسبة 25%، و80 مقعدًا لحزب العمل القومي التركي بنسب 16,3%، و80 مقعدًا لحزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد بنسبة 13,1%. وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات مرتفعة وصلت إلى 86% من الناخبين، ما يعني زيادة 3% من الناخبين في هذا العام، مقارنة بنسبة 83,16% في الانتخابات العامة في العام 2011.

في انتخابات 2011، حصل حزب العدالة والتنمية على 327 مقعدًا، بنسبة 49,83% من الأصوات، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على 135 مقعدًا بنسبة 25,98%، وحزب العمل القومي على 53 مقعدًا بنسبة 13,01%. ولم يكن حزب الشعب الديمقراطي موجودًا حينها، وتم انتخاب 35 عضوًا من المستقلين الموالين للأكراد.

فائز وخاسر

لا بد من الاعتراف بأن الفائز هذا العام هو حزب الشعب الديمقراطي، والخاسر هو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه، خصوصًا أن الانتخابات كانت بمثابة الاستفتاء على رئاسته، بحسب ما يقول تقرير نشره موقع "مونيتور" بعنوان "ماذا بعد الانتخابات في تركيا؟". فقد تم انتخاب إردوغان لهذا المنصب قبل أقل من عام مضى وحصل على نسبة 52% في الجولة الأولى، وخاض حملة شرسة لتعديل الدستور وتوسيع صلاحياته التنفيذية من خلال إنشاء نظام رئاسي في تركيا.

وقال صلاح الدين دميرتاش، النجم الكردي الصاعد في الساحة السياسية التركية، في خطاب الفوز: "انتهى النقاش حول النظام الرئاسي وحول الديكتاتورية وتجنبت تركيا كارثة كانت على وشك الحصول". فردّ مناصرون موجهين الهتاف لإردوغان: "منعناك من أن تكون رئيسًا".

كان إردوغان وحزبه يسعيان للحصول على 400 مقعد، ثم خفض سقف آماله إلى 330 مقعدًا، عدد المقاعد اللازم لإجراء استفتاء على تعديل الدستور. وفي الأسابيع الأخيرة، تنازل إلى عتبة 276 مقعدًا، الحد الأدنى المطلوب لتشكيل حكومة الحزب الواحد.

خسارة مرّة

لكن... النتيجة واضحة. يقول تقرير "مونيتور": "لم يخسر حزب العدالة والتنمية 10% فقط من مكانته البرلمانية السابقة، لكنه خسر نحو 70 مقعدًا، وعجز عن الحصول على 18 مقعدًا، العدد المطلوب لتشكيل حكومة الحزب الواحد. وللمرة الأولى منذ 2002، خسر حزب العدالة والتنمية، الذي فاز بفارق ضئيل في 2007 و2011، خسر حقه في تشكيل الحكومة وحده من دون الدخول في متاهات الائتلافات".

كانت هذه انتكاسة كبيرة لإردوغان وحزب العدالة والتنمية، لكنها حثتهما على التفكير في ما هو آت، في ظل عدم إمكانية تكوين حكومة حزب واحد. يجب أن يحصل ائتلاف الأحزاب على الثقة البرلمانية، بينما الخيار الآخر هو تشكيل حكومة أقلية، إذا توافر إجماع داعم لذلك. وبموجب الدستور التركي، يمكن للرئيس الدعوة لانتخابات جديدة في حال فشل الأحزاب في تشكيل الحكومة ونيل الثقة في 45 يومًا. ويجب إعادة الانتخابات خلال ثلاثة أشهر من تلك الفترة.

لكن في جعبة إردوغان أوراق قد يضطر مجبرًا على استخدامها، خصوصًا أن إعادة الانتخابات سلاح ذو حدين بالنسبة إليه وإلى حزب العدالة والتنمية، فلا شيء مضمون بعد الآن، وبعد التبدل في المزاج العام التركي.

تصدّع الحزب

تؤشر نتائج الانتخابات إلى توازن تركي جديد لن يتغير في ثلاثة أشهر. وإذا تغير فليس ما يضمن ألا يأتي التغيير على حساب إردوغان وحزبه، بعدما أدركت الأحزاب التركية أن إردوغان ليس الرجل الذي لا يُقهر، وحزب العدالة والتنمية ليس الحزب الذي لا يُهزم.

ويلفت التقرير إلى أن إحدى نتائج هذه الانتخابات هي إجراء نقاش داخلي في حزب العدالة والتنمية، خصوصًا أن خطاب النصر الذي قدمه إردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة لم يكن مُقنعًا، مع وقوف كل أركان الحزب مكفهري الوجوه مطأطئي الرؤوس خلفه.

ويستذكر التقرير أن أوغلو قال في 9 أيار (مايو): "إذا لم يفز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات بأغلبية برلمانية، فإنّي سأستقيل". كما يشير إلى جدل واسع قد يشق حزب العدالة والتنمية حول عودة عبد الله غول، الرئيس السابق ومؤسس الحزب، إلى صفوفه، وإلى ابتداء لعبة تبادل الملامة في ردّ الهزيمة إلى إردوغان نفسه أم إلى خليفته غير المناسب داود أوغلو. هذا التصدع في حزب العدالة والتنمية يقلل من حظوظ الحزب في النجاح بتشكيل حكومة أقلية مع وجود أوغلو في الحكم، حتى لو بقي في الحزب.

مخارج قليلة

ما زال مبكرًا معرفة خطوة إردوغان التالية. فللمرة الأولى منذ أشهر لا يظهر الرئيس التركي علنًا، رغم أنه كتب بيانًا متزنًا في اليوم التالي للانتخابات. وما زال مبكرًا أيضًا معرفة إن كان سيدفع نحو تغيير في قيادة الحزب، أو إذا كانت هذه القيادة ستتمرد عليه. إلا أن هذه احتمالات لا يمكن استبعادها.

اقترح بولنت أرينج، نائب رئيس الحكومة، في 8 حزيران (يونيو)، أن تشكّل أحزاب المعارضة الثلاثة، أي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعب الديمقراطي، حكومة ائتلافية.

ومع ذلك، ربما من غير قصد، أعلن دولت بهجلي، رئيس حزب العمل القومي، ليلة الانتخابات أنّ حزبه سيبقى بعيدًا عن أي ائتلاف، واقترح تحالفًا بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعب الديمقراطي بدلًا من ذلك، مع تأكيده الاستعداد للمشاركة في انتخابات مبكرة. واستبعدت قيادة حزب الشعب الديمقراطي اشتراك الحزب في أي تحالف أو تقديم أي دعم لحزب العدالة والتنمية. لذا تبدو فكرة عدم وجود ائتلاف يضم حزب الشعب الديمقراطي وحزب العمل القومي واقعية تمامًا.

ومن المبكر ايضًا مناقشة تحالفات أخرى، أكانت بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية، أو بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العمل القومي أو حزب الشعب الديمقراطي. فحزب العدالة والتنمية يقف على مشارف أزمة داخلية، وهو يتراجع مضطربًا. لذلك، يبدو التحالف معه اليوم كقبلة العنكبوت القاتلة بالنسبة إلى أحزاب صاعدة أو إلى حزب الشعب الجمهوري الذي وإن لم يحصل على مكاسب كبيرة إلا أنه بقي مستقرًا في المعادلة السياسية التركية المعقدة.

وهكذا، تشير كل الدلائل إلى دخول تركيا في أزمة سياسية تكثر فيها التعقيدات وتقل فيها المخارج.