قالت دار الافتاء المصرية إن فرض تنظيم داعش "الجزية" على المسيحيين يعتبر نهبا وسرقة لأموال الناس بالباطل، مشيرة إلى أن الدولة الحديثة تساوي بين المواطنين. بينما دعا الأزهر إلى الحوار بين الأديان لوقف الحروب وحل أزمة اللاجئين، معتبراً أن العالم صار أكثر حاجة من أي وقت مضى إلى الحوار بين الشعوب والأمم.

القاهرة: رفضت دار الإفتاء المصرية فرض تنظيم داعش الجزية على المسيحيين في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، معتبراً أنها "اتاوة". وقال مرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة، في تقرير له إن ما يقوم به داعش من فرض لما يدعيه كذبًا "بالجزية" على المواطنين المسيحيين في مدينة القريتين في ريف حمص الجنوبي الشرقي في سوريا ما هو إلا نهب منظم وسرقة لأموال الناس بالباطل ومحاولة دنيئة منه لشرعنة هذه السرقة وهذا النهب المنظم.

المواطنة

وأوضح أن الدولة في شكلها الحديث تقوم على مبادئ المواطنة وسيادة القانون والعقد الاجتماعي، فلم تعد تفرق بين مسلم وغير مسلم، والجميع سواسية أمام القانون، وكذلك متساوون في الحقوق والواجبات، لذلك لا فرق بين مسلم وغير مسلم في تحمل الأعباء أو نيل الحقوق، ومن ثم فلا يجوز فرض "جزية" على غير المسلمين بحجة حمايتهم أو احتفاظهم بدينهم، فمبادئ الدولة الحديثة لا تفرق بين مواطنيها في الخدمة العسكرية أو في القضاء وغيرها من الأمور، كما أنها لا تُكرهِ الناس على اعتناق دين بعينه مصداقًا لقول الله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256).

وأضاف مرصد الإفتاء أن مبدأ المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين متسق مع مقاصد الشريعة العليا ولا يتعارض مع مبادئ الإسلام في شيء، بل يمكن القول إن الإسلام قد دعا إلى ما تدعو إليه المواطنة الحديثة.

ولفت المرصد إلى أن فرض الجزية على أهل الذمة في بعض الحقب التاريخية كان مقابلة حماية أرواحهم وأموالهم وتأمينهم على ذلك، وقد كان الصحابة عندما يخافون الخطر على أهل الذمة يردون إليهم ذمتهم.
وحذر المرصد من إيذاء أهل الكتاب ومنهم المسيحيين.

جريمة منظمة

وأضاف المرصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم فقال: "من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا".

واستدل المرصد بإرسال الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة مكتوبا يوصيه فيه: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".

وأوضح مرصد الإفتاء أن ما يفعله التنظيم من إجبار للمواطنين المسيحيين على دفع "إتاوة" لضمان أمنهم وعدم الاعتداء عليهم هو بمثابة جريمة منظمة كتلك التي تقوم بها عصابات المخدرات والاتجار بالبشر والتي تقوم بإجبار الناس على دفع "إتاوات" لضمان أمنهم وعدم الاعتداء عليهم.

الحوار بين الأديان

وفي سياق متصل، دعا الأزهر إلى الحوار بين الأديان من أجل تحقيق السلام وانهاء الحروب في العالم، وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، محيي الدين عفيفي، في كلمة خلال الملتقى الدولي للحوار بين الأديان الذي عُقد في العاصمة الألبانية "تيرانا" تحت عنوان "السلام ممكن دائماً " "إن الأزهر الشريف يؤكد أهمية وضرورة الحوار بين أتباع الديانات لبيان المشتركات الإنسانية لأجل تحقيق التفاهم والتعايش السلمي بين الشعوب واحترام إنسانية الإنسان؛ بعد انتشار الحروب وما نتج منها من القتل وسفك الدماء، وضحايا المجازر البشرية من الرجال والنساء والأطفال، وملايين المشردين من اللاجئين الذين لا مأوى لهم".

وأضاف عفيفي أن "الحوار قد أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضي، بل أصبح ضرورة من ضرورات العصر، ليس فقط على مستوى الأفراد والمجتمعات، بل على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة؛ مشيراً إلى أنه من منطلق الأهمية البالغة للتعارف بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان ـ على الرغم من الاختلافات في ما بينها ـ كانت دعوة الإسلام إلى الحوار بين الأديان، وذلك لما للأديان من تأثير عميق في النفوس، ولقد بين الإسلام منهج الحوار بطريقة تحترم الآخر.

وتابع قائلاً: نظراً لما للدين من أثر عميق في النفوس، فإن الحوار بين الأديان لا يمكن أن يكتب له النجاح إلا إذا ساد التسامح بين المتحاورين، وحلّ محل التعصب المعتاد بين أتباع الديانات المختلفة. ومن أجل ذلك، يتسم& الموقف الإسلامي في أي حوار ديني بأنه موقف منفتح على الآخرين، ومتسامح إلى أبعد الحدود، فقد أقر الإسلام منذ البداية التعددية الدينية والمذهبية والثقافية، وصارت هذه التعددية من العلامات المميزة في التعاليم الإسلامية.

أوضح عفيفي أن قضية الحوار في الواقع قد أصبحت تشكل في عالم اليوم ضرورة من ضرورات العصر للتغلب على العديد من المشاكل الحياتية على جميع المستويات؛ وإذا كان هذا يعدّ أمراً ملحًّا في الأمور غير الدينية، فإن الأمر يبدو أكثر إلحاحاً في العلاقة بين الأديان، لما للدين من أثر لا يمكن تجاهله في حياة الناس أفراداً أو جماعات.

ومن أجل ذلك يقول عالم اللاهوت الألماني المعروف هانز كونج: "لن يكون هناك سلام بين الأمم ما لم يكن هناك سلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان ما لم يكن هناك حوار بين الأديان"؛ خاصةً وأننا نعيش اليوم في عصر لم يعد فيه مكان للانعزال والتقوقع حيث أصبح العالم مثل القرية الكونية. والحوار هو السبيل إلى بلوغ الهدف والوصول بالبشرية إلى برِّ السلام. فمستقبل الإنسانية جمعاء يتعلق بحلّ إشكالية التفاهم المتبادل بين الشعوب.

وأكد عفيفي أن التفاهم والتعايش لا يقومان بين طرفين مختلفين بالفكر والعقيدة، إلا إذا توافر لدى كلٍّ منهما رغبةٌ في العيش المشترك وتسامحّ حول الأُمور المختلف فيها وقبولٌ من الطرفين بالتعددية العقائدية. ولا يكفي أن يؤمن بالتعايش والتسامح طرفٌ واحد بينما يُنكر الطرف الآخر أو الأطرافُ الأخرى ذلك.

وبيَن العالم الأزهري أن الحياة المشتركة مع الآخرين تحتاج من جميع الأطراف فيها، قبولاً بتعايش فيه عدل ومساواة وسماحة، واحترامّ متبادّل من كل طرف للطرف الآخر وليس من التسامح في شيء الوقوف موقف المتفرج حيال الظلم والقسوة وغير ذلك مما يتعرض له أي إنسان أو شعب بصرف النظر عن عرقه أو لونه أو عقيدته.