إيلاف من بيروت: يبدو أننا فقدنا القدرة على التعايش مع اختلافنا بسلام. لقد أصبحت الخطوط المعقّدة التي تفرّقنا مفضوحة، وسنجد أنّها متعمّقة أكثر مما اعتقدنا، إذا نظرنا إلى القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه بلدنا وقيمنا ومفهومنا للعرق والجنس والحرية. وحتى في خطاب التنازل الذي ألقته هيلاري كلينتون قالت: "نحن مجتمع أكثر انقسامًا بكثير مما أدركنا". 

في سياتل تايمز، وصف نيكولاس كونفيسور ونيك كوراسنتي، كيف أبدى الناخبون انقساماً اجتماعياً وجغرافياً غير مسبوقين: " نصف الأميركيين تقريباً يعيشون الآن بالقرب من أشخاص يتشاركون نفس وجهات النظر السياسية، سواء في البلدات الريفية المحافظة أو في المدن الليبرالية المترامية الاطراف. عدد قليل من أنصار ترامب صرّح بأنّه يملك أصدقاء مقربين صوتوا لهيلاري كلينتون، وعلى الأرجح فمعظم أنصار كلينتون أيضاً يرون ناخبي ترامب على شاشات التلفزيون وليس شخصياً ". 

متجسّد بحاكم مستبدّ

لطالما كان الجمهوريون والديمقراطيون على طرفي نقيض من الأسوار السياسية والاجتماعية. لكنّ الجديد في الموضوع، الذي يوحي بأنّ الوضع غير قابل للحل، هو درجة الاختلاف. فالفجوة اتّسعت بسرعة كبيرة خلال العقدين الماضيين، وربما وصلنا إلى أصعب لحظة في التاريخ الحديث: نصف الناخبين تقريباً في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة صوّتوا علناً لمفترس متعصّب، عنصري، يكره الأجانب، جنسي، ويميّز بين الجنسين. تجسد الانقسام في حاكم مستبد. 

إجراءات محلية

وفي وجه الكراهية المتفشية والعنيفة التي أصبحت واضحة جدًا ومطبَّعة، صار الناس يصارعون ليعرفوا ما يجب القيام به، وكيف يتّخذون الإجراءات اللازمة. 

وفي هذا الإطار، أنا أقترح إجراءات محلية متعددة: التحدث مع الغرباء الذين نلتقي بهم في الشوارع وعلى الأرصفة، في المقاهي والحدائق، والمتاجر والمطاعم. وكلما قمنا بذلك في أماكن تتطلب تفاعلاً مع الناس المختلفين عنا، كان ذلك أفضل. فالناس الذين لا يشبهونك والذين لا تعرفهم، موجودون بالنسبة إليك كمجرد فئات لا أكثر. أفكار تجريدية. الناس المختلفون عن أولئك الذين تقابلهم في الفضاء المادي وتتحدث معهم - وليس عنهم - هم أفراد. وكلما تواصلنا مع أشخاص ليسوا مثلنا، كلما واجهنا تحديات أكبر، وتلقينا دعوات وطلبات لرؤيتهم كبشر، كأفراد يعيشون في سياق وظروف محدّدة. فالكراهية تتغذّى من تصنيف الناس ضمن فئات والنظر إليهم تجريدياً. 

التواصل الإيجابي ضروري 

وعندما أقول التواصل، فأنا أعني التواصل الشخصي. في الواقع، وجد باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن تفاعلاتنا مع أندادنا في الفضاء المادي تؤثر بشكل أكبر على معتقداتنا وآرائنا من أي علاقات أخرى ومن حياتنا على الانترنت. وفي هذا السياق، كتب الباحث اليكس بنتلاند في نوتيلوس: التفاعلات الفيزيائية أكثر فعالية بكثير من وسائل الإعلام الرقمية في تغيير الآراء و... تقدم فرصة أكبر للوصول إلى توافق في الآراء."

ولفترة طويلة، قام علماء الاجتماع وواضعو السياسات والمخططون العمرانيون بدراسة فرضية التواصل ودعمها، علماً أنّ هذه الفكرة في جوهرها، تشير إلى أن زيادة الاتصال الإيجابي مع الناس المختلفين عنك يقلل التحيز. غير أنّ الباحثين حوّلوا انتباههم مؤخرًا إلى التفاعلات السلبية المفهرسة في دراسات فرضيات التواصل واكتشفوا أنّ عاملاً مهماً قد تم تجاهله. فالتفاعل السلبي يحمل وزنًا أكثر عاطفية بكثير من التفاعل الإيجابي، ويميل إلى زيادة التحيز. ويتطلّب الأمر كثيراً من الخير بين الناس للتغلب على التجارب السلبية. 

الإنسانية لم تمت

وتجدر الملاحظة أن لا شيء مما يحدث الآن يدعم فكرة الثقة في أقوال شخص ما لمجرد أن بعض الشكوك تساورك بشأن ما حصل، وأنا لا أؤيد فكرة التعاطف مع الجلادين والمتعصبين. ولكن في كل مرة كنت أومئ أو أقول مرحبًا لشخص غريب في الأيام القليلة الماضية، ويردّ السلام، كنت أتأكد أكثر أنّ السلوك الانساني القويم ما زال موجوداً.

من خلال أصغر التفاعلات الإيجابية مع الغرباء الذين نصادفهم، نختبر ما يسمى "الحميمية العابرة". إنّه لقاء قصير يعطينا شعوراً وجيزاً من الترابط والانتماء. أعتقد أننا بحاجة إلى البدء باستخدام تفاعلاتنا مع الغرباء لإنشاء ما أسميه التحالفات العابرة. علينا أن نفعل الأشياء التي تعزّز الاعتراف المتبادل بإنسانيتنا الجوهرية – مثل الابتسامات والسلامات والأحاديث القصيرة التي تجعلنا نعترف بإنسانية الغرباء. علينا أن نقرّ أيضا أنّ هذه اللحظات تتّسم ببعد جديد. كما يمكننا أن نظهر لبعضنا البعض أن الكراهية لا تسيطر علينا، وأننا حلفاء، وأننا سنحمي بعضنا. 

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف نقلاً عن "ذا غارديان". المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي:

https://www.theguardian.com/lifeandstyle/2016/nov/12/how-to-talk-to-strangers?CMP=oth_b-aplnews_d-2