وصفت صحيفة بريطانية الضوء الأخضر الأميركي لتركيا كي تضرب الأكراد بأنه خطأ فادح، بل هو الأفدح منذ قرار أميركا الخاطئ بدخول العراق في العام 2003.

بيروت: انتهى وقف النار الذي ساد عامين بين تركيا ومتمردي حزب العمال الكردستاني، بسبب مكمن نفذه متمردون أكراد في جنوب شرق تركيا أدى إلى مقتل جنديين تركيين، وذلك بعدما قصفت المقاتلات التركية قواعد للحزب المذكور في جبال قنديل، شمال العراق. كما أصيبت آلية عسكرية تركية على طريق قرب مدينة ديار بكر الكردية في انفجار قنبلة تلاه إطلاق نار، ما أدى إلى إصابة أربعة جنود في الهجوم، الذي أتى ردًا على غارات تركية مكثفة على جبال قنديل السبت، وهذه الغارات جزء من هجوم تركي مكثف ومزدوج ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) في آن واحد.

الخطأ الأميركي الأفدح

لكن، تقول صحيفة "إندبندنت" البريطانية إن هذا الهجوم يأتي كذلك بعد اتهام كردي لأميركا بإعطائها ضوءًا أخضر للهجوم التركي على بي كي كي، ثمنًا لتمكن المقاتلات الأميركية من استخدام قاعدة انجرليك الجوية التركية في غاراتها على قواعد داعش في سوريا.

ونقلت الصحيفة عن كامران قره داغي، المعلق العراقي الكردي ورئيس سابق لأركان الرئيس العراقي جلال طالباني، قوله: "الأميركيون ليسوا أذكياء، إذ لا يحسبون خط العودة، ويظنون أنهم لن يحتاجوا المساعدة الكردية إذا حصلوا على المساعدة التركية".

إلا أن الولايات المتحدة تنفي الاتهام الكردي. لكن، مهما أملت أميركا بأن يكون ظنها خطأ، فإن المؤشرات الأولية تشي بأن تركيا أكثر اهتمامًا بدحر بي كي كي في تركيا وسوريا والعراق من دحر داعش. وقد قالت أنقرة في وقت سابق إنها تعتبر بي كي كي وداعش إرهابيين على حد سواء.

وفي هذه الأثناء، كثف الأمن التركي قمع المعارضة، مستخدمًا خراطيم المياه ضد ناشطين وأعضاء من الطائفة العلوية في وقت واحد. واعتقل 1000 شخص ممن تظاهروا في أنقرة من أجل السلام.

وتقول الصحيفة إن أميركا قد تجد نفسها ساعدت، من دون أن تعلن ذلك، على زعزعة استقرار تركيا بإشراكها في الحرب في العراق وسوريا، من دون أن يقربها ذلك من هزيمة داعش في العراق وسوريا، وبذلك تكون أميركا قد ارتكبت أفدح خطأ لها في الشرق الأوسط، منذ غزو العراق في 2003، حين قدرت خطأً إمكان إسقاط صدام حسين وتنصيب حكومة موالية للولايات المتحدة محله.

استغلال قومي

تردّى الوضع في تركيا بشكل متزايد في خلال العامين الماضيين، بينما حاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تعزيز سلطته. وخسر حزبه، حزب العدالة والتنمية، أغلبيته البرلمانية في الانتخابات العامة التي عقدت في حزيران (يونيو) الماضي.

وبحسب "إندبندنت"، من التفسيرات المحتملة لهجوم تركيا على داعش وبي كي كي والجماعات المعارضة الأخرى، أن إردوغان يريد فوزًا ناصعًا في الانتخابات المبكرة المتوقع عقدها في وقت لاحق من هذا العام، مستغلًا الموجة القومية المعادية للأكراد والمؤيدة لمكافحة الإرهاب.

وتضيف الصحيفة: "إلا أن المشكلة التي تواجهها أميركا هي أن حليفها الأكثر فعالية ضد داعش في سوريا هو حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي)، الذي يتحكم بمصائر نحو 2,2 مليون كردي سوري، وهو وقواته شبه العسكرية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبمساندة جوية أميركية، تمكن من فك حصار داعش لمدينة عين العرب (كوباني)، وحقق سلسلة انتصارات ضد داعش، بما في ذلك استعادة معبر تل أبيض الحدودي المهم مع تركيا".

ازدواجية أميركية

وتلفت الصحيفة إلى ازدواجية الموقف الأميركي، إذ تتحالف واشنطن مع الأكراد في سوريا، بينما تدين منظمتهم الأم، حزب العمال الكردستاني، بأنها منظمة إرهابية.

وقال بن رودس، المتحدث باسم البيت الأبيض: "الولايات المتحدة تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، ولتركيا الحق في اتخاذ ما تراه مناسبًا من إجراءات متعلقة بضرب أهداف إرهابية"، ولم يضف أن أميركا زودت تركيا معلومات حول قواعد بي كي كي في العراق منذ العام 2007.

اكتسبت وحدات حماية الشعب الكردية خبرتهم العسكرية من القتال في صفوف بي كي كي ضد الأتراك، وهذا ما مكنهم من تحقيق النجاح ضد داعش، بالمقارنة مع المجموعات الأخرى. وتقول "إندبندنت": "في الواقع، قد تستفيد داعش من نقل أميركا بندقيتها من الكتف الكردية إلى الكتف التركية، فبعض مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا سيعودون الآن لمحاربة الجيش التركي، بدلًا من محاربة داعش".

الحلف المستجد

وتنقل الصحيفة البريطانية عن عمر شيخموس، الزعيم الكردي السوري المخضرم الذي يعيش في الخارج، قوله: "إن تورط تركيا أكثر أهمية بالنسبة إلى الأكراد منها بالنسبة إلى الأميركيين، عندما يتعلق الأمر بمكافحة داعش، ويبقى غير واضح إلى أي مدى ستشارك تركيا ضد داعش في سوريا، فأنقرة تقول إنها تريد إعلان منطقة عازلة خالية من مقاتلي داعش غرب كوباني، لكن في الوقت نفسه، قال نائب رئيس الوزراء، بولنت ارينج، في مطلع الأسبوع، أن تركيا لا تفكر باستخدام قوات برية".

قد يكون للتحول من جانب الولايات المتحدة تجاه تركيا والأكراد تداعيات أكثر على ميزان القوى في المنطقة. فالولايات المتحدة ستعزز قدرتها الهجومية الجوية ضد داعش، لأن قاعدة انجرليك تبعد 60 ميلًا فقط عن الحدود السورية.

ومن أهم أسباب التحرك الكردي هو كراهية أنقرة للحلف الذي قام فجأة بين أكراد سوريا والولايات المتحدة، حتى صاروا حلفاء واشنطن المدللين في المنطقة. كما قلقت أنقرة أيضًا من الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، الذي قد يجعل طهران أكثر أهمية من أنقرة في الحسابات الأميركية.

وترجح "إندبندنت" أن يزداد التسامح الأميركي مع الحرب التركية ضد بي كي كي، لكنها ستمنع الجيش التركي من الهجوم على الجيب الكردي في شمال شرق سوريا. وفي هذه الأثناء، قد يطلب بي كي كي الدعم من إيران ومن نظام دمشق، خصوصًا أنه كان على علاقات وثيقة مع هذين النظامين سابقًا.
&