الرباط: قال العاهل المغربي الملك محمد السادس ان العالم اليوم "في حاجة إلى قيم الدين لأنها تتضمّن الفضائل التي نلتزم بها أمام خالقنا رب العالمين والتي تقوي فينا قيم التسامح والمحبة والتعاون الإنساني على البرِّ والتقوى".

واضاف قائلا في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال المؤتمر حول "حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية.. الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة" التي انطلقت اليوم الاثنين في مراكش "إننا نحتاج إلى هذه القيم المشتركة، لا في سماحتها وحسب، بل في استمداد طاقتها من أجل البناء المتجدد للإنسان وقدرتها على التعبئة من أجل حياة خالية من الحروب والجشع، ومن نزعات التطرف والحقد، حيث تتضاءل فيها آلام البشرية وأزماتها تمهيدا للقضاء على مخاوف الصراع بين الأديان".

واوضح العاهل المغربي في هذه الرسالة التي تلاها أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية "إننا في المملكة المغربية لا نرى مبررا لهضم أي حق من حقوق الأقليات الدينية، ولا نقبل أن يقع ذلك باسم الإسلام، ولا نرضاه لأحد من المسلمين"، مؤكدا أنه "في اقتناعنا هذا، إنما نستلهم الفهم الصحيح لمبادئ الدين كما نستلهم تراثنا الحضاري وتاريخ هذه المملكة العريقة في التعامل النبيل بين المسلمين وبين غيرهم من أتباع الديانات".

ومضى الملك محمد السادس قائلا "إننا بوصفنا أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، نضع على عاتقنا حماية حقوق المسلمين وغير المسلمين على السواء، نحمي حقوقهم كمتدينين بمقتضى المبادئ المرجعية الثابتة ، ونحميهم كمواطنين بمقتضى الدستور، ولا نجد في ذلك فرقا بحسب المقاصد والغايات. ونحن في ذلك إنما نحرص على الاستمرار على ما درج عليه أسلافنا الأماجد".

وأضاف عاهل المغرب: "على هذا النهج نسير في تمكين المسيحيين المقيمين إقامة قانونية بالمغرب من أداء واجباتهم الدينية بمختلف طوائفهم وكنائسهم المتعددة. كما نعمل على تمتيع المغاربة اليهود بالحقوق نفسها المخولة للمسلمين بالدستور" ، مبرزا أن هؤلاء "ينخرطون في الأحزاب، ويشاركون في الانتخابات، ويؤسسون الجمعيات ويقومون بأدوار مشهودة في النشاط الاقتصادي، فلهم وجود في الاستشارة والسفارة لجلالتنا، ولهم داخل مجتمعنا مشاعر عميقة مشتركة".

وعلى صعيد آخر، أبرز الملك محمد السادس& أنه "كلما تأملنا مختلف الأزمات التي تهدد الإنسانية ازددنا اقتناعا بضرورة التعاون بين جميع أهل الأديان وحتميته واستعجاليته وهو التعاون على كلمة سواء قائمة لا على مجرد التسامح والاحترام بل على الالتزام بالحقوق والحريات التي لا بد أن يكفلها القانون ويضبطها على صعيد كل بلد".

وأضاف أنه لا يكفي مجرد التنصيص على قواعد التعامل بل إن الأمر يقتضي قبل كل شيء، التحلي بالسلوك الحضاري الذي يقصي كل أنواع الإكراه والتعصب والاستعلاء.

وزاد قائلا إن "تدبيرنا للشأن الديني في المغرب في الوقت الراهن، يجعل من أهدافه الأساسية منع العبث بتأويل النصوص الدينية، ولا سيما ما يتعلق منها بالجهاد الذي أصدر فيه علماؤنا بيانا قويا قبل أسابيع".

وخلص الملك محمد السادس الى القول إن تاريخ المغرب عرف نموذجا حضاريا متميزا في مجال تساكن وتفاعل المسلمين مع أهل الديانات الأخرى ولا سيما اليهود والنصارى، مشيرا إلى أنه من العهود المشرقة في تاريخ هذا التساكن ما أسفر عنه الالتقاء على صعيد بناء الحضارة المغربية الأندلسية، حيث ازدهرت بين مختلف الطوائف التجارات والصناعات والفنون وتبادل ثمرات الحكمة والفلسفة والعلوم.

ويأتي هذا المؤتمر الذي يقام في المغرب "أرض الاعتدال والوسطية، المنشغل بمستقبل الإنسانية وحقوق الإنسان وكذا التنوع الثقافي والديني"، حسب المنظمين، في سياق تتعرض فيه "الأقليات الدينية التي تعيش في بعض البلدان الإسلامية أحيانا وللأسف لممارسات تمس حريتهم الدينية وتتنافى مع التعاليم والمبادئ الأساسية للدين الإسلامي والمواثيق والمعاهدات الدولية".

ويشكل هذا اللقاء ،من جهة أخرى، فرصة للتأكيد على أن "هذه الأعمال وانتهاكات حقوق الأقليات الدينية تتعارض تماما مع روح السلم والاعتدال والعيش المشترك التي ميزت على الدوام وما زالت العلاقات بين مختلف مكونات المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة".

ويطمح المنظمون إلى أن يكون مؤتمر مراكش، الذي يتميز بتنوع ومستوى المشاركين، لحظة قوية لترسيخ روح الاعتدال ولاستدامة احترام حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية.

ويتضمن برنامج المؤتمر، المنظم من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومنتدى تعزيز السلم بالمجتمعات الإسلامية، على مدى ثلاثة أيام، عددا من الجلسات العامة تتناول، على الخصوص، "التأطير والتأصيل لقضية الأقليات الدينية في الديار الإسلامية" و"المواطنة والآخر في الرؤية الإسلامية" و"التعايش في التجربة التاريخية الإسلامية".

وسيتطرق المشاركون خلال هذه الجلسات إلى جانب عدد من الورشات لمجموعة من المواضيع تهم "أسس المواطنة التعاقدية من خلال وثيقة المدينة المنورة" و"عرض أعمال المستشرقين حول وثيقة المدينة" و"آفاق المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر" و"الآخر في الرؤية الاسلامية" و"ضمانات المواطنة لدى الأديان" و"التجربة التاريخية للمملكة المغربية في التعايش بين الأديان" و"أسس وأهمية الوئام والمحبة بين المواطنين والتضامن بين الأديان" و"الاسلاموفوبيا وغيرها من انماط الكراهية وآفاق العمل المشترك".

وستتوج أشغال المؤتمر بإعلان مراكش وإصدار وثيقة لدعم هذا الإعلان ومناهضة الاسلاموفوبيا من قبل منظمة أديان من أجل السلام.