أكد خبراء سياسيون ومحللون أن التغييرات التي جرت في هرم السلطة في الحكومة الشرعية في اليمن لم تكن مفاجئة، وهي تصب في إعادة بناء الشرعية ومواكبتها للتحولات السياسية المتسارعة، مشيرين إلى أنها لم تكن بسبب تباين سياسي في الآراء، كما يحاول أطراف الانقلاب أن يروّجوا، وأكدوا أن أهداف التحالف العربي واضحة ومتماسكة، وأن هذه الشائعات محاولة لتشتيت الصف وبث الفرقة.

صنعاء: كان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قد عيّن الأحد نائبًا جديدًا له، ورئيسًا جديدًا للوزراء، معفيًا بذلك خالد بحاح من المنصبين، ففي تغيير في المناصب القيادية، وصفه مراقبون بالكبير والمفاجئ، عيّن الرئيس هادي في منصب نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن الأحمر، وهو قائد عسكري انشق عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح في احتجاجات عام 2011، وأعلن تأييده للثورة، ومع اجتياح مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) صنعاء، غادر البلاد إلى العاصمة السعودية الرياض.

أما في منصب رئيس الوزراء، فقد عيّن الرئيس هادي، أحمد عبيد بن دغر، الذي كان مسؤولًا في حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يترأسه علي عبدالله صالح، كما شغل بن دغر منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات في حكومة الوفاق الوطني، كما شملت القرارات تعيين خالد بحاح مستشارًا لرئيس الجمهورية، هذا وتأتي هذه التعيينات قبل أيام على بدء تطبيق وقف إطلاق نار شامل في 10 أبريل/نيسان الجاري، تمهيدًا لانطلاق المفاوضات في الكويت في 18 من الشهر نفسه.&

تدعيمًا للشرعية
الباحث السياسي، رئيس منتدى الجزيرة للدراسات الإستراتيجية، الدكتور نجيب غلاب، أوضح أن المتابع الجيد للأوضاع في اليمن يدرك تمامًا أن هذه التغييرات لم تكن مفاجأة، وتحديدًا إذا تم ربطها بمسألة التحولات المتسارعة في المجال السياسي، فهذا الأمر كان يقتضي إحداث تغيير لإعادة بناء الشرعية وتركيبة القوى التي كانت في الميدان.&

وأشار في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن الحكومة الشرعية السابقة كانت لا تعكس طبيعة هذه القوى، و ما أخّر مسألة التغيير، هو طبيعة المرحلة السابقة التي كانت منصبّة على المعركة العسكرية. وأضاف: "نتيجة للأوضاع الحالية، ما كان بالإمكان إحداث تغيير، حيث كان سوف يحدث هذا نوعًا من الخلل، وبالتالي تم تأجيل هذا التغيير حتى يأتي الوقت المناسب".

من جهته، قال الدكتور سلطان المهدي، إن التغيير الذي طرأ على هرم السلطة في الحكومة الشرعية، كان مهمًا، حيث قام بإعادة تركيبة القوى والتوازن في السلطة داخل البنية الشرعية، وأيضًا باتجاه تقوية الحكومة الشرعية وخلق انسجام داخلها، وهذا أمر مهم جدًا لمفاوضات الكويت التي ستبدأ في 18 نيسان/إبريل، حيث لا بد أن تكون الحكومة المفاوضة حكومة قوية. &

رسالة طمأنة
وأشار المهدي في حديثه لـ "إيلاف" إلى أن تعيين قيادي من "شمال اليمن" كان أمرًا مهمًا، لاسيما أن الشمال لم يكن ممثلًا في المستويات العليا داخل الشرعية، وهذا التعيين هو بمثابة رسالة طمأنة إلى المحافظات الشمالية التي ما زال يسيطر عليها الحوثيون.

وعمّا يشاع حول أن التغييرات كانت نتيجة لضغوطات وتباين في اختلاف وجهات النظر، قال الدكتور نجيب غلاب إن أهداف التحالف العربي واضحة ومتماسكة، والشائعات مصدرها أطراف الانقلاب، مشيرًا إلى أن من الشائعات الرائجة التي تدّعي أن الجنرال علي محس الأحمر جاء بضغط من الإخوان المسلمين، هي غير صحيحة.&

أضاف "باعتباري متابعًا للأحمر منذ فترات طويلة، فأنا أؤكد أنه شخصية لا علاقة لها مطلقًا بالإخوان، بل الإخوان هم من يحاولون أن يوظفوا وجوده لمصلحتهم، وربما تواصل الأحمر مع المؤتمر الشعبي، كما لديه تواصل مع اليساريين والناصريين، وقد كان جزءًا من تركيبة الاحتجاجات في 2011، وبالتالي هناك كتلة شابة تدين له بالشكر، وبعضهم بالولاء، باعتباره حماهم، وأنا أعتقد أن وجوده في 2011 كان الضابط الأساسي لعدم انجراف اليمن إلى حرب أهلية.

ولاءات عديدة
متفقًا مع هذا الرأي، قال الدكتور سلطان المهدي، إن وجود قيادات مثل الأحمر وبن دغر في الحكومة الشرعية، من شأنها أن تساند الرئيس اليمني هادي في تجاوز الإخفاقات السابقة والتقصير الحكومي في ما يخص مسألة التواصل مع القوى الشعبية في الميدان والقوى الأكثر تأثيرًا، مشيرًا إلى أن الأحمر على ارتباط بالتيار القبلي المرتبط بالمؤتمر الشعبي العام، وحتى مع المتعاطفين مع الحزب، داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، فهو يمتلك ولاءات كثيرة داخل هذه التيارات، التي هي اليوم منجرفة بشكل أو بآخر مع صالح، ووجود علي محسن يشكل تأمينًا وطمأنة لها، وهذا يضعف أيضًا دور علي عبدالله صالح.

حول شخصية عبيد بن دغر، قال الدكتور نجيب غلاب، &أنه يمثل المؤتمر الشعبي العام، وهذا التيار هو من أقوى التيارات الموجودة في الساحة، والذي تحول إلى حاضنة للحركة الحوثية، فوجود بن دغر اليوم على رأس السلطة مهم لإقناع القاعدة الشعبية للمؤتمر بأنها شريك أساسي داخل الشرعية، وهذا يضعف تيار صالح الرافض لتطبيق مقررات مجلس الأمن، مشيرًا إلى أن بن دغر يحظى باحترام من القاعدة الشعبية، ولديه القدرة على تأمين المصالح التي يمثلها المؤتمر الشعبي داخل الحكومة، في حال وصلت المقاومة إلى صنعاء، كما لديه القدرة على إجراء مصالحة، وضمان أن لا تكون المقاومة محل استهداف من قواعد المؤتمر الشعبي.

النهاية اقتربت
تجدر الإشارة إلى أن ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، سبق أن أعلن في مطلع هذا الأسبوع عن قرب النهاية لحرب اليمن، وعن وجود وفد لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في الرياض، وذلك خلال مقابلة أجراها مع شبكة "بلومبيرغ" الأميركية، حيث أكد الأمير محمد بن سلمان أن السعودية تدفع باتجاه "الفرصة الراهنة" لإحلال السلام في اليمن، لكنها مستعدة في الوقت عينه لكل الاحتمالات، كما كشف عن عملية تفاوضية واسعة تجري بشأن اليمن، وأن هناك اتصالات جيدة مع الحوثيين، عبر وفد حوثي موجود في الرياض.


&