لم يكن من السهل أن نعثر على طفل تعرض لسوء المعاملة خلف القضبان، يقبل بالحديث إلى الصحافة.
وبعد جهد ووقت طويل نجحنا في الوصول إلى طفل في الرابعة عشر من العمر، قبض عليه أثناء مظاهر مؤيدة للرئيس السابق، محمد مرسي، أواخر العام الماضي.
وأمضى الطفل عشرة أيام في مركز للشرطة مع بالغين.
ورفض أهله أن نكشف عن اسمه أو مكان سكنه، لكن الصبي أعطانا شهادة مفصلة عما تعرض له وشاهده خلال هذه أيام اعتقاله.
يقول لي إن المشكلة لا تكمن في احتجازه مع بالغين، وذلك مخالف للقانون المصري، وإنما فيما تعرض له من إساءة على حد وصفه.
"أذكر أنني كنت أتعرض للصفع والركل اللكم، لمجرد أنني شاركت في مظاهرة مؤيدة لمرسي." يقول الصغير ذو الجسم النحيل.
لكن الإهانات اللفظية كانت أشد ما آلمه على حد قوله.
"أعتقد أن أكثر ما بقي في ذهني حتى اللحظة هي الشتائم اللاذعة التي كانت توجه لي ولأمي وإخوتي، فحتى اللحظة عندما أسمع صوت سيارات الشرطة أشعر وكأنهم جاءوا للقبض علي".
ترتسم على وجهه علامات الألم والخوف وهو يحدثني بهذه الكلمات.
أسأله إذا كان شاهد أي عمليات تعذيب فيجيبني قائلا: "كان هناك أطفال من عمري يخرجون من الزنزانة ويعودون عليهم آثار تعذيب في صدورهم وظهورهم.
أخبروني أنهم كانوا يجبرون على خلع ملابسهم وكانوا يصعقون بالكهرباء بعد أن يرشوا بالمياه".
قانون الطفل المصري
وفقا للقانون، فإنه يحظر احتجاز الأطفال، أي من هم دون الثامنة عشر، مع البالغين، إذ تخصص لهم أماكن احتجاز خاصة تسمى بمؤسسات الرعاية الخاصة بالأحداث.
ويراعى في تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة.
كما لا يجوز أن يحال القاصر إلى محكمة الجنايات ولا تصدر بحقه أحكام بالمؤبد أو الإعدام.
ولا يحبس احتياطايا من هم دون سن الخامسة عشر، ويجوز للنيابة العامة إيداعهم إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع ، على ألا تزيد مدة الإيداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها وفقا لقواعد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية .
داخل دور رعاية القاصرين
تحدثنا إلى نزيل سابق في دار للرعاية. تعرف الدار بالمؤسسة العقابية في حي المرج شرقي القاهرة، وهي أشهر دار احتجاز للقاصرين في مصر.
اسمه ك.ع ويبلغ من العمر 17 عاما. أمضى في المؤسسة نحو عام في قضية جنائية.
وقال إن هذه الدار ساحة للعديد من الانتهاكات بحق الأطفال بدءا من الشتائم والضرب ووصولا إلى الصعق بالكهرباء والاعتداء الجنسي.
يقول ك.ع: "الاعتداءات لا تحدث بالضرورة من قبل المشرفين على الدار أو القائمين على حراستها، بل غالبا ما يقترفها نزلاء الدار أنفسهم.
إذ يتم تعيين مسؤول عن كل مجموعة من المحتجزين، يتم اختياره من بين النزلاء الأكثر شراسة حتى يهابه الجميع.
ويسمى هذا الشخص بالقيادة، ويكون مفوضا من قبل القائمين على المؤسسة للتنكيل بزملائه من الأطفال.
فهم يكلفونه بالمهمة حتى لا يقوموا بها بأنفسهم تهربا من المحاسبة".
ذهبنا في معاينة للمؤسسة العقابية، فبدت لنا من الخارج كالسجن. أقيمت الدار على مساحة شاسعة وأحيطت بجدران سميكة وأسلاك شائكة وبها أبراج مراقبة.
تتولى وزارة التضامن الاجتماعي تعيين الأخصائيين المكلفين بالتعامل مع الأطفال في المؤسسة العقابية، بينما تتولى وزارة الداخلية حراستها.
حاولنا الاتصال بالوزارتين مرارا للرد على استفساراتنا لكننا لم نتلق جوابا.
حالة مازن
أثارت حالة الطفل مازن انتباه منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية التي أصدرت تقريرا في ديسمبر/ كانون أول الماضي، انتقدت فيه ظروف احتجازه في أحد مراكز الشرطة بالقاهرة.
بعد أيام من صدور التقرير، نقل مازن إلى دار للرعاية حيث لا يزال خاضعا للحبس الاحتياطي.
التقينا والدة مازن فأوضحت لنا أن عددا كبيرا من قوات الأمن داهمت منزلهم فجرا، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وألقت القبض على ولدها، الذي وجهت له فيما بعد تهمة الانضمام إلى جماعة محظورة، في إشارة إلى جماعة الاخوان المسلمين.
لم تتمالك أميمة، والدة مازن، دموعها وهي تحكي لنا عما سمعته من ولدها، عن حياته داخل مركز الشرطة.
وقالت: "أخبرني أنهم كانوا يصعقونه بالكهرباء في أعضائه التناسلية.
كانوا يعلقونه في سقف الغرفة ويوسعونه ضربا حتى ينزف.
هذه الانتهاكات ستقضي على صحته النفسية لبقية عمره خاصة الاعتداءات الجنسية".
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أصدرت وزارة الداخلية بيانا بشأن حالة مازن أوضحت فيه أنه تم إحالته للطب الشرعي بناء على طلب من محاميه، بعد أن زعم فريق الدفاع أنه تعرض للاعتداء الجنسي، لكن تقرير الطب الشرعي، وفقا لبيان الوزارة، أثبت عدم صحة هذه المزاعم على الإطلاق.
لم تستجب الداخلية لمحاولاتنا المتكررة للتحدث إلى أحد مسؤوليها بشأن باقي الاتهامات.
شكاوى الحقوقيين
يقول الكثير من النشطاء إن السلطات في مصر لم تستجب للشكاوى المتكررة بشأن ظروف احتجاز الأطفال المخالفة للقانون على حد قولهم.
يقول مالك عدلي المحامي في حقوق الإنسان: "لا يتم الالتزام بنصوص القانون على الإطلاق عندما يتعلق الأمر باحتجاز القاصرين.
فهم يودعون مع البالغين وأحيانا مع مجرمين شديدي الخطورة.
وعندما نشتكي من هذا الأمر يتم تحويلهم إلى ما يسمى بالمؤسسة العقابية، وهي لا تختلف كثيرا في بشاعتها عن باقي السجون المصرية.
لكننا نظل ندق ناقوس الخطر بشأن هذه القضية لعل هذه الجهود تثمر يوما ما".
لا توجد أرقام دقيقة بشأن أعداد الأطفال المحتجزين في مصر لكن حقوقيين يقدرونهم بالمئات على الأقل، في ظل غياب أي بيانات رسمية في هذا الشأن.
التعليقات