أجمع المتحدثون في يوم اللغة العربية العالمي على أنها جزء أساس من التراث الإنساني، وأن المدخل الحقيقي والفاعل لرفع مكانتها لا يكمن في مديحها، بل في استخدامها توأمًا للهوية العربية.

إيلاف من باريس: خمسة ملايين دولار قيمة الاتفاقية التي وقعتها اليونسكو ومؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية، تقدم المؤسسة بمقتضاه خمسة ملايين دولار إلى اليونسكو لتعزيز حضور اللغة العربية. جاء توقيع الاتفاق اليوم، خلال إحياء اليوم العالمي للغة العربية 2016، حيث أجمع المتحدثون على أن المدخل الاساس لتعزيز حضور اللغة ليس في مديحها بل في أن نتكلم لغتنا باعتزاز ومن دون استصغار لهويتنا، كما أجمعوا على ضرورة بذل المزيد من الجهود في المدارس والجامعات لنشر العربية... تلك اللغة التي تستمد من مرونتها امكانية التكيّف وفقًا لمقتضيات العصر.&

تهددها الكردية والأمازيغية والأشورية والنوبية أيضًا
حضرت المشاكل وغابت الحلول في يوم العربية

قصة الاحتفال​​

ويقول الدكتور زياد الدريس، رئيس الهيئة الاستشارية لتنمية الثقافة العربية (آرابيا) والمندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو الذي ألقى كلمة الافتتاح، إن اليوم العالمي للغة العربية كان حلمًا في 2012، «والآن أستطيع أن اقول لم يتحقق نصفه او كله بل تحقق ضعف ما كنت أحلم به حينذاك».&

ففي العام 2006، حين زار الأمير سلطان بن عبد العزيز العاصمة الفرنسية باريس، اقترح الدريس عليه إنشاء برنامج لدعم اللغة العربية في اليونسكو، حيث كانت تعاني ضعفًا في وجودها حينذاك من بين اللغات الدولية الأخرى. ويستذكر الدريس: «بالفعل استجاب وتم تأسيس البرنامج الذي موّله الأمير الراحل بـ 3 ملايين دولار، وانطلق البرنامج يبني حضورًا مختلفًا للغة العربية يليق بمكانتها التاريخية والحضارية لكن الطموح لم يتوقف عند مجرد تأسيس البرنامج الفريد من نوعه».&

هدف الدريس، الذي كان نائب رئيس المجلس لمنظمة اليونسكو آنذاك، إلى وضع ركيزة أساسية تكون رافعة للغة الضاد، فحمل مبادرة تأسيس احتفالية اليوم العالمي للغة العربية في اكتوبر 2012. يقول: «في هذا العام 2016، جعلنا محور احتفاليتنا واسعًا، عن تعزيز انتشار اللغة العربية، والآن وبعد خمس سنوات فقط من بدء المبادرة اصبحت اللغة العربية تنافس في حضورها على المراكز الثلاثة الأولى من بين اللغات الدولية بعد أن كانت تتنافس على المراكز الثلاثة الأخيرة، وأرى الاحتفالات العالمية للغة العربية في المدن كافة، وأؤمن بأهمية الإصرار على تحقيق الحلم مهما كان صغيرًا فقد يكبره الآخرون أن نتكلم لغتنا العربية باعتزاز ومن دون استصغار لهويتنا ولغتنا».

مبادرة تعزز حضور لغة الضاد عالمياً
«العربية والعلوم» شعار احتفال اليونسكو بيوم العربية

تنقرض اللغات

يعرف الدريس أن المديح والإطراء للغة العربية لا يجدي كثيرًا، بل اكتساب المزيد من الناطقين بغيرها. ويبين: «المدخل الحقيقي والفاعل لرفع مكانة اللغة العربية ليس في مديحها بل في استخدامها لغة وهوية توأمين. إن اللغات مسار أساس لتفكيك الهويات المتوترة التي وصفها امين معلوف بالقاتلة، ولا شك في أن كثيرًا من الفروقات بين الهويات البناءة والهويات الهدامة كامن في اللغة". ويرى الدريس أن اللغات عرضة للانقراض، مثلها مثل بعض الكائنات، إما لعجز فيها عن مواصلة الحياة بكفاءة او لعكس ذلك تمامًا، أي تعاظم سيطرتها على الارض، ما يهدد بنشوء كائنات أخرى أصغر وأضعف. ويربط الدريس اللغة بالناطقين بها: «عندما تعجز اللغة تضعف لعجز اهلها أو فنائهم فإنها تفنى». يضيف متسائلاً: «أما زالت البشرية تلد لغات جديدة؟ هل يمكن السماح بولادة لغات جديدة من دون انقراض لغات قديمة؟ لو لم تنقرض اللغة اللاتينية التي كانت مهيمنة على أوروبا، أكانت ستولد اللغات الفرنسية والإسبانبة والإيطالية المتداولة الآن؟ هل ينسحب هذا على العربية؟ لماذا لم تنقرض العربية كما انقرضت اللاتينية والسومرية». ويحذر الدريس من أن اللغة العربية التي نجحت في الاستمرار حتى اليوم، مستمدة قوتها من القرآن، لا تملك ضمانة عدم تهميشها في حال أهملها العرب.

وختم الدريس: «نحفظ لغتنا العربية من التهميش بأن نتكلمها ونتباهى بها، لا أن نتباهى بالحديث بغيره».

قوة تبادل الحوار

بدورها، احتفت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بلغة تجمع بين 400 مدينة تنطق بها، وأكثر من مليار مسلم، وهذه قوة لتبادل الحوار وتشاطر الأفكار وتوثيق الصلات بين شعوب العالم الاسلامي، الأمر الذي تشدد بوكوفا على أهميته في الظروف الراهنة التي تعيشها سوريا والعراق. وبالنسبة للمديرة العامة لليونسكو «ينبغي أن يتعلم الكتّاب والمفكرون والعلماء هذه اللغة، وهذه المناسبة الثقافية واللغوية هي ايضًا التزام سياسي بالتفهم. ويسعدني أن أرى مقام اللغة العربية يزداد احترافية مع فناني اليونسكو، والمؤتمر الذي انعقد في اليونسكو في 9 و10 ديسمبر الجاري جمع ثقافات مختلفة دخلت في حوار ثقافي اصيل للتعرف على ثقافة الآخر».

تتابع: «تقدم اليونسكو في كل عام جائزة للثقافة العربية، ونوقع اليوم اتفاقًا مع مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز لتعزيز اللغة العربية، ولا بد من بذل المزيد من الجهود في المدارس والجامعات لنشر العربية ودعم تعليمها في التربية والإبداعين العلمي والفني. نجاحنا متوقف على مساهمات مهمة من الكتّاب والمفكرين والفنانين الذين يعربون عن اهتمامهم باللغة والثقافة العربية اللتين نلتزم بهما إذ نحتفل باليوم العالمي للغة العربية، ونعرب عن دعمنا كل الجهود التي انتهت بمعرض عربي للخط والموسيقى، وفخر للجميع أن تكون المسؤولية ملقاة على الجميع، ليس فقط في إعلان يوم عالمي للغة العربية ولكن في جعلها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الانسانية لتأكيد ما تتقاسمه اللغات من مشاعر، فنحن – وهذا الأهم - نتقاسم ماضيًا مشتركًا ومستقبلًا مشتركًا وهنا تؤدي اللغة دورها».

قيمة جوهرية

وفي ختام الجلسة، عبر &صالح الخليفي، المدير العام لمؤسسة سلطان الخيرية، عن سعادته بتمثيل مؤسسة تنموية خيرية رائدة أسسها الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز.&

يقول الخليفي إن الأمير سلطان بن عبد العزيز سعى الى إغناء القيمة الجوهرية للغة العربية كونها الأداة التي تحمل الافكار وتسهم في التعرف على فرص الابداع والتعلم وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين الامم، الأمر الذي حتم التركيز على تعليم اللغات ونقل العلم والمعرفة بما يسهم في محاولة التواصل الحضاري وإقامة حوار عقلاني مع الآخرين، بما يؤدي إلى تبادل الرؤى والاستفادة مما حققه الغرب من نجاحات وقفزات في علوم مختلفة.&

يضيف الخليفي أن احدى اهم العناصر التي تحتم الاهتمام باللغة العربية ودعمها تكمن في أنها يمكن أن تكون أداة "تصحح الصورة الذهنية السلبية عن العالمين العربي والإسلامي".

لغة بلا طفولة

يضيف الخليفي: "في مجال صناعة النشر ودعم الاصدارات العلمية التي تثري المكتبة العربية، تكفل سموه بتكاليف إصدار الموسوعة العربية العالمية التي اصبحت مرجعًا عربيًا للمعرفة منذ عام 1996. وفي اطار توجهات المؤسسة الهادفة لخدمة المؤسسات الثقافية، جاء دعم سموه للمنظمة الاسلامية للعلوم والثقافة الايسيسكو، والذي بدأ منذ عام 1999 من خلال تحمل تكاليف أنشطة المنظمة المتمثلة في إقامة العديد من الانشطة الثقافية والتعليمية في عدد من دول العالم".

ويتابع: "أجدها فرصة للتأكيد على حقيقة أن اللغة العربية لغة تحمل رسالة إنسانية بمفاهيمها وافكارها استطاعت أن تكون لغة حضارة انسانية واسعة اشتركت فيها امم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها اعتبروها جميعًا لغة ثقافتهم وحضارتهم فاستطاعت أن تكون لغة العلم والسياسة والدين والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة والمنطق والفن ولغة قرآنها الذي تبوّأ الذروة، فكان مظهر إعجاز لغتها أن القرآن بالنسبة إلى العرب جميعًا كتاب ليست فيه لغة سوى الاعجاز، ولعلي استشهد هنا بشهادة احد العلماء حيث يقول عالم فرنسي: اللغة العربية بدأت فجأة في غاية الكمال وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليست لها طفولة ولا شيخوخة. كما قال عالم ألماني: اللغة العربية أغنى لغات العالم. واختم بما قاله ويليم وورك: أن للعربية لينة ومرونة لمكانتها من التكيّف وفقًا لمقتضيات العصر".